د. محمد على يوسف

آلام النفس تقتل أحيانا

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيرا ما نتعامل مع الآلام النفسية على أنها محض ادعاءات أو أوهام كاذبة، بعضنا يعامل المتألمين نفسيا على أنهم متكلفون مدعون أو بالعامية البسيطة «متدلعين».. نحتقر آلامهم ونزدرى تأوهاتهم ونغض الطرف عن مشاعرهم وأحاسيسهم. الحقيقة أن هذه كارثة لا يدرك مداها إلا صنفان من البشر، من كابدوا تلك الآلام بأنفسهم أو عايشوا قريبا أو حبيبا تعرض لها، ومن فهموا وأدركوا طبيعة تلك الآلام من خلال علمهم واطلاعهم الذى سمح لهم بالوصول لتلك الحقيقة الصادمة. حقيقة أن آلام النفس تقتل أحيانا، جراح الروح وطعنات الفؤاد ربما لا تنزف دما لكنها فى الحقيقة تستنزف الإنسان من أعماقه، وتقضى عليه فى النهاية إن لم تتداركه رحمة ربه.

لو أننى دعوتك لوجبة عشاء دسمة وتركتك تأكل بنهم ولم أشاركك متحججا بوعكة صحية أو ما شابه، ثم بعد انتهائك من وجبتك وامتلائك حتى الشبع فاجأتك قائلا بجدية: لقد سممت تلك الوجبة، أو فلنكن أكثر واقعية لكى ينطلى عليك الأمر ولا داعى لموضوع السم ده، ولنكتفِ بإخبارك أن الطعام الذى تناولته منذ قليل قد بصقنا فيه قبل تقديمه لك من باب المزاح الثقيل. ربما لن تصدق فى البداية وستدرك أبعاد الخدعة، وستكذبنى بشكل حاسم، لأنك لا تتصور جديتى فى مثل هذا، لكن علامات الجدية لم تزل ترتسم على وجهى، مؤكدا بإصرار أن الطعام كان مبصوقا فيه لم تصدق بعد.. ربما، لكن تلك التقلصات التى تنتاب أحشاءك تدريجيا وهذا الغثيان الذى يسارع إلى حلقك يشهدان بأمر آخر، لقد بدأت تصدق تلك المعلومة المقززة، هذا الغثيان وتلك التقلصات التى قد تتطور إلى المزيد ليست وهما ولا ادعاء حتى لو كان سببها كذلك، ولو أننى لم أسارع بتدارك الموقف وطمأنتك لآل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه. هذا نموذج واضح لما يمكن أن تفعله الآلام النفسية بالبشر، بل كما قلت آنفا، إنها تقتلهم أحيانا.

الأمر لا يحمل مبالغة، ولعل أشهر نماذجه ما حدث لذلك العامل الذى تشتهر قصته عند الحديث عن هذا النوع من الألم!، الرجل كان يعمل فى أحد المصانع التى تحتوى على غرف تبريد عملاقة، وبينما هو يعمل لوقت متأخر داخل أحد تلك المبردات العملاقة إذ أغلق الباب عليه من الخارج ظنا ممن أغلقه أن الغرفة فارغة، ولقد كانت الليلة التى تسبق عطلة نهاية الأسبوع. عاد الموظفون بعد نهاية عطلتهم ليجدوا جثة العامل داخل المبرد العملاق وحولها بعض الكتابات على الأرض والجدران يصف من خلالها الرجل مشاعر التجمد التى أحسها تدريجيا، المفاجأة أن صاحبنا لم يكن يعلم أن المبرد لم يكن يعمل! عطل ما سبب انقطاع غاز التبريد عنه، ما الذى قتله إذا؟! إنها تلك الآلام النابعة عن معلومة خاطئة وظن غير صحيح، حتى فى غياب الوعى قد تقتل تلك المعلومات المختلة والأوهام. أثناء ذلك الكابوس الشهير بأنك تهوى من حالق وتسقط من ارتفاعات شاهقة، ثم تستيقظ قبل الوصول إلى الأرض، هل تعلم أنك إن لم تستيقظ قبل الارتطام فى الحلم فإن هناك فرصة كبيرة لئلا تستيقظ أبدا لا قدر الله، بسبب الصدمة العصبية الناشئة عن تصورك الباطن لتلك السقطة، وهل تعلم أن كثيرا ممن يسقطون من ارتفاع شاهق يقضون نحبهم قبل الارتطام بالأرض، نظرا لتلك الصدمة العصبية التى تصيبهم أثناء السقوط، ويكون تأثيرها أقوى من تأثير السقطة التى أحيانا لا تكون قاتلة؟! كل هذه النماذج وغيرها لو فهمتها وأدركتها لعلك تفكر كثيرا قبل أن تقرر الاستخفاف بهؤلاء المتألمين والتهوين من شأن آلامهم.. آلام النفس.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة