"مقام البلاد" قصيدة للشاعر نور الدين بوجلبان

الأربعاء، 30 ديسمبر 2015 11:07 م
"مقام البلاد" قصيدة للشاعر نور الدين بوجلبان ورقة وقلم – أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وقف على الضفّتين..
راوح بين حلم وحلم...
وراح يسرّح ناظريه فى اتّجاه البعيد.
يقول:
لم تملؤنى هذى البلاد
بالهواجس والخواء؟!
وكيف الرّحيل منها إليها، ولا ضجيج؟!
لم البلاد فى ضلوعى وذى الطّريق؟!
قالوا: حديد... رماد... جليد...
وقلت: حرير وعسل مصفّى وياسمين. "

كان يجالسنى خلف عينيّ...
ومن حين إلى آخر يمدّ يده إلى نخل تسامق فى سماه فيقطف سحابة تمرّ إلى الجهة الأخرى ثمّ يقعدها الأرض كأنّما يخشاها ويلاطفها كطفل يورق فى اللعب.. ثمّ يرتمى على الأرض يقلّب وجهه فى ثراها ويمزج دموعه بشيء نابع منها لا يدريه. وحتّى إذا ما هادنه البكاء استلّ من أحد جنبيه حزمة ضوء ونشرها فى اتّجاه البحار... وقال:
إليك عنّى أيّها الضّوء...!
دعنى حتّى أرى.
هو البحر فى أضلعى
ونجمتى تمتطى كتفي
وبلادى تلهو بظلّى ولا تراني
لذا سوف أرحل حتّى لا يأتى الرّبيع
كما اعتاد أن يجيء.
آه! يا بلادا لست أعى جيّدا ما تواري...
سوف أنحتك من كياني.
فإليك عنّى !
ودعينى أمارس عينى كما أشتهي.
لست حرفا.
فلا تحاولينى كلاما !
وارحلى فى تجاويف الخرافات القديمة.
كونى حديدا ونارا...
واشربى زقّوما حراما...
وكلى من جميع الثّمرات.
هناك...
هناك فقط سترينني
وترين كيف يبنى الضّوء خيمته فى فضائي.
آه..! يا بلادا تجلدنى بالعشق
وتمنعنى من حرقة البوح والكلام! "

ثمّ تاه...
وكان يهذى كمن به مسّ أو به شوق للرّحيل...
وصام أيّاما عن أحلامه... وأعدم ظلّه دهرا... ثمّ جاءنى يهاجسني
ويقول:
"انظر...
رمال على شاطئ الانبهار...
ولا بحر يزهر...
ولا شهرزاد تشيد الصّباح...
وكلّ العصافير تجمّعت فى الثّنايا
ولا تحطّ...
وكلّ الأشجار فى البلاد غريبة...
وكلّ البلاد تصلّى للمباح !"
ثمّ يسكت... فتنتهى المراسم الخلّبيّة... ويسكن الاحتفال المخملى كما طحالب البحر التى لا تموت...ثمّ يجول بناظريه كبعض روّاد المارستانات
ويقول:
بلادك الحلم آتية.
فلا تخش عراءك !
واستقم فى غنائك !
ابحث عن عشبك البرّي!
شيّد جدران بيتك!
لا تنم!
مزّق ورقة التّوت
وانتصب فى الطّريق"

ثمّ يسكن ساعة كأنّما يصوم الدّهر...
ثمّ يعاوده الهيام فيصرخ:
"دعينى أيّتها التى تغتال ظلّى
وتشنق صوتى بحبل غسيل!
دعينى !...
دعيني... !
فغدا يخضرّ فى جسدى الحريق
وغدا ألقى الأحبة والطريق".
..ثمّ تصيبه نوبة من جنون
فيرحل فى الزّحام...


















مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة