كما أيدت محكمة القضاء الإدارى قرار الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف رقم 152 لسنة 2014 فيما تضمنه من شغل الوظائف والعمالة بالمساجد والزوايا عن طريق مسابقة بإعلان وما تضمنه ذلك القرار.
جاء ذلك فى حكم جديد هام لمحكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أكدت المحكمة أن الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة ويحظر المحاباة أو الوساطة، وأكدت أن الوساطة أو المحاباة تؤدى إلى إفساد النمط السليم للحياة وتخلف فى الصناعات والمهارات والكفاءات والوظائف، وتتبدل التركيبة السليمة لمنظومة القيم فى المجتمع، فيعانى المتخصصون من البطالة، ويرفل العالة الجهال فى نعيم الوظائف والأعمال.
كما أكدت أن المحاباة أو الوساطة من الأمراض المجتمعية الخطيرة التى تؤدى إلى هجرة العقول الواعدة وإفراغ الأمة المصرية منها، مما يؤدى إلى استمرار التخلف عن ركب الحضارة والتقدم وأن استلزام المشرع الدستورى معيار الكفاءة، تعبيرا عما عاناه الشعب فى حقب زمنية مضت من ظلم وظلام وفساد واستبداد.
وذكرت أن الخلط بين الدين والسياسة ومحاولة أعداء الدين للسيطرة على ثروات المسلمين أدى إلى انتشار الإرهاب ومصر تتحمل مجابهته بكل إصرار وتضحية فإن أمر إشراف وزارة الأوقاف على المساجد والزوايا لا يجب أن يقف عند حد ضمها إلى الوزارة بل يمتد إلى كل شىء يخص تلك المساجد والزوايا ومن أهمها السيطرة على تعيين العاملين بها وفقا لمبادئ الدستور فى اختيار الأكفأ وبما يحفظ للتوجيه الدينى أثره، ويبقى للمساجد الثقة فى رسالتها وأيدت المحكمة فى ذلك قرار وزير الأوقاف الحالى بشغل الوظائف بالمساجد والزوايا عن طريق إعلان مسابقة بإعلان وليس عن طريق ترشيح من قاموا ببنائها، كما كان ينص على ذلك قرار وزير الأوقاف الأسبق عام 2003 ووصف قرار وزير الأوقاف الحالى بأنه موافق لأحكام الدستور.
وقالت المحكمة، إن المشرع الدستورى جعل الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، وحظر المحاباة أو الوساطة، انبثاقا من أن الوظيفة العامة تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم فى رعاية مصالح الشعب وهذا الحق الدستورى يرتبط ارتباطا وثيقا بالتزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز وما من ريب فى أن هذا النص الدستورى الواجب النفاذ فى كل الوظائف العامة بالدولة إنما جاء تعبيرا عما عاناه الشعب فى حقب زمنية ماضية من ظلم وظلام تمكنت فيها المحسوبية والمحاباة والرشوة فى تسعير الوظائف مما أفقد تلك الوظائف العامة هيبتها فى نظر المواطنين وحرمان الكفاءات من توليها، وكما عبرت وثيقة الدستور المصرى المعدل لعام 2014 – وهى تكون مع نصوص الدستور كلا لا ينقسم - بقولها "نكتب دستورا نغلق به الباب أمام أى فساد وأى استبداد ونعالج فيه جراح الماضى من زمن الفلاح الفصيح القديم وحتى ضحايا الإهمال وشهداء الثورة فى زماننا ونرفع الظلم عن شعبنا الذى عانى طويلا".
وأضافت المحكمة أن قرار وزير الأوقاف اللائحى المطعون عليه رقم 152 لسنة 2014 الصادر فى أول يونيه 2014 جاء لاحقا على الدستور المعدل الصادر فى 18 يناير 2014 أى بعد صدور هذا الدستور بأربعة أشهر ونصف تقريبا، وتكون بذلك وزارة الأوقاف هى أول وزارة تأخذ زمام المبادرة وتسعى إلى وضع النص الدستورى بحظر المحاباة أو الوساطة فى التعيين موضع التنفيذ الفعلى بل قبل إصدار قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015 الواقع فى 12مارس 2015 الذى أكد على أن الوظائف المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة والجدارة، فضلا عن أن ما تضمنه القرار المطعون فيه من إجراء مسابقة عن طريق إعلان قد نص عليه قانون العاملين المدنيين الملغى وكذا قانون الخدمة المدنية الحالى، ومن ثم يكون قرار وزير الأوقاف رقم 152 لسنة 2014 المطعون فيه مطابقا لأحكام الدستور والقانون.
وأكدت المحكمة أنه نظرا لما يحدث على مستوى العالم والأمة العربية والإسلامية ومصر قلبها النابض من الخلط بين الدين والسياسة ومحاولة أعداء الدين للسيطرة على ثروات المسلمين والمال عامل أساسى فيه واستغلال الدين فى غير مقاصده مما نجم عنه الإرهاب الذى تتحمل مصر أمانة مجابهته بكل إصرار وتضحية فإن الدولة إدراكا منها لرسالتها فى دعم التوجيه الدينى الصحيح فى البلاد على وجه محكم، وتأكيدا لمسئولياتها فى التعليم والإرشاد وما يتطلبه ذلك من وضع مبادئ عامة لجميع المساجد والزوايا فى المدن والقرى، فإن أمر إشراف وزارة الأوقاف على المساجد والزوايا لا يجب أن يقف عند حد ضمها إلى الوزارة بل يمتد إلى كل شىء يخص تلك المساجد والزوايا ومن أهمها السيطرة على تعيين العاملين بها وفقا لمبادئ الدستور فى اختيار الأكفأ وبما يحفظ للتوجيه الدينى أثره، ويبقى للمساجد الثقة فى رسالتها وللقضاء على شتى البدع والخرافات التى تمس كيان الوطن واستقراره، خصوصاً أن من يعمل بالمساجد إنما يعمل فى أقدس بيوت على الأرض وهى بيوت الله مما يقتضى منح وزارة الأوقاف زمام السيطرة عليها فى كل ما يخص كافة جوانبها.
كما أكدت المحكمة أنه قد باتت حقيقة ناصعة أن انتشار مظاهر تعارض المصالح والواسطة والمحسوبية فى شغل الوظائف العامة – وهو الامر الذى حظره الدستور ونهى عنه – يعد من مؤشرات الفساد، لانه يتعارض من مبدأ المساواة فى حقوق المواطنة، كما يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص فيما بينهم، إذ يجب كفالة حق المواطنين فى التنافس الحر على الوظائف العامة التى لها مؤهلاتها ومقوماتها حتى لا تكون عبئا على الجهاز الإدارى، وهذا ما يقتضيه الصالح العام وإقرار قيم العدالة وهو حق صار أمرا ضروريا فى الانظمة الديمقراطية الحديثة والقول بغير ذلك يؤدى إلى فقدان ثقة جمهور المواطنين فى نزاهة الاجهزة الحكومية وفى مدى تمثيلها لمصالح الكافة بدون تمييز ذلك ان بناء جسور الثقة بين المواطنين وهذه الاجهزة الحكومية هو المدخل الحقيقى لممارسة حقوق المواطنة والحق فى التنمية والتحول الديموقراطى ومحاربة الفساد بكافة اشكاله والوانه.
وذكرت المحكمة ان ظاهرة المحاباة أو الوساطة فى شغل الوظائف العامة تعد من الأمراض المجتمعية الخطيرة التى تؤثر فى السير الطبيعى للحياة على هذه الأرض الطيبة، وبات يقينا لدى أكثر الناس أنه لا فائدة ترجى فى المصالح حكومية كانت أم أهلية إلا بوجود المحاباة أو الوساطة، حتى تحولت الحياة إلى ما يشبه الارتهان للوساطة لإنجاز المعاملات وقضاء الحاجات والوصول إلى الغايات، حيث يعانى الاكفاء من الفقراء والمهمشين من ابناء الشعب من عدم القدرة على شغل تلك الوظائف والتى تكون فى الاعم الاغلب من الحالات لصالح الأغنياء والأقوياء، وذلك يعنى أن الكفاءات الفقيرة تدور فى حلقة مفرغة من الحرمان ويصعب عليهم الخروج من حالة الفقر والبطالة والمعاناة التى يرون فيها باعينهم حلول من لا يستحق محل المستحقين فيحدث الخلل، فلا يسند العمل إلى الماهر أو المتخصص أو الكفء، وإنما يسند للضعفاء مهنيًّا وغير المتخصصين ليفسدوه بدلاً من أن يصلحوه، أو على الأقل تؤدَّى الأعمال بلا كفاءة وفى هذا لا شك إفساد للنمط السليم للحياة، مما يؤدى إلى تخلف فى الصناعات والمهارات والكفاءات، وتتبدل التركيبة السليمة لمنظومة القيم فى المجتمع، فيعانى المتخصصون من البطالة، ويرفل العالة الجهال فى نعيم الوظائف والأعمال.
واستطردت المحكمة انه مما لا مرية فيه ان هناك مردودا سلبيا على المجتمع من جراء استخدام الوساطة او المحاباة فى تولى الوظائف من أهم مخاطرها فقدان الثقة فى النظام الاجتماعى السياسى، وبالتالى فقدان شعور المواطنة والانتماء القائم على علاقة تعاقدية بين الفرد والدولة التى تلقى على الطرفين مسئوليات وواجبات وينتج عنها حقوق وكذلك هجرة العقول المصرية والكفاءات التى تفقد الأمل فى الحصول على موقع يتلاءم مع قدراتها، مما يدفعها للبحث عن فرص عمل ونجاح فى الخارج يساهم فى إفراغ الامة المصرية من العقول الواعدة مما يؤدى إلى استمرار التخلف عن ركب الحضارة والتقدم.
وأشارت المحكمة إلى أنه لا يغير مما تقدم ما تذرع به المدعون من القول بأنهم هم الذين أقاموا مسجد نور الإسلام الكائن بقرية الحماد الغربى – مركز رشيد – بمحافظة البحيرة من مالهم الشخصى وأنهم لم يتنازلوا عن الأرض المقامة عليها المسجد لوزارة الأوقاف، ذلك أن هذا القول مردود عليه، بأن المسجد المشار إليه أصبح فى حكم ملك الله تعالى ولا يمكن أن يعود إلى ملك بانيه على نحو ما سلف البيان، فضلا عن ان الأمة قد أجمعت على أن بقعة الأرض اذا عينت للصلاة بالقول خرجت بذلك عن جملة الأملاك المختصة بربها، أى (بصاحبها) وصارت عامة لجميع المسلمين. (يراجع تفسير القرطبى الجامع لأحكام القانون : طبعة دار الشعب ص 466) كما جاء فى البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم انه لا يحتاج فى جعله مسجدا إلى قوله وقفته ونحوه، لأن العرف جار فى الاذن بالصلاة على وجه العموم والتخلية بكونه وقفا على هذه الجهة فكان كالتعبير به. (يراجع مؤلف الوقف من الناحية التطبيقية والفقهية للأستاذ محمد سلام مذكور أستاذ الشريعة بكلية حقوق جامعة القاهرة، طبعة 1961، ص24) وصفوة القول، فى ضوء الفقه والفكر الاسلامى أن المكان تثبت له شرعا المسجدية بالقول بتخصيصه مسجدا أو بالفعل بأداء فرائض الصلاة فيه ويعد مسجدا من هذا الوقت فى حكم ملك الله تعالى ولا ترد عليه تصرفات بانيه.
واختتمت المحكمة أنه لا يحاج فى هذا المقام ما ذكره المدعون كذلك من ان قرار وزير الاوقاف المطعون فيه بان يكون شغل الوظائف بالمساجد والزوايا التى تضم لوزارة الاوقاف عن طريق مسابقة بموجب اعلان مخالفا لاحكام الدستور الجديد لمساسه بحق الملكية والحريات العامة ومنها حرية العقيدة، فذلك يمكن الرد عليه بان قرار وزير الاوقاف المذكور ليس فيه ثمة مساس بالملكية الخاصة، فالمسلم به فى الفقه الإسلامى أن المساجد – والزوايا تأخذ ذات حكمها - على حكم ملك الله تعالى وليست ملكاً لأحد، فإذا خصصت البقعة لتكون مسجداً خرجت من ملك صاحبها ولم تدخل فى ملك أحد وإنما تكون على حكم ملك الله تعالى، ذلك ان العمل لوجه الله بانشاء المساجد لا يكون بمقابل تعيين اقارب من بناه ولا ينطوى على ثمة مساس بملكية خاصة، وليس فيه أى اعتداء على الحرية الشخصية أو غيرها من الحقوق والحريات العامة التى نص عليها الدستور وليس به ثمة خرق لحرية العقيدة، والصحيح ان هذا الادعاء يعد مفهوما مغلوطا يتعصى على القبول عن العمل الخيرى الذى يجب ان يكون لوجه الله تعالى والا يخالطه مقابل تعيين من بناه أو ساهم فى بنائه بعد ان حظر الدستور المعدل لعام 2014 كافة انواع المحاباة أو الوساطة فى التعيين.
موضوعات متعلقة..
- القضاء الإدارى يوقف تعيين العمالة بالمساجد الأهلية بدون مسابقة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة