«آخر كلام» فى شراء واستبدال الأصوات
خرج المرشح المسجل شراء أصوات فى ثياب الديمقراطيين، ومشى يهدى زملاءه ويحض الناخبين، وقدم خطبة عصماء وملساء ينفى فيها أنه اشترى أو تفاوض على شراء الأصوات، مع أن الناس رأوه بأم رؤوسهم هو ومندوبيه يشترون بلا خجل، ويمارسون العملية علنًا، ولولا أن الناس شاهدوا المرشح ومندوبيه وهم يشترون الأصوات لصدقوا أنه لم يشتر، وأنه مرشح نظيف نجح بمجهوده.
وهذا المرشح الشهير بالقاهرة نموذج لا يختلف عن كثيرين يكذبون حتى يصدقوا أنفسهم، وهى ظاهرة ليست فى الانتخابات أو السياسة فقط لكن فى كل المجالات حيث الكلام تجارة تصنع أبطالًا من ورق ويوتيوب.
فقد كان المرشح المقبل على الإعادة يشرح للجمهور نظريته غير المسبوقة فى الممارسة الديمقراطية، ويقول لزملائه المرشحين السابقين الذين لم يحالفهم الحظ فى الجولة الأولى إن عليهم أن يتقبلوا النتيجة ويعترفوا بالهزيمة، ورحب بهم أن ينضموا إلى قافلته ليساهموا فى البناء الديمقراطى الذى بناه المرشح بجهده ومجهوده، وليس بملايينه ومندوبيه.
هذا المرشح بالذات مشهور بين أقرانه أنه واحد من أكثر المرشحين الذين اشتروا أصواتًا، ومع ذلك فقد عجز عن الفوز من أول جولة، وربما لو أنفق الملايين على عمل مفيد لفاز من دون حاجة لشراء الأصوات، مثله كمثل التلميذ البليد الذى يفضل السهر لعمل «البراشيم» ووسائل الغش، أكثر مما يسهر لمراجعة المادة، مع أن المذاكرة يمكن أن تعود عليه بفائدة أكبر، وهذا ينطبق على السياسة، وربما لو جرب المرشح المذكور وزملاؤه أن ينفقوا ملايينهم فى غير أيام الانتخابات أو يقدموا خدمات للمستشفيات أو المدارس بدلًا من الغش.
المرشح المشترى للأصوات بدا منفعلًا من اتهامه بالشراء، ونصح زملاءه المرشحين الخاسرين بأن يتوقفوا عن اتهامه بشراء الأصوات، لأنهم يجرحون مشاعره الانتخابية الرقيقة، ويشوهون العملية الديمقراطية التى يجريها السيد المرشح وأمثاله، ودعاهم بكل جرأة وسرور أن يتحلوا بروح الديمقراطية، ويساعدوا من ينجح فى خدمة المواطنين وبناء البلد.
وانتقل المرشح إلى الديمقراطية الدولية، وضرب مثلًا بأمريكا التى يتعاون فيها الفائز مع الخاسرين، «ويعملوا غديوة سياسية يمارسون فيها الديمقراطية المدفوعة».
وينتفض المرشح الرهيب رافعًا صوته بشعارات عالمية المستوى، قائلًا: «صوت الناخب لا يباع ولا يشترى»، وترتفع الموسيقى التصويرية لتعزف لحن الانتخابات لهذا المرشح الذى كان يشترى علنًا أصوات المواطنين، وأصبح يخطب فيهم عن الشرف والكرامة، والارتفاع على درجات الأخلاق العليا.
مثل هذا المرشح وغيره هم من يتوقع أن يصلوا إلى مقاعد البرلمان، ويمارسوا التشريع والرقابة، ويبدأوا حياتهم السياسية والبرلمانية بالغش وشراء الأصوات «جملة وقطاعى»، ربما لا يمكن أن يأمل فيه المواطنون خيرًا، وصحيح أن هناك مرشحين أنفقوا ملايين وفشلوا فى اقتناص الكرسى، وهناك مرشحون فازوا بجهدهم ومن دون شراء أصوات، وهو أمر معترف به، وكان يمكن أن يكون هناك فائزون أكثر لولا تراجع البعض عن المساندة، لكن يبقى أن فوز بعض المرشحين بالأصوات المشتراة أمر يجب الوقوف فى مواجهته، وإنهاؤه حتى لا يتحول إلى ظاهرة خطرة.
والأهم أننا عندما نكشف مرشحى شراء الأصوات نشير إلى ثغرات تحتاج إلى الإغلاق، لأن البعض ممن يغضبهم عدم الحديث عن الأموال المدفوعة حتى لا يصب هذا فى خانة الأعداء، وهو تصور ساذج لا يقل عن خطبة المرشح لتبرئة نفسه من شراء ثابت بالبينة والقرآن وشهادات الشهود، ويجب أن يقدم الناس الأدلة بالصورة والفيديو للجنة العليا للانتخابات ليكون هؤلاء عبرة.
المهم أن المرشحين من مشترى الأصوات، والفائزين بالغش هم من يخطب ويصرخ عن النزاهة والديمقراطية والعملية التى فى «النملية» فى زمن يصنع أبطالًا من كلام ومن ورق.. هذه آخر الاختراعات، وآخر كلام فى الغش السياسى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصدر مسؤول
نسبتهم كام من الناخبيين؟ قلنا أن هذه ظاهره قديمه و ستظل مالم يتم عمل الأتى: