لا تستطيع المجتمعات العيش بلا أنظمة وقوانين تحكمها، فالقوانين هى وسيلة الحفاظ على الحقوق وهى الوسيلة التى تصان فيها كرامة الفرد، وتستغل فيها الثروات، وتحدد بها المسئوليات والواجبات المناطة بالجهات والأفراد والجماعات، لذلك لا وجود للدولة بلا قوانين تنظمها وتديرها ولا وجود للدولة أيضاً بلا العدالة التى تضمن تطبيق القوانين على جميع الناس بلا استثناء أو تمييز. فالعدالة هى مفهوم إنسانى مهم جداً، ويعنى المساواة بين جميع الأفراد فى حقوقهم وواجباتهم كل حسب قدرته وظرفه فليس من العدالة معاملة القوى والضعيف بنفس المعاملة، ويندرج تحت هذا المصطلح تكافؤ الفرص بين جميع الأفراد وتوزيع المقدرات والثروات والمكتسبات بالمساواة. تحقيق العدالة فى المجتمع ليس بالموضوع السهل، وخصوصاً فى ظل انتشار الفساد الذى يعد غياب العدالة هو أحد أسبابه وهو أحد نتائجه، فتحقيق العدالة يكون بوجود الشرفاء فى المجتمع الذين يتولون أمور الدولة وأجهزتها، ويستلمون التحكيم بين الناس فيما يبدر بينهم من خصامات ومشاجرات من خلال جهاز قضائى قوى يستطيع العدل فى القضايا والمخاصمات التى تحدث بين الناس.
وعن طريق إحساس الناس بأنهم جميعاً متساوون بالحقوق والواجبات لا تمييز بينهم على أساس عرقى أو طائفى أو دينى أو على أساس أوضاعهم الاجتماعية أو أشكالهم أو غيرها من أشكال التمييز التى تسبب حالة احتقان فى المجتمع يصعب التخلص منها على مر الأزمان والعقود إلا بمجىء أناس مخلصين قادرين على تخطى هذه الأزمات. إن غياب العدالة من المجتمعات هو مدعاة للفوضى وانتشار الظلم والفساد والفقر وإهدار الحقوق، فتصبح هذه البيئة خصبة للتطرف والتعصب والانحدار الأخلاقى وانتشار الجرائم. تختفى العدالة بتحكم فئة معينة من الشعب فى مكتسبات دولة فتشعر الفئات المعدمة فى المجتمع بغياب العدالة مما يسبب كل المصائب السابقة.
فالعدالة هى الصمام الذى يحفظ الدول والمجتمعات، فليست العبرة فى عدم وجود الموارد، ولكن العبرة فى أن يشعر الجميع بأن نقص الموارد حالة عامة يتأثر بها الجميع. فالتنظير للعدالة وتكافؤ الفرص واحترام الحقوق لا يشبع الناس ما لم يجدوا أن هؤلاء المنظرين قد تحولوا من التنظير إلى التطبيق العملى، فوجود بعض المسئولين الفاسدين الذين باعوا ضميرهم يعطى للناس انطباعاً بأن هؤلاء الناس خلقوا للتنظير وأن العدالة لم تأخذ مجراها، فالعامل الكادح يأخذ الفتات والذى يجلس فى أفخم الأجواء ويدعى الغيرة على المصلحة العامة ويسرق وينهب وربما يقتل إرضاءً لغرائزه وأهوائه فهو الذى يحوز على الاهتمام الأكبر سواء كان هذا الاهتمام مادياً أم معنويا هناك أسس وضعها الإسلام للتعامل ما بين النّاس، من حيث التجارة والتعامل والعمل، ووضع قيم ومبادئ رفيعة تساعد النّاس على التعامل فيما بينهم من مودّة ورحمة والمحبّة والإيخاء فيما بينهم ، ومن هذا المنظور انطلق مفهوم العدالة فى الإسلام ، فالعدالة ليست محصورة فى موضوع معيّن وإنّما تتطرّق إلى أبواب عدّة وكثيرة ، ولكن أساس كل العدالات هى العدل، فمن غير العدل لا يوجد هناك قيم وحضارة إسلاميّة.
أنزلَ الله سبحانهُ وتعالى القرآن لأهداف سامية وربانيّة، ومن أهمها العدل بين النّاس، لأنّ العدل هو ميزان الله على الأرض، يقف مع الضعيف حتّى لا يأكلهُ القوى، ويكون مع المظلوم حتّى ينتصرَ على الظالم.
من سمات العدل فى الإسلام أنه لا عاطفةٌ فيه فلا يتأثّر بجنسيّة أو عرق أو نسب، فإذا كان العدلُ يدخل فيه العاطفة قد دُمّرت مبادئهُ وقيمهُ الإنسانيّة ، والله عندما وضعَ تشريعاتهُ فى القرآن لم يميّز أحد بل الكلَّ سواء، فالأسس الربانيّة قيمها أسمى من تشريعات البشر، وكان الرسول أحرصّ النّاسِ على العدل والمساواةِ بين النّاس، وعندما قال الرسول: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها، فهنا يعلّمنا الرسول القيم الموجودة فى القرآن وأنّهُ يجب تطبيقها على كافة طبقات المجتمع وفى أى زمان ومكان فالقرآن كتاب تشريع للأمم إلى قيام السّاعة .
كما أمرَ الإسلام بالعدل حرّم الظلم: للظلم سمات كثيرة ومنها ظلم النفس، وظلم الآخرين، وظلم الميراث، وظلم التمييز فى التعامل، كل هذه أنواع الظلم قد حرّمها الله ورسوله، فدعوة المظلوم ليست بينها وبينَ الله حجاب، لأنّ الله يبغض الظلم وينصر المظلوم لو بعد حين، الإسلام دين الوسطيّة فهو يعدل فى كلّ أمور الحياة، يعدل فى حياة الإنسان، ويعدل فى العلاقات بين النّاس، والغريب أن الله أنزلَ كتاب حياة للإنسان حتّى يجد طريق يستطيع العيش فيه، كتاب تشريع بين النّاس ولا تطبّقهُ أمّةُ محمد، فيتركون كتاب فيهِ الخير والعدل والإصلاح من أمور لحياة المسلمين ويركضون على تشريعات يضعها الغربيّون لا أسس ولا مبادئ ولا أخلاقيّات فيها، ونقول إن الغرب هم أساس العدل والمساواة .
رحمة وجدى تكتب: العدالة صمام الأمان الذى يحفظ الدول والمجتمعات
الجمعة، 30 أكتوبر 2015 04:00 م