فيما يشبه القصص القصيرة التى تعتمد على التداعيات ولا تقف عند خطة ما يتذكر الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى 50 عاما مرت من عمره فى الحياة، يعيد تأمل جمل وكلمات ويستنبط حكما وعبرا منذ كان تلميذا يشترى جريدة الأهرام ثم ينزع لبيسة القلم الجاف ويضع سن القلم على الصفحة الأولى حيث يشطب كلمة "نافع" ويكتب "عيسى" ثم يطويها فى الشنطة ويدخل المدرسة، إلى أن أصبح رئيس تحرير لعدد من الصحف الناجحة.
يكتب إبراهيم عيسى فى هذا الكتاب 109 مواقف يختصر بها وفيها جزءا مهما من سيرته الذاتية فهنا تجد حكايات عن أمه وأبيه وعن خوفه وشجاعته وعن أصدقائه وأعدائه وبوجه عام عن الحياة، حيث التناقض المحيط بالعالم هو سيد الموقف يبدأ "عيسى" كتابه بإهداء إلى أبيه يقول فيه "متسلقا على سور الجنة أرمى له هذا الكتاب لعله على ضفة نهر جنته.. يقرؤه".
ما زال إبراهيم عيسى كلما انتهت حلقة ما من برنامجه يتنصت لصوت أمه الراحلة ويتمنى أن تقول له "صفقوا له يا ولاد" متذكرا طلبها منهم أن يصفقوا لوالده بعد ألقى عليهم خطبته التى سيلقيها فى المدرسة، كثيرة هى الذكريات التى تتوارد على ذهن إبراهيم عيسى، وبالتأكيد هو لم يحكى كل ما طاف بذهنه لكنه توقف عند الحكايات التى حملت معنى ما ليس بالضرورة "حكمة" لكنها وقفة معبرة.
فهو باستخدام الرمز لما مر به فى حياته يقول "أصعب لحظات حياتك تلك التى تواجه فيها كائنات ضالة، تكون الكلاب الضالة هى أضألها شأنا" و"حلاوة الحياة لا تقاس بالحلويات، داخل كل واحد رساما، لكنه لم يصادف الأستاذ ميشل ليعرف"
كما يرصد التغيرات الاجتماعية التى حدثت خلال الخمسين عاما خاصة فى الدين حيث غلب الآن التدين الشكلى، طرق التربية فى الأسرة، وما يفعله سائقو الميكروباص فى المواطنين إذ يعتزلون العمل يوم السبت كى يعاقبوا الناس المتزاحمة التى تريد قضاء حوائجها فى القاهرة ، كما يقارن بين الأماكن فالقناطر الخيرية التى غنت لها بين سعاد حسنى غير الموجودة الآن بالتأكيد"
وهناك مواقف تحتوى فى نهايتها على ما يشبه الحكمة منها "عليك أن تقع كى تتعلم كم مرة وقعت وقمت، الخصومة لا المحبة هى التى تكشف لك نفسك وناسك، أحيانا نلون الحياة ثم لا تعجبنا الألوان، طفولة العقل هى التى تجعلك تكف عن العزف لو لم تكن العازف الأول، ليس كل من تعرفهم هم أحسن من يمكن أن تعرف، ينكشف الإنسان فعلا عندما يحب، يظهر على حقيقته ويبدو أنانيا جدا ولديه رغبة امتلاك هوسية، ليس معنى أن تكون فى قلب الحدث أنك ترى، غسل الأطباق يعنى قدرتك على تحمل مسئولية الآثار السيئة للأفعال الجميلة، أن تدفن أحدا فى قبره أسهل من أن تدفن سؤالا فى صدرك، لا ندرك أحيانا أننا نقتل أنفسنا حين نلبى رغباتنا، العيال يستمدون من عدم مسؤوليتهم شجاعة اللهو حتى الخطر، الفرق بين جنيات الحواديت وساحراتها يعرفه الأطفال والحالمون والجبناء، عندما تتكرر الكذبة 100مرة تصبح حقيقة، نحن نحب أن نعيش فى أفكارنا وتخيلاتنا حتى نصحو على سؤال واقعى جدا، ليس مهما ما الحقيقة لكن المهم كيف تراها، عندما تخشى الأسود على الأرض انظر إلى الطير فى السماء، كلنا ضعاف أم الحواة، لا أحد يرحم الفائز حين ينهزم، خبرة الخمسين عاما علمتنى أنه فى الحياة أنت الذى تحدد درجة نجاحك فلا تعش مفزوعا من فقدان نصف درجة.
لكن هذا الكتاب لا يقصره إبراهيم عيسى على نفسه وذاته وأسرته فهناك آخرون يتركون أثرهم أيضا بجمل مهمة مثل كلمة الأستاذ إمام فى المدرسة عندما المدرس يضع لعيسى ذقنا وهو يدعو ربه "معقوله طفل ازاى وعنده الدق دى كلها" تعلم منها أن التدين الشكلى أمر مبالغ فيه ولا علاقه له بالحقيقة، ويحكى "عيسى " عن يوسف فخر الدين، وعندما كتب هو وصديقه ورقة يقولان فيها ليوسف إدريس "نحن نحبك جدا"
عرف من طفولته معنى الخير وقال "عندما أنقذنى طفل لم يبلغ العاشرة من عمره عندما كنت أغرق فى البحر عشت بعدها أتمنى أن أكون هذه اليد التى تنقذ غيرها ثم تذهب وكأن أحدا لم يحيا بها" وتساءل "ألن تنهى امتحانات هذه الحياة أبدا" وبكى كلما سمع مارسيل خليفة يغنى "أحنى إلى خبز أمى"، واستخدم الرمز فى المقارنة عبد الناصر والحصان الضائع، واستمع إلى نصيحة صديقه العصافير لا تعشق الطيران، وتعجب من اعتراض أحدهم عليه "بتشوف أفلام طول اليوم وجاى تصلى"وكتب قائمة بأسماء الأفلام والكتب التى سوف يقرأها حال دخوله السجن، وأعجب بمقولة الفنان التشكيلى الكبير عبد الهادى الوشاحى له "ولد يا إبراهيم أنت عبقرى مثلى"
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد على
انت عبقرى ياولد
عدد الردود 0
بواسطة:
د عمر
انت عبقري يا ولد
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين
كل عام وانت بخير يا استاذنا المبدع