نقلا عن اليومى..
تشهد الأراضى الصناعية فى مصر أزمة كبيرة لم تستطع الحكومات المتتالية حلها على حساب المستثمرين الراغبين فى الدخول بمشروعات جديدة فى مصر، فقد اكتفت الحكومة، ممثلة فى وزير الصناعة، بالإعلان عن تطوير القطاع الصناعى دون وجود لهذا التطوير فى الواقع، واكتفت بإطلاق عدد من المصطلحات الإعلامية لتسكين الرأى العام عن الأزمة الحقيقية، ومنها «الشباك الواحد»، وطرح الأراضى الصناعية، وقانون الاستثمار، وغيرها من القوانين التى لم يتم التوصل من خلالها إلى أى حلول تكون بمثابة عناصر الجذب للمستثمرين فى مصر.
ورغم الوعود الكثيرة بارتفاع معدلات النمو الصناعى مع بداية العام المقبل إلى ما يعادل 6% وفقًا لتصريحات الحكومة الحالية، فإن العناصر الأولية للنمو غير متوفرة للمستثمر الذى يرغب فى إقامة أنشطة صناعية فى مصر، وهى قطعة الأرض المرفقة لإنشاء النشاط الصناعى.
ورغم أن اقتصاديات معظم الدول الصناعية الكبرى والمتقدمة، مثل سنغافورة، وماليزيا، وتايلاند تمت وفقًا لخطة صناعية محكمة تتضمن توفير الأراضى من باب الاعتراف بأن النشاط الصناعى هو الأبقى، وصاحب الجدوى فى تقدم الدول، أو من خلال استخدام أساليب حديثة مثل المطور الصناعى، فإن مصر لم توفر الأراضى من جانب، كما لم تدخل المطور الصناعى الذى تستخدمه الدول المتقدمة من الجانب الآخر.
أزمة طرح الأراضى بها الكثير من أوجه الفساد التى طالت الوزراء السابقين فى حكومات ما قبل الثورة، وهو ما أدى إلى تخوف أى وزير جديد يتولى حقيبة الصناعة فى مصر من أن يتخذ قرارات حاسمة تشجع المستثمر، وتقف أمام البيروقراطية الحكومية لدعم حركة النمو كما تزعم الحكومات، وأبرز أوجه الفساد يتمثل فى تخوف وزارة الصناعة من دخول المطور الصناعى للأراضى غير المرفقة، بحجة عدم قدرتها ماليًا على ترفيق الأراضى الصناعية، إضافة إلى مصطلح «الشباك الواحد» للمستثمر، والذى لم يكن ذا جدوى فى إنهاء الإجراءات لأى مشروع جديد يتقدم به المستثمر إلى الحكومة الحالية.
وفى السياق نفسه، استحوذ الكثير من التجار والسماسرة على الأراضى الصناعية فى المدن الجديدة أمام أعين الحكومات، وظل المستثمر واقفًا أمام وعود الحكومة التى لم تنفذ بشأن توفير الأراضى الصناعية للمستثمرين.
وزارة الصناعة: لن تكون فى مصر أراضٍ صناعية العام المقبل
وكشف مصدر مسؤول بوزراة الصناعة لـ«اليوم السابع» أنه خلال العام المقبل لن تكون هناك فى مصر أراضٍ صناعية متوفرة للمستثمرين بسبب سيطرة هيئة المجتمعات العمرانية على خطة الأراضى فى المدن الجديدة، والتى بدأت فى تحويل عدد الأراضى المخصصة للصناعة إلى أراضٍ تخصص للقطاع العقارى والخدمات، لرغبتها فى تحقيق مكاسب سريعة تعادل 3 أضعاف القيمة المترتبة على تخصيص تلك الأراضى للصناعة.
وأضاف المصدر أن هيئة المجتمعات العمرانية تقوم بإنشاء مدن جديدة دون النظر إلى القطاع الصناعى كجزء مهم من المدينة، والأكثر من هذا أن الهيئة قامت فى الآونة الأخيرة بتحويل مخطط الأراضى الصناعية فى المدن الجديدة، مثل العاشر من رمضان، إلى مخطط عقارى وخدمى لتحقيقها مكاسب أعلى مما تحققه الصناعة التى تظهر نتائجها على المدى الطويل.
كما كشف عن تحويل الهيئة أكثر من 600 قطعة أرض بمدينة العاشر من رمضان من نشاط صناعى إلى أنشطة أخرى، كما تدرس هيئة المجتمعات العمرانية تحويل ما يقارب من 1000 فدان فى مدينة بدر من نشاط صناعى إلى أنشطة أخرى، وكذلك مدينة برج العرب.
وحذر المصدر من تهميش الدولة للقطاع الصناعى فى تخصيص الأراضى، والبحث عن المكسب السريع من التخطيط العمرانى الذى يقضى على الصناعة المصرية، مع استمرار تجريف الأراضى من الصناعة إلى العقارى، لافتًا إلى أن هناك ما يقرب من 5 وزراء من الحكومة الحالية أعضاء ممثلين بالهيئة العامة للمجتمعات العمرانية، من ضمنهم وزير الصناعة .
وعن دخول المطور الصناعى فى ترفيق الأراضى الصناعية، والذى تعتمد عليه معظم دول العالم المتقدمة، قال إن الحكومة لم تستطع تطوير الأراضى الصناعية بنظام المطور الصناعى بسبب الأيدى المرتعشة بها، وتخوف أى مسؤول من اتخاذ قرار دخول المطور بعد تجربة إدانة الوزراء السابقين فى تخصيص الأراضى، ودخولهم على أثرها السجون فى قضايا مماثلة.
وأوضح أنه للابتعاد عن الأيدى المرتعشة، وتوفير الأراضى فى نفس التوقيت، لابد أن تحصل الحكومة على الضمانات الكافية فى العقود الموقعة بينها وبين المطورين الصناعيين، موضحًا أن الدولة تطرح قطعة الأرض للمطور الصناعى بعقد مبرم يشترط فيه بيع سعر متر الأرض بقيمة مالية يتم تحديدها وفقًا للمنطقة الواقعة فيها الأرض لاستخدامها فى الصناعة، كما توقع عقد بيع سعر متر الأرض بعد ترفيقها من المطور للمستثمرين المتقدمين عليها بقيمة مالية محددة تحد من اشتعال سعر الأراضى، وضمان حقوق المستثمر والمطور والدولة فى الأرض الواحدة.
ويعتبر دور المطور الصناعى هو الحصول على الأرض بعد وضع الحكومة المرافق السيادية بها، مثل المياه والكهرباء والصرف الصحى والغاز، ويقوم المطور بدور تقسيم الأرض، وتخطيطها، وتحديد نسب الشوارع والحدائق بها، إضافة إلى تحديد نسب الخدمات والمستشفيات فى هذه الأراضى، ثم طرحها كقطع مقسمة إلى المستثمرين، حيث يعد الدور الرئيسى للمطور الخدمات والتسويق للأراضى، لجذب وتطوير القطاع الصناعى.
وعن دور قانون الاستثمار، أكد المصدر أن قانون الاستثمار لم يخرج إلى النور بسبب طمع وزارة الاستثمار فى السيطرة، دون أن تدرس مسؤولياتها المحددة تجاه هذا القانون الجديد الذى تتحول فيه هيئة الاستثمار إلى نافذة التعامل مع المستثمر، قائلًا إن الهيئة لا تصلح فنيًا لأن تكون مسؤولة عن كل ما يتعلق بالقطاع السياحى والزراعى والصناعى فى مصر.
جمعية مستثمرى بدر: 40% من الأراضى الصناعية بها مشروعات والباقى للتجار والسماسرة
وكشف بهاء العادلى، رئيس جمعية مستثمرى مدينة بدر، عن تحكم التجار والسماسرة فى 60% من الأراضى الصناعية التى تم طرحها بمدينة بدر، مضيفًا: «نحتاج إلى نظرة متخصصة فى وضع الأراضى الصناعية، تكون أعلى من نظرة وزير الصناعة، لكى نستطيع التغلب على مشاكل الصناع».
وأضاف «العادلى» أن الأراضى الصناعية لا تعانى من ندرة، ولكن العجز فى إدارة الأراضى وولاياتها وطرحها، وتجاهل الحكومة سماسرة الأراضى والمضاربين عليها، مؤكدًا أن ما يسعى إليه المستثمر القادم لإنشاء مشروع فى مصر غير موجود، فحتى فكرة «الشباك الواحد» التى أعلنتها الحكومة غير موجودة، فإنهاء الإجراءات فى مصر يستمر على شبابيك عديدة بمختلف الهيئات التابعة للوزارات الحكومية.
وقال إن الباحث عن الأراضى الصناعية إما أن يجدها فى أيدى السماسرة، أو أن يجد أراضى «غير مرفقة» من الدولة أو المطور الصناعى، لافتًا إلى أن مدينة بدر بها ما يقرب من 3600 قطعة أرض، ويبلغ عدد المصانع التى أنشئت عليها 700 قطعة فقط، كما أن مساحة الأراضى التى تم ترفيقها بالمدينة 1800 قطعة، وهو ما يعادل 40% فقط من المساحة الكلية، والباقى فى أيدى تجار وسماسرة الأراضى.
كما أشار إلى أن باقى الأراضى بالمدينة، وعددها 1600 قعة أرض، لم يتم ترفيقها حتى الآن، خاصة أن الدولة ليس لديها الموارد للترفيق وطرح الأراضى للمستثمرين، وعلى الجانب الآخر هناك رفض من الحكومة بدخول المطور الصناعى للترفيق وإنقاذ الأراضى الصناعية من المضاربة عليها بعد اتخاذ جميع الضمانات والعقود على ترفيق الأرض، وتحديد سعر بيعها، وطرحها للمستثمرين .
اتحاد الصناعات: لا توجد أراضٍ
من جانبه، أكد اتحاد الصناعات المصرية أن مصر تعانى من ندرة الأراضى الصناعية، وهو ما يعانى منه الصناع، والسبب فى هذا الحكومة، وعدم اعتماد الجهات المعنية بالدولة، والممثلة فى وزارة الصناعة والتجارة الخارجية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، على المطور الصناعى الذى سيسهم بشكل كبير فى القضاء على هذه الأزمة.
وقال محمد السويدى، رئيس الاتحاد، فى تصريحات لـ«اليوم السابع»، إن الاتحاد تقدم بمذكرة إلى وزارة الصناعة، يطالب فيها بالموافقة على تخصيص الأراضى للمطور الصناعى بهدف توفير أراضٍ صناعية مرفقة للصناع، لافتًا إلى أن الدولة ستحقق أرباحًا كبيرة عقب تطبيق القرار من خلال تحصيل ضرائب على أصحاب المصانع، وتقليل معدل البطالة من خلال تشغيل العمالة.
وأشار «السويدى» إلى أن تخصيص الأراضى للمطور الصناعى سيحدث انتشارًا صناعيًا كبيرًا، كما سيعمل على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر التى بدورها ستساعد فى القضاء على البطالة والإرهاب.
من جانبه، دعا محمد البهى، عضو هيئة المكتب التنفيذى باتحاد الصناعات، الحكومة الجديدة إلى النظر فى حلول سريعة، ومنها إنشاء خريطة صناعية فى مصر تضم جميع المصانع المصرية، والأراضى الصناعية بجميع المحافظات، مع تفعيل تخصيص الأراضى للمطور الصناعى الذى سيسهم بشكل كبير فى عمل ما لا تستطيع الحكومة القيام به فى ظل الأزمات التى يعانى من الاقتصاد.
وأشار «البهى» إلى أن الحكومة الجديدة أمامها الكثير من التحديات، لعل أهمها توفير الدولار بالبنوك، من أجل التسهيل على الصناع فى فتح اعتمادات بنكية من أجل استيراد الخامات من الخارج لتدوير عجلة الإنتاج، بالإضافة إلى تفعيل القوانين الاقتصادية المعطلة، مثل قانون القيمة المضافة، وقانون العمل.
جمعية مستثمرى العاشر: الأراضى لا تستوعب طلبات المستثمرين
المهندس أبوالعلا أبوالنجا، نائب رئيس جمعية المستثمرين بالعاشر، أكد أن منطقة العاشر من رمضان الصناعية تعانى من ندرة الأراضى الصناعية، لافتًا إلى أن هناك عددًا محدودًا جدًا من الأراضى لا يستوعب الطلبات التى يقدمها المستثمرون. وأشار «أبوالنجا» فى تصريحات لـ«اليوم السابع» إلى ضرورة إعادة ترسيم حدود مدينة العاشر الصناعية.
