.jpg)
اليوم السابع زارت وادى النطرون وأديرتها المنكوبة، فرأت المسلمون يقتسمون مع الأقباط مرارة السيل وآثاره المدمرة، يعلمون الدنيا المحبة التى جاء بها المسيح للعالم كله فلم يفرق فى دعوته بين من حمل الصليب ومن لقبه بابن مريم الرسول.
بركات البابا شنودة تنقذ مزاره من آثار السيل
فى دير الأنبا بيشوى، أشهر أديرة الكنيسة الأرثوذكسية والمنبع الذى أمد الكرازة المرقسية بالباباوات والأساقفة، بداية من البابا شنودة الراحل وليس انتهاء بالبابا تواضروس البابا الحالى.
دير الأنبا بيشوى كان الأقل تضررا بين الأديرة الثلاث التى تقبع فى المنطقة، فلم يطوله ما جرى فى جاره دير السريان الذى انهارت قبابه الأثرية، ولم يغرق فى المطر ويغلق أبوابه كما جرى فى دير الباراموس بالمنطقة نفسها.
على باب الدير ترى العمال يحملون سجاجيد الكنائس الأثرية لترى الشمس فتجف وتعود لطبعها تحمل فوقها خطاوى زوار قطعوا الطريق لأجل البركة والمحبة والشفاعة.
تدخل إلى الدير أكثر، على يمينك ترى مزار البابا شنودة الثالث، ابن الدير الذى خرج منه فكان نموذجًا للراهب والأسقف والبابا بعدما فتحت رهبنته الطريق أمام جيل من الشباب يحب أن يقتدى به، نجا مزار البابا من رعونة السيل، يقول الراهب صرابامون الأنبا بيشوى مسئول العلاقات العامة بالدير، أن مزار البابا شنودة كان ممتلئا بماء المطر عن آخره ولكن حداثة عهده وأرضياته الرخامية حالت دونه ودون أثر المطر.
.jpg)
فى مزار البابا تتدلى ملابسه الرهبانية السوداء، من سقف متحف صغير يضم مقتنياته ولا يخلو من طلبات كتبها له الأحبة رغبة فى نيل شفاعته وبركته، بينما يظهر آثر الماء على الجدار بعد أن تمكن الرهبان من نزحها، وفى الخلفية صوت البابا يعظ فى محبيه حيث يشغل الدير تسجيلات صوتية لأشهر عظاته التى شغل بها الدنيا فكسب قلوب المسلمين والأقباط، وفى الواجهة كتبه وأعماله الناجية من أثر الغرق.
كنيسة الأنبا بيشوى تقاوم جيوش البربر والنمل الأبيض وتتحدى المطر
تغادر المزار، فترى الكنائس الآثرية وقد رشحتها المياه، وأطفأ الريح شموعها، يصلى الزوار لكى لا يعود المطر فيغرق كنائسهم الأثرية ومزاراتهم المحببة، ويخرج الرهبان الموكيت والسجاجيد بعد غزوة السيل الرهيبة.
كنيسة الأنبا بيشوى الأثرية التى غمرها المطر ووصل منسوبه لثلاثة أمطار داخلها، كانت قد اعتادت الغزوات، سواء غزوات الطبيعة أو الغزاة البشر فهى أكبر كنائس وادي النطرون على الإطلاق، وسبق وتضررت من غزو البربر لها فى القرن الخامس الميلادى، وأعيد بنائها مرة أخرى بعد أن غزاها النمل الأبيض وتسبب فى اتلاف أجزاء كبيرة منها وذلك فى عصر البابا بينيامين.
فى صحن الدير، ترى سوره الأثرى الذى يعود للقرن الرابع الميلادى مرشحًا بالماء يسقط الجير من على الحوائط فتشكل كتلًا صغيرة على الأرض، ويقول الراهب صرابامون أن الدير مضطر لإعادة بناء السور والحوائط مرة أخرى حتى لا تسقط فوق رؤوس الزوار.
تحمر ألوان الحوائط البنية، وتتكلس بالماء وتنتظر أن يأخذ الرهبان بيدها ليعيدها إلى الحياة مرة أخرى، وعلى يسارك ترى سيارة قديمة وضعت فى قفص حديدى لم تخلو من أثر الماء أيضًا فتعرف إنها سيارة البابا شنودة يحتفظ بها الدير للتاريخ وككل ما يخصه لم ينلها ما نال ما حولها من آثار.
مزارع الدير تغرق .. والرهبان يسابقون الزمن
"من لا يعمل لا يأكل" يقول الراهب صرابامون وهو يشير بيده إلى مساحات شاسعة من المزارع، يعمل فيها الرهبان كجزء من خدمتهم إلى جانب العبادة والصلاة، فى منطقة مزارع الدير تغمرك المياه حتى ركبتيك وترى العمال والرهبان يسابقون الزمن لرفع ضرر السيل بسيارات وجرارات زراعية استأجرها الدير لهذا الغرض، بينما تبرعت شركة مقاولات كبرى وأرسلت مهندسيها لتولى باقى الأمر.
داخل مستنقعات مياه المطر، تسمع أصوات آلات الشفط والمواتير، وترى البنية التحتية للدير غارقة، ثمار البرتقال تجاور أسلاك الكهرباء كلهم فى الغرق سواء، يعوم البرتقال على سطح الماء بعدما شكلت مياه المطر تيارًا لها يذهب بالماء إلى منطقة منخفضة محيطة بالدير.
انهيار البنية التحتية لسنوات قادمة
مضخات المياه تسحب الماء إلى الخارج حتى لا يهدم الرشح مبانى الدير وقلالى باقى الرهبان، بعدما تسبب الماء فى غرق قلالى الرهبان المتوحدين الذين فضلوا حياة البرية على ما سواها لا يكلمون أحدًا من البشر إلا رمزًا، ينأون بأنفسهم عن الحياة وضجيجها، انتقل الرهبان إلى قلالى أخرى بعدما غرقت بيوتهم فى الماء وخرجوا من عزلتهم الدائمة ليجاوروا أخوتهم رهبان الخدمة فى قلالى أخرى تتسع بالمحبة للجميع، يقول الراهب صرابامون أن الرهبان المتوحدون لا يزيد عددهم عن 25 راهبًا غرقت قلاليهم بالكامل، بالإضافة إلى ما عاشه عمال الدير من حصار داخل مزارعهم زاد على 14 ساعة كانت الكهرباء قد انقطعت فيهم تحت أثر السيل وعجز الإمكانات البسيطة عن انقاذهم.
أما مزارع الدواجن، فغرقت هى الأخرى، ولم يتبق منها سوى معدات سقى الطيور، تعوم فى مستنقعات المطر بعد أن ماتت طيورها وصارت بلا فائدة ولا عمل.
فى الدير أيضًا مخبز آلى ينتج 20 ألف رغيف خبز يوميًا، غرق فيه 20 طن من احتياطى الدقيق يختزنه الدير لحاجة الرهبان والزوار، يقول الراهب صرابامون أن الأمطار دمرته بالكامل، مما دفع محافظة البحيرة إلى ارسال ألف رغيف خبز لسد حاجة الرهبان.
فيما نفقت الأسماك التى كانت تنتجها المزارع السمكية بالدير، وصارت تجاور الأسفلت الذى انكسر فكشر عن وجه الصحراء القبيح، يعوم السمك الميت فى الأسفلت يلتقطه الرهبان من على الأرض بآسى بعدما ضاع الجهد والعرق.
مسلمون وأقباط يتشاركون فى نزح المياه
"المحبة" مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفأها" يقول الراهب صرابامون وهو ينزل بقدميه فى الماء، يجاوره المهندس رجب عبد الحميد الذى تطوع دون تكليف من أحد ليشارك رهبان الصحراء فى إنقاذ ما تبقى من دير يعيش لخدمة المحبة والمجتمع.
البنية التحتية تدمرت بالكامل، ونحتاج إلى وقت طويل لكى نصلحها، يضيف الراهب صرابامون، ويؤكد أن الرهبان يتقبلون عطية السماء بصدر رحب فالمطر خير إن أحسنا استقباله واستعدينا له، مشيرًا إلى أن إعادة البنية التحتية للدير تتكلف مئات الملايين من الجنيهات إذا ما اقترنت بإعداد شبكة صرف تتعامل مع مستجدات التغير المناخى وأضرار المطر.
فى دير السريان.. الوضع أكثر سوءا
فى دير السريان المجاور، كان الوضع أكثر سوءًا، ففى الدير يظهر سور دير الأنبا بيشوى المجاور وقد انهار 500 متر منه سقطت فى الوحل والمطر، ويستعمل الرهبان مراكب خشبية للعبور فى المطر، ونزح المياه بإمكانات الدير البسيطة.
.jpg)
يتمنى الراهب يحنس السريانى: أن يتحرك الدفاع المدنى لإنقاذ الدير بعد أن شلت الحركة تماما بحديقة الدير من جراء تخزين المياه المنسابة من أعلى إلى أسفل المنطقة المنخفضة به، مضيفًا: "جار شفط المياه بإمكانات محدودة، نأمل أن تتحرك الشركات الكبرى أو الدفاع المدنى من أجل الإسراع فى إنهاء شفط المياه كى تعود الحياة إلى الدير مرة أخرى.
داخل الدير، انهارت قباب أثرية تعود إلى القرن السادس الميلادى، وتركت القباب أماكنها محفورة فى السماء، ونزلت لتؤازر ضحايا المطر فى الأرض، أما كنيسة العذراء الأثرية بداخل دير السريان، تشبعت هى الأخرى بالمياه، وغمر الماء فريسكات أثرية بحوائطها تعود للقرن السادس أيضًا، حيث يخشى الرهبان عليها من الانهيار، ويروى أحد الرهبان ساعات الرعب والفزع التى عاشوها تحت المطر حيث تسبت الأمطار الغزيرة فى احتجاز 15 أبا راهبا داخل مزارعهم بالدير لساعات طويلة عجزت جهود الرهبان الباقين فى تحريرهم واستمر ذلك حتى جف المطر، كذلك فإن مزارع دير السريان لم تكن أقل آثرا مما حل بدير الأنبا بيشوى المجاور، فقد سقطت الأشجار الصحراوية الخشنة على أرض الصحراء تطأطئ رأسها لكى تستجيب الريح ويمر المطر، وعامت المحاصيل الزراعية فى مياه المستنقعات التى كسر عنفها الأسفلت وخفض ارتفاع الأرض عن مستواها الطبيعى فتساوت برمال الصحراء الناعمة.
.jpg)
دير الباراموس يعوم فى بحيرة الوحل
دير البراموس الذى يبعد 10 دقائق عن ديرى السريان والأنبا بيشوى، أغلق أبوابه فى وجوه الزوار، فى محاولة من رئيس الدير لتجاوز الأزمة التى حولت أراضى الدير الشاسعة إلى وحل وطين لا يصلح لسير السيارات أو استقبال الزوار.
.jpg)
يقول أحد رهبان الدير لليوم السابع، أن الوضع بداخله لا يسمح باستقبال وسائل الإعلام بعد أن غمرت المياه كنائسه الأثرية حتى وصلت إلى مقصورة الأنبا موسى الأسود التى يحتفظ فيها الدير بأجزاء من جسد القديس الطاهر، مؤكدًا أن العناية الآلهية انقذت الجسد والرفات المحفوظة داخل أنابيب التخزين كجزء من طقوس الكنيسة فى التعامل مع أجساد قديسيها الآباء.
مفتشو الآثار يحذرون من الكارثة
أثناء جولة اليوم السابع بمنطقة وادى النطرون، جاءت بعثة وزارة الآثار التى تشرف على الأديرة باعتبارها ضمن الأديرة القبطية المسجلة رسميًا، وأكد أحد أعضاءها أن مفتشى الآثار يعملون على الكشف عن حجم الأضرار التى ألمت بالمنطقة من أجل رفع تقرير بالخسائر للمنطقة الآثرية التابع لها حتى يتم انقاذ ما يمكن إنقاذه من مبانى وكنائس أثرية بالأديرة الثلاث.
.jpg)
البابا تواضروس يتلقى تقاريرًا بالخسائر
وفى سياق متصل، زار البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أمس الأديرة المنكوبة الثلاث، وتلقى من رؤساء الأديرة تقاريرا أولية عن حجم الخسائر التى تسبب فيها المطر، كى تعمل الكنيسة على علاج الأضرار وحساب تكاليفها.
كما فتح الموقع الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية أبواب التبرعات لإنقاذ الأديرة المنكوبة وناشد القمص إبراهام عزمى مدير المكتب الإعلامى للبابا بالولايات المتحدة، جموع الأقباط فى الداخل والخارج التبرع لإنقاذ الأديرة التى لا تعتبر جزء من التراث المسيحى فحسب إنما جزء من الآثار المصرية ودليل على تنوعها وثرائها.
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)