عمرو النحاس يكتب: القاهرة الحزينة

السبت، 31 أكتوبر 2015 02:30 م
عمرو النحاس يكتب: القاهرة الحزينة قلم وورقة - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
القاهرة من أكثر المدن إزعاجًا وقلقًا وتلفًا للأعصاب على كوكب الأرض!
دراسة ألمانية نشرت على موقع "الجارديان" قام بها طبيب الأعصاب أندرياس ماير-يندنبيرج وفريقه فى المعهد المركزى للصحة العقلية بألمانيا، أكدت أن القاهرة إلى جانب ميامى الأمريكية ومومباى الهندية وشنجهاى الصينية، أصبحت تعد أحد أكثر المدن المسببة للقلق وتلف الأعصاب على وجه الأرض.

الدراسة اعتمدت على طريقة العيش بتلك المدن: مستوى المعيشة والضوضاء ودرجة التلوث البيئى بالإضافة إلى نسبة الاكتئاب بها، والتساؤل الذى يطرح نفسه الآن هو ما الذى حدث حتى تصل "جوهرة الشرق" كما لقبت قديمًا فى كتب التاريخ والأدب إلى هذا الوضع!

القاهرة التى عرفت فى العصر الفرعونى باسم "من نفر" أى الميناء الجميلة، وكانت ضاحيتها الأكثر شهرة هى مدينة الشمس "أون" بالهيروغليفية أو "هليوبوليس" بالإغريقية، هى العاصمة الموحدة لمصر والمنافس الأوحد لطيبة القديمة على مر العصور، وذلك حتى الفتح الإسلامى لمصر وتأسيس الخليفة المعز لدين الله الفاطمى لها على الشكل الذى بقيت عليه حتى وقتنا هذا.

القاهرة الكبرى والتى يقترب تعداد سكانها من 20 مليون نسمة "ما يعادل ربع تعداد السكان فى مصر تقريباً" تعد واحدة من أكثر مدن العالم تكدساً بالسكان، وكبقية المدن المليونية فى العالم تعانى "جوهرة الشرق" من عدة مشاكل أساسية تبدأ من العشوائيات الممتدة بكافة ضواحيها، مروراً بالصرف الصحى والقمامة والباعة الجائلين، ووصولاً إلى المعاناة اليومية التى يعيشها المواطن المصرى بصفة عامة والقاهرى بصفة خاصة والمتمثلة فى أزمة المرور والمواصلات.

إن الحكومات المتلاحقة منذ ما يقرب من نصف قرن لا تزال عاجزة عن الوصول لحلول جوهرية لتلك المشاكل المزمنة، فنقل الباعة الجائلين إلى أماكن هى عادة غير مأهولة بالسكان، أو التعاقد مع شركات أجنبية لجمع القمامة، أو حتى محاولة الاستعانة بإشارات إلكترونية لتنظيم المرور، لم تقدم أى منها ما يرضى أو يقنع المواطن القاهرى حتى هذه اللحظة!

الأمر أشبه باستعانة الطبيب بمجموعة من المسكنات لتخفيف الألم عن المريض، وكنتيجة لذلك وفور انتهاء جرعة المسكن عادة ما سيلجأ الطبيب لاستخدام جرعة آخرى، وهكذا دونما علاج فعلى لما يعانيه هذا المريض "المواطن" من أمراض ومتاعب يومية هى حتماً المسبب الرئيسى لهذا القلق والإجهاد العصبى.

كيف يمكن لمن بنى هرمأ لا يزال العالم حتى وقتنا هذا يقف عاجزاً عن تفسير كيفية بناؤه أو حتى نقل حجر واحد إلى هذا الارتفاع الشاهق وفقاً لإمكانيات وصفت آن ذاك بأنها محدودة ويستحيل منطقياً الاعتماد عليها! أن لا يجد حلاً لمشكلة العشوائيات وفوضى البناء بدون تراخيص! وكيف يمكن لمن كانت لديه القدرة يوماً على تحنيط جسد بشرى والاحتفاظ به سليماً لسبعة آلاف سنة، أن لا يجد وسيلة أو مكاناً للاحتفاظ بمخلفاته أو "زبالته"!

أيها السادة إن كل ما نحتاج إليه فقط هو حلولاً جوهرية وليس مجموعة من المسكنات والتى ربما قد يصبح ضررها مستقبلاً أكثر من فائدتها الحالية، فنحن نملك عقولاً وسواعد متميزة بدءاً من خبراء عالميين فى مجال تخطيط الطرق ووصولاً إلى مجال الطاقة النووية والـ "فمتو ثانية" والذين قام أجدادهم ببناء حضارة أبهرت العالم على مر العصور.

إن القاهرة التى كانت فى يوماً ما من أسعد بلاد الله فى أرضه، يتحمل أهلها وحدهم الآن مسئولية إعادة تلك السعادة المفقودة إليها، وإلا فسوف تظل القاهرة "الحزينة" حزينة لسنوات آخرى قادمة!

* مدرس مساعد بجامعة القاهرة








مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة