نقلا عن العدد اليومى...
يد تبكى لأنها لم تعد قادرة على كتابة ما يدور فى رأس غادر الجسد مكرها ودماء تسيل قربانا لإله لن يقبله.. مشهد لن تراه إلا فى زمن أصبحت فيه أبيات الشعر جريمة تهلك صاحبها، كيف نقبل أن يشوه الإسلام هكذا؟ من المستفيد من تصوير الإسلام على أنه دين قتل لا يقيم لحياة الإنسان وزنا أمام مزاعم الدفاع عن الإسلام؟ قامت الدنيا بعد الحكم بالإعدام على الشاعر الفلسطينى أشرف فياض - المقيم بالسعودية - بتهمة الترويج لأفكار إلحادية وسب الذات الإلهية، الكثيرون شجبوا وأدانوا واعترضوا على الحكم، ولهم الحق كاملا فكيف تقتل شاعرا لأنه كتب شعرا؟
من وجهة النظر السعودية حكم الإعدام من الدرجة الأولى وليس حكما نهائيا ويجب أن تصدق عليه محكمتان حتى يصبح نهائيا بما يعنى أنه مازال أمام «فياض» فرصتان للدفاع عن نفسه، بينما ترى منظمات حقوقية دولية أن الحكم يمثل حلقة فى سلسلة متواصلة من أحكام الإعدام التى تثير حولها علامات استفهام بالممكلة واتهامات باستغلال تلك الأحكام فى ردع المعارضين وكسب تأييد رجال الدين المتشددين الداعمين لنظام الحكم فى المملكة.
بدأت أزمة «فياض» بعد إلقاء القبض عليه فى يناير 2014 بعد رفع دعوى ضده تتهمه بنشر نصوص شعرية تسىء إلى الذات الإلهية وتروج للإلحاد فى كتابه «التعليمات بالداخل» المنشور عام 2008.
وفى تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس ووتش حول القضية أوضح أن المحاكمة امتدت على مدار 6 جلسات أنكر خلالها «فياض» التهم المنسوبة إليه، وقدم الدفاع 3 شهود أكدوا أن الشكوى كيدية لخلاف سابق بين المدعى وبين «فياض» وأنهم لم يسمعوا أبدا من «فياض» أى عبارات مسيئة للدين أو تدعو للإلحاد، وأكد الشاعر الفلسطينى أثناء الجلسات أن كتابه «التعليمات بالداخل»، الذى تم نشره قبل عشر سنوات كان يضم قصائد حب، ولا يتضمن أى إهانات للدين، وفى آخر جلسة عبر «فياض» صراحة عن توبته عن أى شىء فى كتابه قد يكون أسىء فهمه أو اعتبرته السلطات الدينية مسيئا قائلا «أتوب إلى الله العلى العظيم، وأنا برىء مما ورد فى كتابى وأثيرت بسببه هذه القضية».
حكمت المحكمة عليه بالسجن 4 سنوات و800 جلدة ورفض القاضى وقتها طلب النيابة بتوقيع عقوبة الإعدام بتهمة الردة بعد إعلان «فياض» توبته عما صدر فى ديوانه وقد يكون أسىء فهمه، طعنت بعدها النيابة على الحكم لتعاد المحاكمة ويصدر حكم بالإعدام فى 17 نوفمبر الماضى بتهمة الردة بعد أن رأى قاضى المحاكمة الثانية أن توبة «فياض» ليست كافية لتجنبه عقوبة الإعدام.
بالنظر لتفاصيل القضية نرى تأكيدا على إعلان «فياض» على مدار المحاكمة توبته عن أى إساءة غير مقصودة فى الديوان ليطرح هنا تساؤلا مع تطبيق السعودية لحدود الشريعة، وتطبيق حد الردة على أشرف فياض، ولكن أين الاستتابة بعد الحكم؟
فرغم أن الفقهاء اختلفوا فى حكم استتابة المرتد قبل القتل على ثلاثة أقوال، البعض قال بوجوب الاستتابة والآخر باستحبابه، والبعض رأى أنها لا واجب ولا مستحبة بل يجب تنفيذ الحد مباشرة «القتل»، والراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من وجوب استتابة المرتد قبل قتله؛ لأن الاحتياط فى صيانة الدماء أولى من الاستعجال فى إراقتها، ويؤكد هذا الرأى موقف عن عمر بن الخطاب فقد أخرج الإمام مالك فى الموطأ: «أن رجلاً قدم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، من قِبَل أبى موسى الأشعرى، فسأله عن الناس؟ فأخبره أن رجلاً كفر بعد إسلامه، قال ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال عمر: أفلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله تعالى، ثم قال عمر: اللهم إنى لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغنى. معلنا بذلك عن عدم قبوله قتل المرتد دون استتابة».
فإن كان الشاعر الفلسطينى قد أعلن التوبة عن ما رآه البعض أنه إساءة للدين ولم يجادل فى ذلك لأنه لم يكن يقصد أى تعريض بالدين فى الأساس، فلماذا الإصرار على تقديم الإسلام وكأنه دين هش عقائديا لا يحمى ذاته إلا بالقتل يخشى الكلمة لا يقوى على المواجهة أو النقاش أو الخلاف حوله فيجب أن يهب المدافعون عنه لحمايته، والحق أن ثبات الدين فى زمننا هذا أمر مفروغ منه، ولن يهتز فى قلوب المؤمنين حقا بدعوة للإلحاد هنا أو هناك الحق بين والضلال بين وكلا الطريقين متاح إلى يوم القيامة كل يحدد مساره كما يريد.
أخيراً إذا كنا قررنا محاربة داعش وفكرها المتطرف يجب أن نتحرر نحن أولا من أفكار داعش وننجح فى تقديم الإسلام بالشكل الصحيح الذى يختلف تماما عن الصورة التى يروج لها ويقدمها المتطرفون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة