وائل السمرى

لتتذكر أنك إنسان

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قوية هى، وفى قوتها يظهر ضعفنا، صبية هى، وفى صباها تظهر شيخوختنا العميقة، جريحة هى، لكننا نحن النازفون.

وقفت نادية مراد، تلك الفتاة الإيزيدية الشابة فى مجلس الأمن الموقر، فأثبتت أن الوقار الذى تكتسى به حوائط المجلس ليس إلا هشيما، حكت كيف اغتصبها أعضاء تنظيم داعش، وكيف رأيت أخواتها يقتلن وأهلها يباعون، وكيف خرجت من جحيمها لتسجننا فيه بتلك الكلمات الحادة، وقفت كالشجرة السامقة، فتقزمت هاماتنا أمام شجاعتها وثبات صوتها ورجاحة حجتها وعميق بلاغتها، وقفت وهى التى تحمل ذل الأسر ونير الاستعباد فألقت ما بها علينا ورسخنا نحن فى الدرك الأسفل من الإنسانية.

لم تطلب إلا أرضها وهواءها وماءها، لم تطلب إلا أن نعيد لعيونها الرؤية ولصدرها التنفس، ولشرايينها الدماء، لم تطلب شيئا يذكر بالنسبة لنا، لكنها طلبت كل شىء بالنسبة لها، فالوطن حق، والحياة حق، والراحة حق، لكننا بشر ملعونون بضياع الحق بيننا، وملعونون بالفرجة على المآسى وبالعجز عن رفعها.


تكلمت نادية فذبلنا، تكلمت فكانت كل كلمة حجر، رجمتنا بالكلمات فتساقط جلدنا، نحن الذين تفرجنا عليها وعلى أخواتها وهن يرجمن بالنيران، فلم يتحرك فينا شىء إلا شفاهها التى زممناها تعبيرا عن التأثر، تكلمت فأيقظت فى داخلنا شيئا يسمى الإنسان، شيئا يسمى الرحمة، شيئا يسمى الإحساس، لكنها - بكل أسف - موعودة بنسيان قريب وتجاهل عميق شأنها شأن غيرها من المعذبين المقهورين الذين يتقلبون بين الآهات كما تتقلب قطعة اللحم بين أسنان جائع.

ذنبها أنها ولدت ضمن مجموعة من البشر ينتمون إلى عقيدة فريدة، وبدلا من أن نصون هذه الفرادة الثقافية النادرة حاربناهم وقتلناهم وسعينا إلى إبادتهم، وتركناهم بين فكى تنظيم «داعش» اللاإنسانى فأجهزوا على ما تبقى من السلم برغم أن الديانة الإيزيدية ديانة غير تبشيرية يكتفى متبعوها بأنفسهم، لا يسعون إلى حكم أو استيلاء أو توسع، وبرغم أنهم لا يقبلون الزيادة، لكننا أرغمناهم على قبول النقصان.
نطالب بتحرير كوجو حتى نتمكن من دفن موتانا، هكذا صرخت نادية، فأبكت كل من له عين وقلب، فنعم قد عجزنا عن أن نحافظ على وطن الإيزيديين وهم أحياء، لكنه العار كل العار لتلك البشرية التى تحرم هؤلاء البشر من أوطانهم وهم جثث هامدة.

لم يذنب البشر لأنهم بشر، لكنهم يذنبون كل يوم لأنهم يتركون هؤلاء الحكام والسياسيين يخونون البشرية فى كل ثانية بتركهم إخوانهم يعذبون ويقهرون ويغتصبون ويباعون فى أسواق الرق، ويذنبون لأنهم ينسون أنهم بشر، وأن لكل واحد فيهم حق فى الحياة والحب والأهل والأرض والكرامة، ويذنبون لأنهم يتركون ملايين الشباب والفتيات يلاقون مصير «نادية» فتهون فى أعينهم الحياة، ويتجرعون من نار الكراهية ما يحرقنا جميعا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة