اليسار وما قبل ثورة يناير
فى ديسمبر 2010 أسفرت نتائج انتخابات مجلس الشعب عن حصول حزب التجمع- بيت اليسار المصرى- على 5 مقاعد ونظرا لأن الحزب رفض وقتها الانسحاب من جولة الإعادة فى الانتخابات على نحو ما فعل حزب الوفد وجماعة الإخوان، فإنه أصبح بهذه النتيجة زعيم المعارضة فى ذلك البرلمان لأول مرة منذ تأسيس الحزب فى نهاية السبعينات، لكن خلافا حدث داخل الحزب وقتها وتسرب لوسائل الإعلام كشف أى نوع من الزعامة حظى بها الممثل الرسمى لليسار المصرى.
تفاصيل القصة أن سيد شعبان أمين تنظيم الحزب المركزى آنذاك اتهم رفعت السعيد بعقد صفقة مع الحزب الوطنى "المنحل" لإنجاح مرشحى الحزب فى جولة الإعادة، واستند فى اتهامه إلى معلومات حصل عليها تفيد بأن أجهزة الأمن تولت بنفسها تسويد البطاقات لصالح القطب التجمعى البارز ومرشح الحزب فى محافظة الدقهلية رأفت سيف، فى مواجهة مرشح الحزب الوطنى ثم قال إن نجاح مرشحى التجمع فى هذه الانتخابات ملوث بطعم الخيانة للوطن وللحزب لأنهم ارتضوا أن يدخلوا مجلس الشعب بإرادة الحزب الوطنى.
اليسار وثورة يناير
خلال أسابيع بدأت الدعوة للتظاهر فى 25 يناير تتصاعد مثل كرة الثلج وكان واقع اليسار المصرى وقتها منقسما إلى قسمين: الأول ثورى يتبنى منهج المعارضة الجذرية لنظام مبارك ويضم مجموعة من اليساريين المستقلين وفصائل وخلايا لا تحظى بصفة رسمية وموقفها الأيديولوجى يقف فى أقصى اليسار مثل الاشتراكيين الثوريين وتيار التجديد الاشتراكى وهؤلاء جميعا انخرطوا بشكل كامل فى الحركات الاحتجاجية التى نشأت فى مواجهة نظام مبارك خلال السنوات الأخيرة من حكمه.
القسم الثانى إصلاحى تعبر عنه المؤسسة الرسمية لليسار فى مصر وهو حزب التجمع وكان يتبنى منذ منتصف التسعينات نظرية وضعها رفعت السعيد بنفسه وأسماها بـ"الأسقف المنخفضة"، ومؤداها أن الحزب قد يلجأ إلى تخفيض سقف معارضته للنظام وفقا للظروف التى يفرضها الواقع ومن الناحية التنظيمية كان الحزب يعانى وقتها من انقسامات حادة وبدأ يتشكل داخله معارضة قوية لرفعت السعيد والسياسة التى يتبناها.
حين قامت الثورة تصرف كلا القسمين وفقا لقناعاته فأصدر التجمع بيانا قال فيه نصا "إن 25 يناير لا يعد يوما ملائما للاحتجاج، نظرا لأنه يتوافق مع المعركة البطولية التى قام بها عدد من أفراد الشرطة فى مواجهة الاستعمار البريطانى بالإسماعيلية"، بينما كانت عناصر اليسار الثورى داخل ميدان التحرير منذ اللحظة الأولى.
اليسار بعد سقوط "مبارك"
بمجرد سقوط نظام مبارك تولدت قناعة لدى الجميع أن هناك حاجة لإعادة تنظيم قوى اليسار على نحو ينهى احتكار حزب التجمع لتمثيل اليسار فى مصر ويكسر كذلك الصيغة التى قام عليها الحزب منذ تأسيسه فى 1976، والتى قامت على "تجمع" كل القوى اليسار بمختلف قناعتهم وتوجهاتهم فى حزب واحد وبالفعل بدأت أولى خطوات إعادة تنظيم اليسار لنفسه فى مارس 2011 داخل أول اجتماع تعقده للجنة المركزية لحزب التجمع – ثانى أعلى هيئة تنظيمية داخل الحزب- عقب سقوط مبارك حيث تمخضت المشادات والمناكفات التى جرت داخل الاجتماع عن إعلان مجموعة من أبرز قيادات التجمع انشقاقها واتجاهها لتأسيس حزب جديد وهو ماعرف فيما بعد بحزب التحالف الشعبى وخلال أقل من 6 أشهر أصبح لليسار المصرى حوالى 5 أحزاب بعضها تم تأسيسه بالفعل والبعض الآخر تم الإعلان عن تأسيسه ولازال تحت التأسيس حتى اليوم.
تغيرات اليسار بعد الثورة
حالة السيولة فى تأسيس الأحزاب بعد ثورة 25 يناير تسببت فى مجموعة من المتغيرات التى طرأت لأول مرة على اليسار المصرى منذ بداية التجربة الحزبية فى منتصف السبعينات مثل أن تنظيمات يسارية سرية دخلت إلى ساحة العمل الحزبى العلنى لأول مرة، حيث اشتركت مجموعات من تيار التجديد الاشتراكى فى تأسيس حزب التحالف الشعبى كما انتهت بشكل مؤقت حالة ازدواجية العضوية بين حزب التجمع الرسمى وبعض التنظيمات السرية، وتحديدا الحزب الشيوعى المصرى وهى مشكلة مزمنة ظل التجمع يعانى منها لسنوات طويلة لكن بعد الثورة مثلا أعلن أعضاء بالتجمع بينهم من كان يتولى مناصب قيادية بارزة استقالتهم من التجمع والاكتفاء بعضويتهم فى الحزب الشيوعى المصرى فقط، بالإضافة إلى أن بعض الاتجاهات اليسارية الجديدة تمكنت من تنظيم نفسها فى أطر حزبية كما حدث مع الحزب المصرى الديمقراطى.
هذه المتغيرات اثرت بالسلب على حزب التجمع –أكبر أحزاب اليسار- فلم يعد هو المحتكر الوحيد لتمثيل اليسار وفقد مجموعة من ابرز قياداته مثل عبد الغفار شكر والرحل أبو العز الحريرى، وفقد أيضا حالة الحراك الداخلى بعد خروج كوادر تيار إصلاح التجمع ومشاركتهم فى تأسيس أحزاب أخرى وفى المقابل فأن هذه الحالة أيضا لم تؤثر بالإيجاب على الأحزاب الجديدة ربما بسبب عدم الاستقرار الداخلى والانشقاقات المستمرة.
تحالفات فضفاضة لليسار
خلال الأعوام من 2011 وحتى انتخابات مجلس النواب الحالية لم تدرك أحزاب اليسار بعمق الأزمة التى تمر بها بسبب حالة الاصطفاف المدنى العام التى فرضها وجود الاخوان فى المشهد وهو الأمر الذى أدى إلى دخول أحزاب اليسار الاستحقاقات الانتخابية التى جرت خلال هذه الفترة فى إطار تحالفات فضفاضة لا تحمل طابعا أيديولوجيا مع أحزاب تحمل توجهات ليبرالية وفى هذا النوع من التحالفات لا يمكن قياس قوة كل طرف ومن الممكن جدا أن يدخل أحد الأحزاب المجلس محمولا على أعناق باقى الأحزاب الموجودة معه فى نفس التحالف وغالبا هذا ما تم مع نواب اليسار الذين نجحوا فى برلمان 2012.
أحزاب اليسار وثورة 30 يونيو
على هذا النحو أيضا كان تحالف أحزاب اليسار مع جبهة الإنقاذ وقوى 30 يونيو فى مواجهة الإخوان وبعد سقوط نظام مرسى وجدت أحزاب اليسار نفسها وحيدة فى مواجهة الانتخابات البرلمانية، وكان لافتا هنا أن التحالفات الكبرى مثل قائمة فى حب مصر لم تسع لضم أحزاب اليسار إليها بما فى ذلك التجمع وكذلك فإنه بمرور الوقت اكتشفت أحزاب اليسار أن التحالف فيما بينها أمر يكاد يكون مستحيلا، بسبب التباين الشديد فى الرؤى حيث يقف حزب التحالف الشعبى فى خندق التيار الديمقراطى أما التجمع فإنه يقف فى المساحة القريبة من السلطة وكلا الطرفين مختلفين على أمور مثل قانون التظاهر والمناخ العام للحريات ومن ثم فإن الجلسات التنسيقية التى جرت قبيل الانتخابات بين أطراف اليسار انتهت إلى لا شىء.
فى إطار ما سبق خاضت أحزاب اليسار الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية ولم تنجح فى الحصول على مقعد واحد وحتى العضو الوحيد بالتجمع الذى تمكن من الفوز فى الانتخابات وهو عبد الرحيم على فإنه لا يمكنه أن ينضم إلى التجمع وفقا لنصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية، وربما هناك شيئا من أمل فى الجولة الثانية نظرا لأن بعض الأحزاب تحتفظ بمرشحين يتمتعون بشعبية فى عدد من الدوائر مثل عبد الحميد كمال مرشح التجمع فى السويس وزهدى الشامى مرشح التحالف الشعبى بدائرة دمنهور، لكن يبقى فى النهاية أن البرلمان القادم هو منزوع اليسار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة