"عام مضى بعد منتصف الليل" قصة للكاتبة "سماح الجمال"

الإثنين، 26 أكتوبر 2015 07:10 ص
"عام مضى  بعد منتصف الليل" قصة للكاتبة "سماح الجمال" سماح الجمال

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الوقت تخطى منتصف الليل بقليل، وما زالت مستلقية على سريرها وغطاءها يدثرها، ولا تفكر فى شىء محدد، إلا أن رسالة جاءتها أضاءت نورا صغيرا بجانبها.

اعتدلت على سريرها وأخذت "الموبايل" لتقرأها.. كانت تنتظر رسالة من صديق قديم، ولكن الوقت تأخر.. تحادث نفسها وهى بعد لم تفتح الرسالة، إن الوقت لا يسمح بذلك!
استجمعت ما بقى لها من قوة بعد يوم طويل مرهق، وهمت لترد عليه موبخة إياه على تأخره فى الرد، ولكنها تمهلت وكان قرارها صائبا.. عليها أن تنام وغدًا ترى.

اعتادت دوما أن تكون محور الأحداث، تتجول بعقول من حولها وتغوص بمشاعرها التى تحركها وتستجيب لها، هى كالرحالة لا تهدأ.
لها طقوس خاصة تبدأ بها وتختم يومها. ولديها ما تؤمن به فى أعماقها ويلهيها أن تتتبع الحياة كما هى، تبحث عن سر وجودها، عن تعويذة تريح قلق عقلها وتمرد قلبها، عن قصة تنتظر أن تكتبها وتخلقها.

تغلق عيونها لتنام ولكنها أبدأ لا تنام، ترى نهرا لا يفصلها عنه سوى الغرق به والعبث معه، لا يفصلها عن ذلك الحلم الدائم إلا انتظار شىء مجهول.. تشعر أن حياتها لن تمر هكذا.. ترى وتسمع شيئا يقول لها: ما زالت لك بقية، أرادت الاستسلام لتنام، وعبثا تفعل.

اليوم برد قارص، وهى تحت غطاءها بغرفتها وكأنها تعيش فى جزيرة غير مأهولة بمكان بعيد مترامى الأطراف، تقبع فى زاوية مظلمة تحايل جميع الأفكار الشريرة وتغريها على الاستسلام.
تأمر عيونها أن تنام وتنسى أن ليس على عقلها سلطان هو من يحركها مع هذه النبضات بقلبها التى لا تستسلم أبدأ للأوجاع..

ما هذه المرأة بداخلها التى دائما فى حالة ثورة وغليان لا تستسلم أبدا رغم القلق.
الغرفة غارقة بالظلام.. هى تحب ذلك، لا تستطيع النوم إلا لو انقطعت عن العالم وجالت بعقلها بأحلام تحتاج أن تتحقق، وأن تهبط بأرض سلام.

لم تستطع النوم، الفضول القاتل. وزخات المطر البريئة كنقر عصفور وليد ضل الطريق على زجاج نافذة غرفتها، والوحدة والأرق أقنعاها أن ترد، أضاءت المصباح اعتدلت فى جلستها لترد.
وبدأت تقرأ الرسالة ولكن لم تكن من صديقها القديم، من يكون المرسل إذا؟

إنه الليل يجعلنا نفعل أشياء مجنونة.. أشياء تفضحنا، تخرج وجهنا الآخر للحقيقة، وبلا رتوش ولا تجمل، تذهب مساحيق التجميل للجحيم وتبقى النوايا عارية بوجهها القبيح أو الملائكى، أنت وهوى نفسك.
قررت ألا ترد.. عاجلها بأخرى: "اعذرينى"، وكلمات رقيقة مهذبة..

ترد أم تتجاهل رقة وعذوبة كلماته؟
إنه الليل والشتاء والوحدة..
وماذا يحدث إن ردت؟
سترد وتنتهى القصة إلى هنا، هو شخص مثلها يشعر بتلك الوحدة،
والليل يعانده مثلها والشتاء..
الشتاء عندها ليس مجرد فصل يأتى بين ربيع وصيف.. بين قصر نهار وطوله، بقدر أنه حياة صحوة وتفكير وانطلاق وانشراح.
من هو؟ وماذا يكون ؟
رقم خطأ أم يعرفها، أم وحى من السماء ويحمل أمانة إنعاش ليلها القارص؟
هل ترد؟
له كلمات رقراقة عذبة كأول قطفة من العسل، كلمات مبهمة وفصيحة، كلمات لعابر سبيل حط بوادى لحظاتها المنسية، حروفه ليست كالحروف، وتركيبة عباراته كشلال بكر ينحدر من عل، ويزرع على جنبات القلب القاحل شتلات زهور وألوان.
سترد لتدفء صقيع ليلها
عاجلها: اعذرينى
هى: هل تعرفنى؟
هو: أقرأ ما تكتبين
عاجلته: إذن تعجبك كلماتى؟

وأخذ يسرد لها رأيه بما تكتب، ويعاجلها بين الكلمات بأسئلة لم تعهدها وتتعودها..
هو زكى وحديثه جذاب وهادئ ومثير، كلماته كالصدمات لقلب كان قد توقف وهو ينعشه الآن، يمده بحياة جديدة، قلما رأته فى رجل أو حتى امرأة.
أصبحت تجيب بنفس طلاقة جمال عباراته، وأصبحا يتجاذبان حديثا كانت تحلم به، تراه وإن لم تره ولم تعرفه قبل اليوم، ولكن شيئا رقيقا دقيقا غير مرئى يجذبها نحوه ويمطره غيث بصحراء حياتها كلحظة رعد رجت جبال الصمت وضربت بجذورها بأرضها الصلبة.

أصبحت لا تصدق
هذا الرجل ليس كباقى الرجال، هى لم تدرس عالم الرجال، ودائما ما تتوجس خيفة منهم، رغم أنها تكتب وطبيعة عملها الاكتشاف والعبث مع الشخصيات.
إلا أنها كأنثى لمس أوتارها وتكاد تكون آمنت بهذا الدين الصافى.

تمنت ألا ينتهى الليل وأن يمتد لباقى الليالى.. ألا تتركه ودعت أن يصبح نهارها رحيما بليالى شقاء طويلة قضتها تبحث وتنتظر هذا النبى.

صالا معها وجالا وتحدثا كما لو أنها عاشت حرمانا مقطوعة عنها الكلمات.
لأول مرة تشعر أن الكلمات تتراقص بدلال ولها ألوان مبهجة..
تمنت لو أن حروف اللغة أكثر من 28 حرفا حتى تطول العبارات معه ولا تنتهى.
وفى نشوة صوته المتهدج الدافئ الذى أشعل حرائق بغابات قلبها الصخرى، سألها:
أريد أن أراك؟
وبدون أن تشعر أجابت:
متى وأين؟
أجاب: الآن آتى إليك نتكلم
نذهب لأى مكان
وافقت مسيره، مخطئ من يقول أننا نختار..
أغلقت الهاتف وكان جسدها ينتفض.. ليس من برد الشتاء، لكنها برودة لذيذة تتمنى ألا تنقطع عنها برودة أنعشتها، جعلت عودها يزداد خضارا ونداوة ولينا.
قفزت بحيوية وأزاحت الغطاء.. لن تحتاجه هى تفرح بتلك البرودة وذهبت تختار ماذا ترتدى؟.. لديها زائر فى حياتها
لم تتعود الحيرة فيما ترتديه، لم تكن تستبدل اختيارها، كانت تقرر وترتدى ما تشاء، إنها تعشق ملابسها وألوانها، ولكن هذه المرة أصبحت ملابسها تتراقص أمامها كلا يعرض نفسه بلا احتشام، الضيق والواسع القاتم والمنعش، الطويل والقصير.

ماذا ترتدي؟
وعلى عجل قررت بنطلون وبلوزة واقنعت نفسها أنه موعد عادي، موعد اكتشاف، موعد لكتابة قصة وليس موعدا غراميا، هذا لقاء عمل وادعت البراءة بكل سذاجة علها تصدق.
يا إلهى.. ألم يكفنى صوتك جئتنى أنت كما تمنيت، خرجت من طريق حلمى وارتميت على ضفاف واقعى.
إنه أنت من كنت أنتظر، نفس الملامح والنظرات والالتفاتات، عيونك هى من رايتها تنادينى فى حلمى ويقظتي.

ما بال يدى ترفض أن تعود لى بعد أن لامستها؟
شيء ما بينى وبينك يقول إننا نلتقى كما أراد القدر.
لم أر النيل إلا معك.. لم أعرف معنى الليل إلا معك.. كل شىء أصبح له مذاق آخر.. لم يعد النيل ذلك الشريان الذى يمدنا بالحياة، بل أصبح هو وريدى الذى يحافظ على وجودى.. ورغم عشقى لليل زدت به هياما.. أصبحت كالمغشى عليه على صفحته المظلمة.

ماذا أري؟ ومن أنت؟ وكيف أنا هنا بهذا الوقت؟
لا أدرى أى إجابة لأى سؤال أثاره عقلى، أجهل معنى الأسئلة الدائرة كمعارك بين الكفر والإيمان بين طرقات قلبى.
ما أعرفه أننا التقينا وأرفض أن نفترق.
وقت خطأ، طريق عبث، موعد مجنون، أنا وانت التقينا!
أنا وأنت نكتمل وبدأنا نلتقى


موضوعات متعلقة..


فى تأبين جمال الغيطانى..وزير الثقافة كان قادرا على قول رأيه بلا خوف..وابنته:كنت أناديه بـ"جيمى"ويزعل لما أقوله "بابا"..وزوجته: تعلمنا منه حب الوطن..وأمين "الأعلى للثقافة":كتاباته عكست صورة مصر بالخارج






مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

هاله جمعه

قصه رائعه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة