لا فرق بين جهاز «سى دى» يدار فى سيارة مرسيدس أو بى إم أحدث موديل وبين جهاز فقير، أو حتى كاسيت قديم مربوط على موتوسيكل، أو عجلة يركبها صبى لتوصيل الطلبات للمنازل، فالاثنان يستمعان لنفس نوعية الغناء، أغانى المهرجانات.
لا فرق بين عرس يقام فى أفخم قاعة فندق خمس نجوم، أو قصر فى المريوطية، أو عرس يقام فوق سطح أحد البيوت فى منطقة فقيرة عشوائية أو فى الشارع، فالعروسان ومعازيمهم يستمعان ويرقصان على أغانى المهرجانات.
حيثما سرت فى شوارع المحروسة أو فى غيرها من المدن الكبرى، أو دخلت أحد أسواقها فأنت ستكون محاطًا بموسيقى صاخبة مكونة من أصوات من الآلات الإلكترونية ثم صوت بشرى معدل كهربائيًا وبتعبير أدق إلكترونيا يقول كلمات إذا فهمتها عادة ما تتحدث عن الصداقة أو قلة الأصل أو المخدرات وأنواعها وموضوعات من هذا القبيل، إذا نحن أمام ظاهرة تبدو فى ظاهرها أنها فنية لأن لها علاقة بالموسيقى والغناء والرقص الأقرب للبريك دانس، ولكن حقيقة الأمر أنها ظاهرة اجتماعية يجب ألا يغفلها علماء الاجتماع ودارسوه قبل النقاد والمتحدثين عن الفن.
بدأت أغانى المهرجانات أو هذه الصيحة فى أفراح المناطق الفقيرة وخاصة العشوائية، حيث لا يقدر أصحاب العرس إلا على ثمن دى جى ليحى لهم العرس، وعادة ما كان هذا الدى جى يتدخل فى الغناء أو يشير بصوت جهورى لأقوى وأفضل من يرقص، ثم تطور الأمر لأن أصبح الدى جى نفسه يستطيع الغناء باستخدام التكنولوجيا الإلكترونية دونما حاجة لصوت يطرب، فالموسيقى الراقصة تُغنى عن الطرب والكلمة، فمن من الممكن أن يهتم بكلمات ونحن نعرف جيدًا حالة المعازيم فى أى عرس فقير فى منطقة عشوائية، وكل هذه الحالة كانت حتى عامين أو يزيد قليلًا منحصرة فى المناطق الفقيرة العشوائية وما أكثرها فى مصر.
ولكن حدث تغير جوهرى فى الأمر حين نقل بعض صناع سينما الأعياد هذه الأغنيات إلى شاشة السينما وتم ترويجها وترويج بعض أبطالها ورقصهم عليها، وبالتالى اشتهروا فى أوساط أخرى، فصار غناء المهرجانات بالنسبة للطبقة الفقيرة العشوائية حلما سهل المنال، فلا حاجة لأحدهم من موهبة أو شاعر يكتب كلمات أو ملحن ينمق نغمات فقط قدرة على الرقص وما أسهل الأمر.
أما فى الأوساط الأخرى والشرائح الأعلى ماديا واجتماعيًا فكان انتشار المهرجانات وأغانيها نوعا من الخروج عن المألوف فى الغناء المنتشر، وفرصة أيضًا لرقص بلا فكر، ونحن شعب راقص يرقص حتى على الأغنيات الحزينة.
وهنا للأسف سيأتى دور علماء الاجتماع لأننا أمام مجتمع يحتاج لعلاج حقيقى، ليس لأنه يرقص على أغانى المهرجانات التى أظن أنها موضة ستنتهى وتنزوى إذا لم تتسلح بفن حقيقى، ولكن لأن المجتمعات الصحيحة تتحرك فيها موجات التغيير والتأثير من فوق لتحت، ولكن حين ينقلب الأمر وتأتى موجات التغيير والتأثير من تحت لفوق فهذا دليل مرض عضال.
قالوا قديما «المية ماتطلعش فى العالى»، أى أن لكل صعود أو هبوط قاعدة ثابتة بشكل علمى، فإذا طلعت المية فى العالى هذا دليل على شيء غير طبيعى، وفى المجتمعات الصحية فالأكثر ثقافة والأعلى شأنًا فى التذوق والفن هو من يجب أن يؤثر على الأقل ثقافة والأدنى تذوقًا، وبالتالى تنهض وتتطور المجتمعات للأفضل، ولكن فى مصر للأسف نحن نتدهور أو نتكعبل من فوق لتحت، فأغيثونا يا علماء الاجتماع.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سالم عطية
توابع زلازل السبكى