الدكتور مراد وهبة، أستاذ الفلسفة والمفكر الكبير، يطرح عددا من القضايا التى يحلل من خلالها القرن العشرين، ويبحث عن سقوط العالم فى خيوط الأصولية، فى وقت ظن أنه تخلص منها وقهرها وأن الليبرالية أخذت المكان الذى يليق بها، لكن هذه الليبرالية كانت مختبئة فى صميم كل الديانات الموجودة على ظهر الأرض وفى أفكار قادة العالم ورجاله السياسيين، هذه الأصولية التى انعكست على السياسة أعادت تشكيل العالم فرأينا قيام دول وانهيار أخرى، كل هذا وغيره جاء فى كتاب "زمن الأصولية.. رؤية للقرن العشرين" والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
يتوقف مراد وهبة فى الكتاب بعد أن يستطرد فى المقارنة بين الليبرالية والأصولية عند تاريخ معين هو سنة 1979 ويرى أنه عام تحكم الأصوليات الدينية فى المجال الدينى والسياسى، ويرصد الكتاب عددا من الأحداث العام التى انتهت بالعالم يمسك سلاحا فى وجه الآخر المختلف معه بل ويطلق الرصاص.
فقد كان عام 1979 هو نقطة البداية فى تدمير الاتحاد السوفيتى، عندما قرر السوفييت غزو أفغانستان فى ذلك العام، وعندئذ قرر الرئيس الأمريكى جيمى كارتر تدعيم الأصولية الإسلامية فى أفغانستان لمواجهة الغزو السوفيتي، فنشأت الحركات المتشددة ومنها طالبان، التى تحولت بعد انتهائها من السوفييت وانتقمت من أسادها الأمريكان، وفى هذه الفترة أصبح الجهاد فى أفغانستان يتردد على أسماع الشعب العربى كما تتردد كلمة فلسطين.
فى أول فبراير 1979 عاد آية الله الخومينى إلى إيران بعد أن كان منفيا فى باريس لمدة 15سنة وفى 12 فبراير أعلن تأسيس الجمهورية الإسلامية، وعلى الرغم من كون أمريكا سعت لإقامة علاقات مع رجال الثورة إلا أن رجال الخومينى اعتبروا أمريكا العدو الأعظم الذى يواجههم.
فى 9فبراير 1979 أصبح الشاذلى بن جديد الرئيس الرابع للجمهورية الجزائرية فقرر تدعيم الأصولية الإسلامية، وعند ذلك استدعى الشيخ محمد الغزالى وعينه أستاذا بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وأمر بأن يكون له حديث متواصل فى الإذاعة والتليفزيون، والشيخ الغزالى معروف عنه بعد ذلك أنه بارك مقتل المفكر فرج فودة، كما أن الجزائر بعد ذلك دخلت فى سلسلة من الدم بعد تنامى التيار الأصولى.
وفى نفس العام 1979 تأسس فى أمريكا حزب "الأغلبية المسيحية" بقيادة القس جيرى فول من أجل تحرير أمريكا من أى قيد على التسلح، والتوسع فى الدعاية ضد الشيوعية، ومحاربة الليبرالية وقام بعدد من الاتفاقات مع طوائف دينية أخرى لمهاجمة الأفكار المخالفة.
وفى 26 مارس 1979 أبرمت المعاهدة المصرية الإسرائيلية فى مناخ أصولى بقيادة كل من بيجن رئيس وزراء إسرائيل والرئيس أنور السادات، وكانت جماعات التيار الإسلامى فى مصر قد تنامت بعد أن أطلق السادات يدها لمواجهة التيارات اليسارية فى الجامعات، ولعل نهاية الرئيس السادات على يد هذه الجماعات المتطرفة يعكس الوضع الذى وصلت إليه الأصولية الدينية المتطرفة.
الكتاب لم يتوقف عند سنة 1979 لكنه جادل كثيرا فى (الأصولية والليبرالية والحاكمية) التى رأى أنها مصطلحات ومفاهيم شكلت تفكير الإنسان منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن، ومن خلالها يمكن تفسير ما انتهينا إليه، بل ما انتهى إليه العالم، ويعرض الكتاب للصراع الدائم بين الأصولية والليبرالية، ويرى أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يلتقيا، ويرصد قدرا كبيرا من التواريخ المهمة فى "زمن الأصولية" الممتلئة بالدم والعنف والضياع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة