فكر معى مليًا فى تلك الظاهرة التى طفت على السطح العربى فجأة مع الغزو الأمريكى للعراق، وهى ظاهرة "داعش"، ومن قبل داعش تنظيم القاعدة، ومواكبة لتنظيم القاعدة، تنظيم طالبان. ومن قبل كل هؤلاء تنظيم الإخوان، وما تفرع عنه من جماعات: التكفير والهجرة، والناجون من النار، والجماعة الإسلامية، وجماعة الجهاد.
لو شددنا خيطًا بين هذه الجماعات، لوجدنا خيطين مترافقين، أحدهما: التخفى وراء الإسلام فيما تدعو إليه، وتعمل من أجله، ونفى المسلم الآخر بدرجات مختلفة، والإسلام الذى يتبنونه- كأعضاء فى هذه الجماعات- هو الإسلام التصادمى، لأن الإسلام الوسطى المعتدل لا يصنع له الصورة التى يسعى إلى بروزتها عن نفسه فى إطار الإسلام. ولذا تجد على مستوى الشكل، الحرص على إطلاق اللحية، ووضع غطاء الرأس، وتقصير الجلباب، وارتداء بنطال تحته، وتبنى النقاب كخيار حاد، بغض النظر عن المضمون. وعلى مستوى الموضوع غالبًا ما يتبنى الآراء المتطرفة، الحادة، والتصادمية، لأن هذه الآراء هى التى تحقق ذاته فى التميز والتفرد بين أقرانه. ويخلقون لأنفسهم كانتونات اجتماعية خاصة بهم داخل المجتمع المسلم.
الثانى: وجود جهاز مخابرات فى الخلفية، فى منطقة الظل، وراء الستار، يدير المشهد، ويحرك عرائس الماريونيت، من خلال خيوط لامرئية، يعتقد معها المشاهد أن حركتها ذاتية. والعلة الرئيسية فى التجاء الأجهزة المخابراتية إلى تبنى هذه الجماعات يرجع فى الأساس إلى علمها بأن أفكارهم المنغلقة، وعقولهم الجمعية، تجعلهم أسهل فى السيطرة، وأسلس فى القياد، وأقدر على الصدام مع الأفكار، والأوضاع، والقيم، والسلطة، والدولة. وليس للسؤال عن العلة التى تدفع المخابرات إلى هذا الخيار محل، لأنه أقرب إلى البحث عن العلة وراء تجنيد الجواسيس.
والباحث المدقق فى نشأة جماعة الإخوان فى مصر، سواء بالبحث فى مراجعهم، أو فى المراجع العربية التى كتبت عنهم، أو فى المراجع الأجنبية، سيكتشف بسهولة دور المخابرات الإنجليزية فى وجود هذه الجماعة، ثم دور المخابرات المركزية الأمريكية، خاصة فى ظل التوجه الناصرى فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى نحو الاشتراكية، وأشهر الأمثلة الصارخة على هذا المشهد العبثى ما حدث بعد التدخل السوفيتى فى أفغانستان لصالح الحكومة الشيوعية فيها، حيث جرى تجييش أعضاء هذه الجماعات تحت اسم الجهاد، وتمويل عربى، وتدريب، وإمداد بالسلاح والمؤن، وإشراف وتخطيط مخابراتى غربى أمريكى. وقد انبثق عن هؤلاء المرتزقة ما يسمى: "تنظيم القاعدة". وعندما اختلف فرقاء الجهاد الأفغانى، واحتد القتال بينهم، قامت المخابرات الباكستانية باختراع طالبان بتواطؤ غرب / أمريكى . وعندما وقعت أحداث سبتمبر فى أمريكا، سواء بفعل المخابرات المركزية، أو بإيعاز منها، أو بغض الطرف عن الترتيب لها، كانت ترتيبًا لما بعدها، من ضرب أفغانستان المنهكة إلى حد الموت أصلاً، والضرب فيها كالضرب فى الميت بزعم ضرب القاعدة.
حــســـــن زايــــــــــد يكتب: مشهد عبثى وتخطيط مخابراتى
الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015 02:00 م
عناصر من تنظيم داعش
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة