مكتبة الإسكندرية تصدر كتابا بعنوان "الإسكندرية قبل ثورة 25 يناير"

صدر عن مكتبة الإسكندرية كتاب "الإسكندرية قبل ثورة 25 يناير: طوفان من الإبداع المتميز"، للكاتب سعيد سالم، والذى يرصد من خلال مجموعة مقالات نقدية حالة الإبداع الثقافى فى الإسكندرية، وتحديدًا فى عامى 2009 و2010.

وأكد الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، أن الإسكندرية تستعيد فى الأعوام الأخيرة عافيتها بقوة، تتضافر جهود أبنائها وعشاقها والجهود الشخصية والمؤسساتية وفى القلب منها مكتبة الإسكندرية، فتكثر دور النشر، والمراكز الثقافية الرسمية وغير الرسمية، والتجمعات والمبادرات الثقافية وغيرها، ويكون نتيجة هذا كله أن تعود الإسكندرية إلى مكانتها المستحقة فتصبح قبلة المبدعين المصريين والعرب والأجانب، يرغب الجميع فى التواصل معها ومبدعيها وأنشطتها.

وقال إن نشر هذا الكتاب هو إشارة إلى تبنى مكتبة الإسكندرية لمبدعى المدينة ونقادها ومفكريها، تدفعهم للأمام، وتقدم لهم الأجواء المناسبة للعمل، والعون الكامل لأداء هذا العمل على أكمل وجه. ولقد خصص مبدع كبير وهو الأستاذ سعيد سالم عامًا كاملاً لمتابعة الإبداع فى الإسكندرية؛ الإبداع السردى والشعرى؛ وإبداع الرجل والمرأة؛ وإبداع الشباب والكبار، إبداع المقيمين بالمدينة من أبنائها أو عشاقها؛ وإبداع أبناء المدينة الذين لا يعيشون فيها لسبب أ لآخر. وأنتجت هذه المتابعة الجادة والواعية قراءات فى عدد من هذه الإبداعات، قراءات بها الكثير من الفهم والمحبة والإخلاص للمبدعين أنفسهم ولمدينتهم وللإبداع بشكل مطلق، لم يجامل أحدًا، ولم يكن شديد القسوة أيضًا، لكنه كان حريصًا على سبر أغوار ما يقرأ من إبداع وتنوير.

وأضاف أن هذه القراءات قد لا تكون دراسات نقدية علمية متخصصة، لكنها تقدم ما هو أكثر أهمية من ذلك، علاقة المبدع المباشرة مع نصوص مبدعين آخرين، هنا لا تتحكم القواعد والنظريات، بل الذائقة الإبداعية لمبدع متمرس بفنه مارسه لعشرات السنين وحصل فيه على أرفع الجوائز، والأهم أن الكاتب كان حريصًا على وضع النصوص التى يقدمها فى سياقها الاجتماعى والسياسى الذى أفرزها، فالإبداع دائمًا ابن ظرفه المجتمعى والسياسى الذى يتم إنتاجه فيه.

ويقول الكاتب سعيد سالم أن الأعوام الأخيرة السابقة كانت مختلفة كل الاختلاف عن كل الأعوام الثقافية بالإسكندرية، حتى إنه من الممكن أن نطلق عليها أعوام الانفجار الإبداعى، روائيًا وقصصيًا وشعريًا؛ ففيها توالى صدور الروايات والمجموعات القصصية والدواوين الشعرية فى تتابع مستمر، وبسرعة غير مسبوقة خلال العامين 2009 و2010.

وأكد أنه من الملفت للنظر فى هذه الطفرة الثقافية هو تميزها بثلاثة ظواهر. الأولى هى أنها كانت فى معظمها شبابية، وقد كشفت عن مواهب على درجة عالية من الوعى والثقافة، كما كانت سماتها السائدة بين أعمال معظم كتابها مزيج من السخط الشديد على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، مع شعور عام باليأس والإحباط والعجز عن الإصلاح أو التغيير، وذلك باستخدام الرمز فى أغلب الحالات للحض على الثورة على هذا الوضع المتدنى.

أما الظاهرة الثانية للطفرة الثقافية هى أنها حافلة بإنتاج المرأة من مختلف الأجيال وليس الشابات فقط.

والظاهرة الثالثة هى أن هناك مبدعين ومبدعات قد انضموا إلى قافلة الكتاب لأول مرة بعد تجاوزهم الستين ليقدموا أعمالاً جديرة بالانتباه، على درجة عالية من الجودة الفنية، لا تقل فى ذلك عن أعمال كثير من الكتاب القدامى المحترفين، ويبدو أنهم كانوا يحبسون طاقاتهم الإبداعية حتى يتفرغوا لإطلاقها بعد أن خلصهم التقاعد من أعبائهم الوظيفية الروتينية المرهقة.

وقال إنه من الملفت أيضًا أن معظم هذه الأعمال القصصية والروائية والشعرية قد نوقشت إما بندوة نادى القصة التى يديرها الناقد عبد الله هاشم، أو بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية؛ والذى يديره الأديب منير عتيبة. وقد ناقش معظم هذه الأعمال الناقدان الأكاديميان الكبيران الدكتور محمد زكريا عنانى والدكتور السعيد الورقى، اللذان تحملا أمانة الكشف عن المواهب السكندرية الواعدة منذ عشرات السنين دون تردد أو تكاسل أو تجاهل لأحد على الإطلاق.

ويضرب الكاتب أمثلة متنوعة تعبر بحق عن تلك الظواهر الثلاث السابقة. وبغض النظر عن التكنيك الفنى المتنوع والمائل إلى الحداثة فى معظم الأعمال المشار إليها، فإن هذا التيار الساخط الغاضب قد أفرز أعمالاً متباينة الشكل والمضمون والقيمة لكاتبات وكتاب من مختلف الأجيال؛ منها رواية "زيوس يجب أن يموت" لأحمد الملوانى، ومجموعة "الأشياء والأشخاص والأماكن" لعلية أبو شنب، ورواية "كله تمام يفندم" لرشاد بلال، ومجموعة "فى انتظار القادم" لمحمد عطية"، ورواية "وشوشات الودع" لمنى عارف، ورواية "إيقاع الموج والزبد" لآمال الشاذلى، ورواية "حاوى عروس" لمنير عتيبة، ومجموعة "قراءة فى أشواق قديمة" لسمير المنزلاوى، ورواية "يا محنى ديل العصفورة" للشربينى المهندس، ورواية "منامة الشيخ" لممدوح عبد الستار، ومجموعة "حدود ضيقة" ليحيى فضل سليم، وغيرهم.

ويرى الكاتب أن أبرز وأهم تلك الأعمال رواية "زيوس يجب أن يموت" لأحمد الملوانى. قدم الملوانى رواية رمزية على مستويين من الحكي؛ يتناول الأول مأساة المثقف المصرى ومواقفه تجاه تسلط الحكام وإجرامهم، والثانى فكان مستوى الفعل الإيجابى للمقاومة والإصرار والعناد والتحدى لإحداث التغيير المطلوب، وهو ما حدث تمامًا يوم 25 يناير 2011 العظيم، وما أعقبه من تداعيات ثورية على مستوى الشعوب العربية بأسرها، مازالت تتوالى حتى اليوم.

أما الظاهرة الثانية فهى ظهور وجوه أدبية نسائية موهوبة مثل انتصار عبد المنعم وإيمان السباعى وغيرهما، جنبًا إلى جنب مع تطور إيجابى ملموس فى أعمال كاتبات ظهرت لهن أعمال من قبل، مثل حنان سعيد وآمال الشاذلى وغيرهما، فضلاً عن ظهور أعمال جيدة القيمة لكاتبات تتراوح أعمارهن بين العقدين الثالث والخامس.

وتمثل الظاهرة الثالثة من قدموا أعمالاً روائية وقصصية فى سن متأخرة، مقتحمين عالم النشر إما على استحياء وإما بجرأة فائقة بنية الاستمرار، وإما على سبيل التجربة وحب الاستطلاع وترقب النتائج. ويذكر الكاتب من هؤلاء الدكتور عبد البارى خطاب، وهو دكتور فى الاقتصاد أصدر ثلاثة روايات متتابعة خلال فترة زمنية قصيرة بعد إحالته إلى التقاعد، وسراج النيل الصاوى الذى أصدر ثلاثيته الروائية المتتابعة تحت عنوان "حكايات ضابط فى الأرياف"، كما قدم القاص على ياسين مجموعته القصصية المتميزة "خطوط داكنة"، وقدم عبد العاطى فليفل رواية "للجبل وجه آخر".

ويتضمن الكتاب أيضًا مجموعة مقالات أخرى عن أعمال نشرت قبل العامين المذكورين، أضافها الكاتب لأهميتها الأدبية والسياسية، وليجمع أكبر عدد ممكن من كتاب الإسكندرية.