كتاب "كل رجال السويس" حكايات منسيه لحياة فدائيين السويس

السبت، 03 أكتوبر 2015 04:10 ص
كتاب "كل رجال السويس" حكايات منسيه لحياة فدائيين السويس غلاف الكتاب
كتب أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أبطال كتاب"كل رجال السويس" الصادر عن دار كنوز، للكاتب محمد أبو ليلة، يوضح أن مهنتهم الحياة لا السلاح، وفى لحظة الخطر، تحولوا إلى مقاتلين وفدائيين من طراز لا يتكرر، فهم قطعة من قلب مصر، ومن صلب جيناتها العبقرية، ومن مدينة السويس على الخط الأمامى للمقاومة، يكدحون ويمرحون، يعانون ويفرحون، لكنهم لا يتخلفون أبدا عن دفع ضرائب الدم، وترك بيوت السكينة إلى لهيب النيران، تصهرهم المحن، وتخلقهم خلقاً جديداً، ويصنعون البطولات المذهلة كأنها من عادات الحياة اليومية.

وعن رأيه فى الكتاب يقول الكاتب الصحفى عبد الحليم قنديل فى مقدمة الكتاب أن الكاتب يقدم فى كتابه وقائع التاريخ المنسي، ويذكركم بأبطال السويس المحجوبين عن الضوء، بينما هم الذين صنعوا لهذا البلد ضوء النهار، وكانوا الشعلة الموقدة فى ظلام ليل الهزائم الثقيلة العابرة.

لماذا السويس؟
ويؤكد الكتاب أن طوال 42 عامًا اقتصر الحديث عن السويس فى يوم" 24 أكتوبر"، حينما تصدى أبطالها للجيش الإسرائيلي، وصنعوا ملحمة السويس العظيمة. لم يكن مسموح لهؤلاء الأبطال من فدائيى السويس أن يظهروا فى وسائل الإعلام، إلا أثناء احتفالات أكتوبر وبشكل محدد، لا يتحدث عنهم ولا عن بطولاتهم إلا القليل.

وأشار الكاتب فى كتابه، إلى أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك ظل طيلة حكمه يروج إلى أنه الوحيد صاحب انتصار أكتوبر، بينما هو كان قائد للضربة الجوية الأولى التى تكونت من خمسة آلاف طيار وليس مبارك فقط.

وأوضح الكتاب، أن المؤرخون يقولون دوماً «أن لكل معركة أبطالها»، لكن التاريخ عودنا فى بعض أحداثه أنه فى وقت الحرب يكون هناك أبطال يضحون بدمائهم فى سبيل رفعة الوطن، لكن غيرهم من «سماسرة» الحروب هم الذين يستفيدون من تلك التضحيات وتوزع عليهم غنائم المعركة، وفى معارك كثيرة، أغلق التاريخ أبوابه على من ضحوا بدمائهم فى سبيل رفعة أوطانهم، بينما أظهر من لم يشتركوا فى المعركة باعتبارهم «أبطال».
وتابع الكتاب أن بعد انتصارات عام 1973، اعتاد الرئيس الراحل أنور السادات أن يصّلى كل عيد فطر فى مدينة السويس، تقديرًا لما قدمه شعبها من تضحيات فى ذلك اليوم.

ولفت الكتاب أن فى يوم 24 أكتوبر، قدمت السويس ملحمة وأبطال لم يعرفوا الاستسلام، والآن وبعد مرور 42 عامًا على الحرب تغيرت الملامح تمامًا عن «بلد الغريب»، لكن الأحاديث عن المقاومة والفداء لا تزال تروى لكل الأجيال، ولا تزال جدران مسجد الشهداء الذى كان مقر المقاومة الشعبية بالمدينة '((حافظة)) لأسامى شهداء حرب السويس فى هذا اليوم.

ويؤكد الكاتب، أن معظم أهالى السويس حتى الجيل الجديد يعرفون جزء من هذه التفاصيل التى توارثوها جيلًا بعد جيل، غير أن تفاصيل التفاصيل لا يعرفها إلا القليل وبالأخص القريبين من مجموعة الفدائيين أعضاء منظمة سيناء العربية، هؤلاء الأبطال الذين قادوا المعارك وقت الحرب، وحينما تجلس مع فدائى بصفتك صحفى توثق شهادته التاريخية، ستحصل على معلومات أشمل وأهم من كونك مواطن عادى يسمع حكايات هؤلاء الفدائيين مرة كل عام فى حال قررت المحافظة تكريمهم على الأدوار البطولية التى قدموها.

ويقول الكاتب أنه عندما حكى لى البطل «محمود عواد» كيف بدءوا الانضمام للمقاومة الشعبية بعد ساعات من نكسة يونيو، والأماكن التى بدءوا فيها التدريب القاسى الذى استمروا فيه أيامًا طويلة، استنتجت لماذا قام هو وزملاءه «إبراهيم سليمان»، «مصطفى أبو هاشم»، «محمود طه»، «سعيد البشتلي»، «أشرف عبد الدايم» وسبعة أبطال آخرين من رجال المقاومة بتنفيذ عملية وضح النهار والتى أسفرت عن أسر جندى من جنود العدو ومقتل تسعة إسرائيليين بينهم ضابط بهذه السهولة والسلاسة.

عملية وضح النهار
فى أواخر عام 1969، كانت العمليات الفدائية التى يقوم بها جدعان السويس منذ نكسة يونيو ملئ السمع والبصر، كل بضعة أيام عملية فى عمق سيناء ضد العدو الإسرائيلي، وذاع صيت أفراد منظمة سيناء العربية الذى يقودهم جهاز المخابرات الحربية، وقتها قررت القيادة العامة للقوات المسلحة تنفيذ عملية عسكرية داخل سيناء، تحديدًا فى المنطقة المقابلة لمنطقة «بور توفيق» شرق قناة السويس.

لم ينتظر الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» كثيراً، فقد كان يتابع تفاصيل تلك العملية بنفسه، حيث أرسل أحد رجال الحرس الجمهورى الخاص به وهو العميد «حسين دراز» إلى السويس ليقود مجموعة الفدائيين من منظمة سيناء العربية فى تلك العملية، كان «محمود عواد» و«مصطفى أبو هاشم» و«إبراهيم سليمان» و«حلمى شحاتة» و«محمود طه» و«أشرف عبد الدايم» و«سعيد البشتلي» و«عبد المنعم قناوي» و«محمد سرحان» و«أحمد عطيفي» وزملائهم، هم أفضل رجال الفدائيين فى تلك الفترة، وكانوا مجموعة واحدة لا تتعدى خمسة عشر فردًا، توكَّل إليهم أخطر الأعمال الفدائية ضد العدو.

وصل العميد دراز إلى عواد ورفاقه وبدءوا التدريب للعملية بسرية تامة، فى أحد المناطق القريبة من ميناء «العين السخنة»، والتى طالما تدربوا فيها على معظم عملياتهم الفدائية التى قاموا بها، العملية كان هدفها العبور للضفة الشرقية من القناة، وتدمير دورية إسرائيلية ورفع العلم المصرى على سيناء، والرجوع بأسير إسرائيلى على الأقل لضرب العدو معنويًا.

قبل يومين من تنفيذ العملية تواجد الفدائى محمود عواد وزميله مصطفى أبو هاشم، أمام المنطقة التى سينفذوا العملية الفدائية بها، لكنهم سمعوا أصوات غارات وآليات عسكرية إسرائيلية تتحرك على الجهة المقابلة لهم فى سيناء، مما ينبئ بحدوث غارة عليهم من العدو، فسألوا قائد الوحدة، الذى أخبرهم أن هذه الأصوات مستمرة منذ عدة أيام، والوحدة فى حالة استعداد تام.

وقتها كان كل المتواجدين فى الوحدة العسكرية من جنود وضباط وضباط صف متأهبين بلا نوم منذ فترةٍ طويلة، استعدادًا لتلك الغارة، لكن «عواد» و«أبو هاشم» استأذنوا قائد الوحدة بعبور قناة السويس فى جنح الظلام، ليستطلعوا حقيقة تلك الأصوات، وطلبوا تأمينهم بالمدفعية لحين عودتهم إلى الضفة الغربية للقناة مرة أخرى.

كيف قاد «عواد» زملاءه الفدائيين لتحقيق كل هذه الانتصارات فى معركة كبريت الأولى ومنع احتلال القوات الإسرائيلية للجزيرة الخضراء؟، كيف قادتهم تلك المعارك للتصدى لقوات العدو الإسرائيلى يوم 24 أكتوبر فى معركة الأربعين؟، كيف قتل «عواد» بيديه قائد الشرطة العسكرية الإسرائيلية وقت حصار إسرائيل للسويس، بعدما أطلق قذيفة من سلاحه الآر بى جى على سيارة القائد الإسرائيلي، لكنه الآن وبعد أن تجاوز عامه الـ 76، ضعف بصره، وأصيبت قدماه حتى أنه يجد صعوبة فى الحركة، ولا أحد يسأل عنه سواء كانت الدولة أو منظمات المجتمع المدنى أو حتى قيادته فى الجيش التى طالما ضحى بروحه فداءًا لتنفيذ أوامرها.

لو تابعت جزء ضئيل مما قدمه الفدائيون بعد نكسة يونيو، ستعرف لماذا قررت إسرائيل أن تنشأ خط بارليف المنيع كى يتصدى لاعتداءات الفدائيين من أبناء السويس.

حين تقرأ هذا الكتاب ستجد كيف ذهب «عبد المنعم قناوي» فى سيناء خلف خطوط العدو، بعد نكسة يونيو، يستطلع تجهيزاته ومعداته ويرسلها فورًا إلى القيادة، وكيف كان هو المصرى الوحيد الذى استطاع أن يعبر من ثغرة الدفرسوار فى ليلة 16 أكتوبر وقتما كان اللواء الإسرائيلى بقيادة شارون يعبر قناة السويس ويحتل الضفة الغربية للقناة.

كيف أستطاع «قناوي» إنقاذ مركز قيادة الجيش الثالث من استهداف قوات العدو الإسرائيلى وقت حصار السويس، إلا إنه الآن وبعد تجاوزه الـسبعين عامًا يعمل سائق لسيارة ميكروباص بالإضافة لمرضه بالسكر والانزلاق الغضروفى ولا يسأل عنه أحد هو الآخر حاله كحال بقية زملاءه من أبطال الفدائيين.

خلال الأربعين عامًا الماضية، ظل هناك هاجس كبير يراود المسئولين فى هذه الدولة، وهيئ لهم أن إظهار دور وبطولات الفدائيين سيضعف من عزيمة الجيش المصري، وسيكشف عن قصور فى الأداء العسكري، باعتبار أن الفدائيين أشخاص مدنيين ولو أظهرنا بطولاتهم واتضح أنها بطولات انتحارية لا يقوم بها سوى قوات الصاعقة أو المظلات، وليس أفراد مدنيين - وهذا فى تفكيرهم - سينقص من عزيمة أفراد الجيش.

لكن الحقيقة أن هؤلاء الفدائيون قادتهم المخابرات الحربية المصرية، ودربتهم قيادات الجيش المصري، وما حققه «جدعان» السويس من بطولات وانجازات، هى فى الأساس إنجاز للجيش المصرى نفسه، وجزء كبير من تلك العمليات الفدائية له دور فى تشجيع القيادة على بدء حرب الاستنزاف ومن بعدها حرب أكتوبر، لأن هؤلاء الفدائيون بدءوا عمليات ضد العدو الإسرائيلي، وقتما كانت باقى قيادات وضباط وجنود الجيش المصرى يعيدون ترتيب ما تبقى من أسلحة وجنود بعد نكسة يونيو.

متى سنرى تكريم حقيقى لهؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فى معارك مصيرية، لماذا لا تقوم الدولة برعاية شاملة لكل من قدموا خدمات جليلة لهذا الوطن وخصوصا وقت حرب أكتوبر؟.. لماذا لا تقوم القوات المسلحة المصرية على وجه الخصوص بإنشاء جهاز خاص يرعى متطلبات أبطال الحروب "الفدائيين"، من خلال تأمين على حياتهم فى الصحة والتعليم، أو النظر المستمر لحالتهم الاجتماعية ومراعاة ذويهم وأبنائهم، فهذا الفدائى أو البطل الذى قدم روحه فداء للوطن فى أكتوبر، لديه الآن أبناء كبار يريدون وظيفة وتأمين لمستقبلهم.

هذه الأعمال التى قام بها فدائيو السويس كانت نقطة الانطلاق لتفكير القيادة العامة للقوات المسلحة وتشجعيها على البدء فوراً فى خوض حرب استنزاف طويلة ضد العدو الإسرائيلي، وكما أكدت الكثير من الكتب العسكرية فإنه لولا حرب الاستنزاف لما انتصر الجيش المصرى يوم السادس من أكتوبر عام 1973.

من المؤكد أن ثورة 25 يناير ساهمت فى خلق فرصة جديدة للفدائيين فى التعبير عن أرائهم، أتى ذلك حينما انتشرت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة بعد الثورة، وازدادت آلافكار الصحفية لدى محررى تلك الوسائل.

وأصبحنا فى ذكرى أكتوبر منذ قيام ثورة يناير نتذكر جزء من هؤلاء الفدائيين، لكنه حتى الآن وفى معظم الكتب التاريخية والمطبوعات الصحفية التى تحدثت عن حرب أكتوبر وما قبلها وما بعدها، وعن السويس بالأخص، اختزلت دور السويس وشعبها فى «يوم 24 أكتوبر» وما بعده من «101» يوم حصار فقط، متجاهلة دور أبناء السويس قبل حرب أكتوبر فى «معارك الاستنزاف الطويلة».

فقلما نجد من يعرف عن عملية وضح النهار ورفع العلم المصرى لأول مرة فى سيناء منذ نكسة يونيو، ويجهل الكثيرون تفاصيل عملية كبريت الأولى والتى دمرت دورية إسرائيلية وقتلت ثمانية من العدو، كما لا يعلم أحد تقريبًا عن إنقاذ مركز قيادة الجيش الثالث من الدمار وقت حصار السويس أو الاستيلاء على 200 بندقية آلية، وثمانية مدافع هاون وآلاف الذخائر من أسلحة العدو، بل ومحاربته بها.

أصبح من المنطقى ونحن نحتفل بالذكرى الثانية والأربعين لانتصارات أكتوبر أن نتدبر ونعيد تنشيط الذاكرة، حول كيفية تحقيق هذا الانتصار العظيم، فقواتنا المسلحة لم تقرر فجأة أن تخوض حرب وتعبر قناة السويس يوم السادس من أكتوبر ثم تحقق النصر، لكن الحقيقة .. أن القصة قبل ذلك بكثير، وبعده أيضًا.

هذا الكتاب يكشف الدور الحقيقى الذى قامت به أفراد المقاومة الشعبية من المدنيين أبناء مدينة السويس الباسلة، بعد نكسة يونيو عام 1967، من أجل مقاومة الاحتلال، وصد العدوان الإسرائيلى وتشجيع أفراد الجيش المصرى وقياداته على خوض معارك الاستنزاف الطويلة، التى كان لها كبير الأثر فى انتصارات أكتوبر المجيدة، بعدما رأوا أعمال انتحارية يقوم بها مدنيين من أبناء السويس فى عمق سيناء.

وفى هذا الكتاب ستجد سرد بسيط وصور نادرة وحكايات تعرض لأول مرة عن حياة هؤلاء الفدائيين وبطولاتهم، وطقوس كل عملية فدائية قاموا بها.

وقد راعيت أن أعرض جزء من تاريخ مدينة السويس وشعبها من خلال مقاومة الغزاة والمحتلين منذ أيام الهكسوس وحتى معارك الفدائيين فى السويس فى أربعينيات القرن الماضي، مرورًا بمعارك القناة عام 1951، وتحديدًا فى معركة كفر أحمد عبده، ويتضمن الفصل الأول بعنوان «بداية مقاومة» شرح بسيط وتذكير بهذه العمليات الفدائية التى قام بها «جدعان» السويس منذ فجر التاريخ وحتى قبل نكسة يونيو.


موضوعات متعلقة..


بالصور.. مجلس اللوردات البريطانى يزور المتحف المصرى للمساهمة فى تطويره








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة