لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية الدور الذى تلعبه وزارة المالية فى كافة قطاعات الدولة، لكن بالنظر إلى أرض الواقع يكشف أنها مسئولة عن جزء كبير مما تعانى منه المنظومة الصحية فى مصر من تدهور، سواء بطرق مباشرة من خلال إصدار حزمة من القرارات التى أدت بدورها إلى جمود عمليات التطوير بالمستشفيات، وفقد المؤسسات الصحية الاستقلالية التى تسمح لها بالصرف من ميزانيتها لتغطية احتياجاتها إلا بموافقة الوزارة، أو غير مباشرة من خلال المراقبين الماليين الذين قد يوقفوا قرارات صدرت من الوزير نفسه، لعدم وجود لائحة تفسر لهم قراره بالرغبة فى الحصول على نسبة من مخصصات الصحة بعد إعادتها لها فى كل عام كمكافأة منها لمندوبيها لحفاظهم على النصيب الأكبر من أموالها، طبقا لما أكده عدد من الخبراء فى مجال الصحة.
وكانت أول خطايا وزارة المالية فى حق منظومة الصحة، والتى فجرتها الدكتورة منى مينا، وكيل النقابة العامة للأطباء، هى أن الوزارة حصلت على 2 مليار جنيه حصيلة الضرائب المفروضة على السجائر بعد صدور قرار رئاسى بزيادة قيمتها، والذى صدر فى مارس 2015، حيث اعترض وزير المالية على ربط الضريبة على التأمين الصحى، وأصر على دخولها للخزانة العامة، كما قيل وقتها "أن هذه إجراءات شكلية، ستدخل الضريبة للخزانة العامة ثم يعاد توجيهها للتأمين الصحى، مضيفة، "كل المسئولين أقروا حق أطباء التأمين الصحى والأطقم الطبية به فى صرف مستحقات مساوية لزملائهم بالصحة، والذين أشاروا إلى أن المشكلة فقط فى الموارد اللازمة للوفاء بهذا الحق".
وأشارت وكيل نقابة الأطباء إلى أنه تم تحصيل الضريبة بالفعل، وإضافة حصيلتها للخزانة العامة، ولكن لم يتم تخصيص أى جزء من هذه الضريبة - حتى اليوم - للتأمين الصحى، والذى من المفترض أن الضريبة فرضت خصيصا لأجله، إلا أن الضريبة دخلت للمالية وتاهت فى أروقتها ولم يستفد منها التأمين الصحى، مما ترتب عنه استمرار حصول الأطباء العاملين به على رواتب تساوى نصف رواتب العاملين بوزارة الصحة، رغم أن عبء العمل بالتأمين ضعف العمل بمستشفيات الوزارة، لافتة إلى أن ذلك سيؤدى إلى تفريغه بالتدريج من الأطباء الذين يسعون لتركه بكل الوسائل، بجانب أن الأطباء الشباب لا يحاولون الاتجاه للعمل به، مما أدى إلى وجود أقسام بمستشفيات التأمين يتم إغلاقها لعدم وجود أطباء.
من جانبه قال الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، وأستاذ جراحة القلب بكلية الطب جامعة عين شمس، أن هناك فكرا خاطئا لدى وزارة المالية، وهو أن الإنفاق على التعليم والصحة إهدار للمال، وأنهما قطاعان مهما تم الإنفاق فيهما لن يظهرا الأثر السياسى المطلوب فتحاول تقليل الإنفاق عليهما، مشيراً إلى أن تصريحات وزير المالية أنه ليس لديه فائض لزيادة الإنفاق على القطاعين، يدلل على التعامل معهما وكأنهما يحصلان من فائض الميزانية وليسوا الأساس، رغم أن أغلب الدول التى حققت طفرات فى اقتصادها مثل كوريا وماليزيا والبرازيل خصصت فى ميزانياتهم للصحة والتعليم نسب تتراوح ما بين 25% حتى 35% ويتم توزيع الفائض على باقى القطاعات، واصفا فكر توزيع الموازنة العامة للدولة بـ" الخاطئة".
وأضاف عضو مجلس نقابة الأطباء، فى تصريحاته لـ"اليوم السابع"، أن اعتبار الدولة أن الاستثمار فى البشر أفضل الأنواع عائداً سيحدث تغييراً كبيراً فى الخدمة، خاصة أن كل جنيه يتم استثماره بها يحقق عائد 900% للدخل، مما سيترتب عنه منع وجود أفراد غير منتجين فى المجتمع، وزيادة عدد ساعات العمل من خلال تقليل الإجازات المرضية، بجانب تقليل الإنفاق على العلاج، وإجراءات حقيقية للوقاية وعلاج المراحل الأولى للمرض، مما يؤدى إلى توفير مليارات قد نحتاجها فى العلاج، كما حدث فى فيروس سى.
وأكد "سمير" أن تحكم وزارة المالية فى الصرف، أفقد المؤسسات الاستقلالية حتى أصبحت المتحكم الأول فى كل شىء بالصحة فى مصر والمسيطر الأول على عمليات الصرف، من خلال المراقبين الماليين الذين لابد من الحصول على موافقتهم على كل عمليات الصرف، حتى أن وزير الصحة لا يمكنه اتخاذ قرار بصرف شئ دون الرجوع لوزير المالية ليصدر القرار، والذى قد يمتنع المراقب المالى عن تنفيذه لطلب قانون أو كتاب دورى أو لائحة أو لائحة مفسرة، مضيفا:" قانون 14 الذى من المفترض أن يتم صرفه بأثر رجعى من يناير 2014 حتى الآن وبعد مرور عامين لا نستطيع صرف البنود الواردة فيه، لتشدد المراقبين الماليين".
وأضاف، "الوزارة تنفذ إغراءات للمراقبين لتقليل الإنفاق، رغم ضعف قيمة المخصصات من الأساس، مما يترتب عليه اجتزاء فى تنفيذ الصرف لمنع جزء كبير منها للحصول على نسب منها، فى ظل سيطرة المراقبين الماليين وإغرائهم والمسئولين بعدم تنفيذ بنود الصرف لوجود مصلحة شخصية والحصول على نسبة لكل ما يرد إلى المالية مرة أخرى، بجانب أن نقص المرتبات يدفع الأطباء للانصراف عن العمل للبحث عن فرص أخرى لتغطية حاجاتهم والقانون لا يلزمهم بالتفرغ، وفى حال ذلك لن يتم تنفيذه طالما لا يحصلون على ما يكفيهم فى حياتهم، فأى دولة تضع بنود للعاملين ضمن منظومة العمل العام لضمان وحدة الأجر للمتساويين فى عدد ساعات العمل، لكننا نفتقد وجود جداول للرواتب على الدولة كاملة، تجنبا لوجود فروق كما الحال بين التعيينات فى ديوان عام الوزارة والعمل بالمستشفيات التامين الصحى وغيرها".
وتابع سمير،"الآلات لا تتم لها عمليات صيانة رغم ارتفاع أسعارها، حيث يجد المسئولون فى تخصيص مبالغ لإجراء عمليات الصيانة اللازمة لها، أمور ليست ضرورية طالما مستمرة فى عملها، فى الوقت نفسه نجد أن التطوير بالنسبة لهم هو طلاء المبانى من الخارج وتركيب رخام فى المداخل ودورات المياه فقط، ومن أحد الأخطاء أيضا التى ترتكبها وزارة المالية، هو إهمالها الإشراف على الصناديق الخاصة، رغم نص القانون على وجود لجنة للرقابة على لوائح الصناديق الخاصة تابعة لوزارة المالية فى كافة المحافظات للمرور والتأكد من وحدة اللوائح، إلا أن حوالى 80% من الصناديق لم يتم مراجعتها من وزارة المالية مما ينتج عنه عمل لائحة خاصة بكل مكان بشكل يخدم حاجته دون أى رقابة أو وجود عمليات لتقنين الصرف منها".
ولفت الدكتور خالد سمير إلى أنه فى عام 2012 أصدرت وزارة المالية قراراً يمنحها الحق فى الحصول على نسبة من أى مصدر دخل لأى وزارة حتى فى حالة أنها تبرعات، وذلك بنسبة من 10% إلى 20% من قيمتها، الأمر الذى ترتب عنه امتناع المتبرعين من استمرار تبرعاتهم وتقليل المبالغ وأدى إلى تحويل التبرعات من مبالغ مالية إلى أشياء عينية كأجهزة أو غيرها من مستلزمات لضمان عدم دخول المالية فيها وهو غير قانونى أو دستورى، وحال الدخول فى قضايا معها ستطول سنوات الفصل فيه.
فى سياق متصل، قال الدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام لنقابة أطباء مصر، إن لوزارة المالية قراراً ينص على عدم جواز الجمع بين حافز الطوارئ ومقابل النبطشيات، وهو ما أدى إلى رفع قضية ضد الوزارة، حيث إن حافز الطوارئ يصرف للتخصصات التى تتعامل مع الطوارئ وتحتاج إلى بذل جهد أكبر وخطورة أعلى نتيجة لمحدودية عدد الأطباء العاملين بها، وتم وضعه لتحفيز الأطباء فى الدخول بها والعمل فيها، مشيراً إلى أن وزارة المالية أكدت أن "النبطشيات" غير مدفوعة الأجر ولا يحصل على مقابل فيها، مؤكداً أن القرار غير دستورى وغير قانونى لأنه حرم الأطباء من مقابل عمل إضافى، مما يعطيه انطباعاً بأنه يعمل بالسخرة فيه.
ووصف "الطاهر" تعاملات المراقبين الماليين بـ"المتعنتة" فى العديد من الجهات لعدم صرف المستحقات الموجودة فى القانون أو تأخير صرفها، مضيفا، "سوء التخطيط والتعامل أدى إلى أن أطباء مستشفى منشية البكرى منذ 4 أشهر لم يصرفوا مستحقاتهم، ومستشفى أم المصريين العام لا يصرفون مستحقاتهم الموجود فى القانون، فالمراقب المالى أصبح يتعامل وكأنه الحاكم بأمره، لذا أرسلنا مخاطبة رسمية لوزير المالية بضرورة صرف المستحقات المالية للأطباء التى تم منعهم منها نتيجة لأخطاء إدارية لا ذنب فيها للأطباء".
وأوضح الأمين العام لنقابة أطباء مصر، أن واحدا من القرارات الخاطئة التى أصدرتها المالية كان هو القرار الخاص بعدم أحقية الأطباء فى نسبة من صناديق تحسين الخدمة بعد صدور قانون حوافز المهن الطبية رقم 14، الأمر الذى ترتب عنه انصراف الأطباء من العمل بهذه الأقسام، خاصة أن القرار غير قانونى، وبالتالى أصبحت صناديق تحسين الخدمة رصيدها صفر، إلا أن إعلان الدكتور أحمد عماد وزير الصحة والسكان تراجع الوزارة عن هذا القرار ومنح الأطباء ميزات مالية مجددا خطة إيجابية، خاصة أن تلك الصناديق جزء رئيسى من أجزاء الصرف من مستلزمات المستشفيات لشراء أدوية وأجهزة، ومستحقات مالية للأطباء كان قد تم استقطاعها منهم ثم أعادوها ثانية، لافتا إلى أن النقابة كانت قد حركت دعوى قضائية بخصوص هذا الموضوع للمطالبة بإعادة النظر فى هذا القرار.
معركة بين "الصحة" و"المالية" على ضرائب السجائر..منى مينا: المالية استولت على أموال الضريبة المخصصة للتأمين.. الوزير لا يمكنه إصدار قرارات للصرف..والمراقبون الماليون يتعنتون للحصول على المخصصات السنوية
الجمعة، 20 نوفمبر 2015 10:13 ص
هانى قدرى وزير المالية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف
وزارة المالية اسوء عصورها الان
عدد الردود 0
بواسطة:
الاسيوطى
مندوبى وزارة المالية
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدى امين عبدالله
اين العدل ياوزارتى الصحة والعدل
عدد الردود 0
بواسطة:
الديروطي
دولة الصناديق
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد شكري
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد كامل
الجباية
عدد الردود 0
بواسطة:
ابرهيم سلامه
لكل العلم
عدد الردود 0
بواسطة:
سامي عاشور
لك اللة يا شعب مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
العقل زينة
رقم 5
عدد الردود 0
بواسطة:
ممثل وزارة المالية
وزارة الصحة تستحق أفضل من ذلك