نقلا عن العدد اليومى...
(1)
أتفهم جيدا الدوافع النفسية والاجتماعية التى قد تجبر أى سيدة على إجهاض نفسها، وتقتل بداخلها شعور الأمومة قبل أن يولد جنينها، أتفهم تماما حق المغتصبة فى إجهاض نفسها فلا يعقل أن تُجبر سيدة على إتمام حملها من مُغتصبها، وأتفهم أيضا حق الأم المريضة فى ذلك حفاظا على حياتها أو حق الأم التى يعانى جنينها من أى تشوهات خلقية أو جينية فى التخلص منه، ولكن أمام كل هذا يعجز عقلى عن استيعاب فكرة قتل روح لم يتبق لها سوى أيام قليلة لتخرج للحياة بعيدا عن كل الدوافع السابقة.
(2)
فى الوقت الذى أثار فيه التحقيق المنشور فى «اليوم السابع» الذى كشف عن قيام عدد من الأطباء بقتل أجنة داخل أرحام أمهاتهم بعد اكتمال نموهم ردود فعل واسعة من قبل الجهات المختصة، لم يلق التحقيق استحسانا لدى عدد من الحركات النسائية فى مصر على اعتبار أن هذا ضد حرية المرأة وحقوقها فى اختيار إتمام حملها أو إجهاض نفسها والتخلص من جنينها حتى بعد اكتمال نموه، ولكن فى حقيقة الأمر اعتراض تلك الحركات على التحقيق لم يأت بناء على وعى كاف وقراءة متأنية للزاوية المحددة التى قررنا التطرق إليها وهى القتل العمد للأجنة فى الشهور الأخيرة من الحمل بعيدا عن الخوض فى تفاصيل قضية «إباحة الإجهاض» من عدمه التى قتلت بحثا فى وسائل الإعلام منذ عقود.
(3)
الرد على تلك الحركات لن يكون من باب الحمية الدينية أو الأخلاقية فعادة أنا لا أفضل الدخول فى هذه الدائرة الجدلية، ولكن الرد عليهم سيكون من نفس القاعدة الحقوقية التى يستندون إليها، ففى الوقت الذى يتحدثون فيه عن حق المرأة فى التصرف فى جسدها كما تشاء لم يناقش أى منهم حق هذا الجنين مكتمل النمو فى الحياة، فهم قرروا أن يسلبوه إياه وقرروا أن ينهوا علاقته بالعالم قبل أن تبدأ دون رغبة منه. والرد عليهم أيضا سيكون بعد معرفة رأيهم فى الأذى والاستغلال النفسى والمادى الذى تتعرض له أى امرأة تُقدم على هذه الخطوة من قبل هؤلاء الأطباء الذين التقينا بهم فى التحقيق ووافقوا بمنتهى البساطة على إجراء العملية مقابل مبالغ مالية كبيرة دون الاكتراث بكم المخاطر التى قد تتعرض لها الأم نتيجة قتل جنينها فى تلك الشهور المتأخرة والتى قد تودى بحياتها نهائيا فى تعدٍ وتجاوز واضح لآداب المهنة والقسم الذى أدوه، والرد على تلك الحركات أيضا سيكون بعد معرفة رأيهم فى مساومات هؤلاء الأطباء للأمهات على دفن اجنتهن أو بيعها، ولكن للأسف هذه الحركات لا تدرك أثر كل هذا لذا من الطبيعى أن يرفضوا وصف المجتمع لتلك الفئة من الأطباء بالمجرمين.
(4)
أخيرا مازالت قوانين الإجهاض تتصدر جدلا كبيرا فى مختلف دول العالم وتنقسم بشأنها الآراء ما بين الإباحة والتجريم ففى الولايات المتحدة الأمريكية تبنى مجلس شيوخ ولاية تكساس مشروع قانون يحظر الإجهاض بعد مرور 20 أسبوعا على الحمل، فيما سمح به إذا كانت صحة المرأة الحامل مهددة كما يفرض هذا القانون شروطا مشددة جدا على الأطباء الذين يجرون عمليات إجهاض وفى بولندا فإن قانون الإجهاض هو الأكثر صرامة فى أوروبا إلا فى حالات الاغتصاب أو وجود أخطار صحية على الأم، أو فى حالة تشوه الجنين، أما وفقا للقانون الروسى فإن الإجهاض أمر مباح ولا يوجد أى حظر عليه، بشرط ألا يزيد عمر الجنين فى بطن الأم عن أحد عشر أسبوعا كحد أقصى، فيما عدا ذلك تمنع عملية الإجهاض وتصبح جريمة فى نظر القانون الروسى، ولا يجوز إجراؤها إلا بموافقة لجنة طبية حكومية حسب حالة الأم والجنين، أما ألمانيا فقد نجحت فى تسجيل معدلات منخفضة لعمليات الإجهاض احتراما منها لحق الجنين فى الحياة لذا وضع مشرعها قانونا يسمح بإباحة الإجهاض فى حالات بعينها وهى الحمل غير المرغوب فيه شريطة ألا يتجاوز إثنى عشر أسبوعا والحمل الناتج عن اغتصاب والإجهاض لأسباب صحية والحمل الحاصل عند الفتيات ما دون الثمانية عشرة سنة.
وهكذا يتشابه الوضع فى غيرهم من الدول، ولكن إذا كنتم حقا تريدون تمرير مشروع قانون يحمى حقوق المرأة المصرية وإذا كنتم تريدون توسيع بنود قانون العقوبات المصرى ليشمل حق المرأة المغتصبة أو التى تعانى من ظروف صحية صعبة أو يحمل جنينها تشوهات خلقية أو جينية فى إجهاض نفسها، وأنا أؤيدكم فى ذلك فعليكم بالتركيز على هذا الجانب أولا مع العمل على زيادة الوعى بالثقافة الإنجابية لدى السيدات حتى لا يحدث حمل غير مقصود ويضطررن لإجهاض أنفسهن فى الشهور المتأخرة نتيجة لجهلهن، دون أن تتحدثوا فى المطلق عن حق المرأة فى التخلص من جنينها فى أى من شهور الحمل وتتجاهلوا تماما حق الجنين نفسه فى الحياة وهذا هو أصل حقوق الإنسان وقتها فقط سينتهى دور عيادات بير السلم وتصبح عمليات الإجهاض مقننة وتحفظ حق السيدة فى الرعاية الصحية بعد إجهاضها بدلا من وفاتها.
موضوعات متعلقة:
"اليوم السابع" تكشف فى أخطر تحقيق استقصائى مافيا الإجهاض فى الشهور الأخيرة.. مغامرة داخل العيادات الطبية ترصد القتل العمد للأجنة.. وطبيب يوافق على قتل الأطفال فى الشهر السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة