بمجرد أن تنظر إلى وجوهم تجد أعينهم مليئة بالحزن على الماضى، ونظرات للمستقبل بعدما ضاعت أجمل أيام عمرهم بسبب تعاطيهم المخدرات، فمنهم من فقد تعليمه، وآخر من فقد وظيفته بسبب عالم الإدمان الذى لا يعرف فرقًا بين فقير وغنى، ولا بين مسؤول وشخص عادى، فتعاطى المخدرات متعدد بين جميع الفئات.
«اليوم السابع» التقت عددًا من متعافى الخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، التابع لوزيرة التضامن الاجتماعى، خلال انعقاد أول معسكر للمتعافين بمحافظة مطروح، والذى ضم الكثير ممن كانوا يتعاطون المخدرات بجميع أنواعها وتم علاجهم، وجار توفير مشروعات صغيرة للبعض منهم وفقًا للخطة القومية للدولة لمكافحة تعاطى المخدرات، والتى أقرها مجلس الوزراء.
أولى مفاجآت حديث المتعافين مع «اليوم السابع» أن المخدرات، خاصة مخدر الهيروين، أصبح من السهل الحصول عليه، وأنه يتم توفيره بمجرد مكالمة تليفون من الشخص الراغب فى شرائه، ووصوله إلى البيت «دليفرى» حسبما أكد الكثير من المتعافين، كما أن مخدر الهيروين يباع فى الشوارع الرئيسية، ويصل حتى باب المنزل، وأن أبرز المناطق لشراء مخدر الهيروين «كوم السمن» و«الجعفرة» بمحافظة القليوبية، و«دولاب الطيارة» على طريق الساحل الشمالى، و«الحضرة» بالإسكندرية، وأن الكثير من المتعاطين للمخدرات يلجأون لهذه الأماكن لشراء كل ما يحتاجونه أمام الجميع دون أى اهتمام من الجهات الأمنية لمداهمة هذه الأماكن، إضافة إلى قيام بعض الصيدليات ببيع الترامادول بأسعار مرتفعة للمتعاطين.
ورغم أن الإحصائيات الأخيرة، وفقًا لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، تشير إلى أن 80% من الجرائم غير المبررة، مثل محاولات الاغتصاب، وقتل الأبناء آباءهم، تحدث تحت تأثير المخدرات، إضافة إلى غالبية حوادث الطرق، الأمر الذى جعل صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى يقوم بإجراء تحاليل بشكل عشوائى على الطرق السريعة لسائقى النقل الثقيل، بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور، ووزارة الصحة، للتأكد من عدم تعاطى السائقين للمخدرات، حفاظًا على أرواح المواطنين، إلا أن هناك الكثير لا يزالون يتعاطون المخدرات نتيجة سهولة الحصول عليها، وتهريب كميات كبيرة من الترامادول.
«محمد. ت» من حدائق القبة قال إنه بدأ يتعاطى المخدرات منذ سن 14 حتى بلوغه 32 عامًا، وكان يشترى مخدر الحشيش بأموال الدروس التعليمية، حتى تطور الأمر إلى تعاطى الهيروين، والحصول عليه من منطقة «الموليحة» بحدائق القبة، قائلا: «الهيروين يباع دليفرى لحد البيت، وشراؤه أسهل من السجائر».
محمد عاد ليؤكد أن تعاطى المخدرات دمر حياته، وتسبب فى فقدانه أجمل أيام عمره فى مرحلة الشباب، وضياع حلمه، حيث حصل على دبلوم بعدما كان متفوقًا فى دراسته، مطالبًا بضرورة تكثيف الحملات الأمنية والرقابية لمنع انتشار تعاطى المخدرات التى أصبح من السهل الحصول عليها فى أى وقت.
عالم تعاطى المخدرات لا يفرق بين شخص ذى منصب فى إحدى الوظائف الرفيعة، سواء كان ضابط شرطة أو محاميا أو حتى فنانًا مشهورًا أو طالبًا جامعيًا، فالإدمان يحرك من يتعاطى المخدرات نحو أعمال وجرائم ينبذها المجتمع، وهو ما أكده «أحمد. ر» من منطقة الزاوية الحمراء، أحد المتعافين من تعاطى المخدرات، حيث بدأ بتعاطى الحشيش والترامادول حتى دخوله كليه التجارة، جامعة عين شمس، والتعرف على إحدى الزميلات بالجامعة، وبعدها بدأ يتعاطى مخدر الهيروين عن طريقها، قائلًا: «كنا بنشم الهيروين فى حمامات الجامعة»، إضافة إلى اتجار بعض الطلاب فى مخدر الهيروين وبيعه لزملائهم داخل الحرم الجماعى، لافتًا إلى أن مناطق «الجعفرة» و«كوم السمن» بمحافظة القليوبية تعد أبرز المناطق فى بيع مخدر الهيروين، حيث يلجأ الكثير من المتعاطين إلى هذه المناطق لشراء المخدرات، وأن هناك طوابير من جانب الشباب والأشخاص من مختلف الأعمار للحصول على المخدرات، خاصة الهيروين، مؤكدًا أنه خلال تعاطيه المخدرات تعرف على بعض الضباط وأبناء مسؤولين فى الدوله وفنانين مشهورين يتعاطون المخدرات «الهيروين»، وأن أحد الفنانين المشهورين تواجد معه فى أحد المراكز العلاجية للتعافى من الإدمان، مطالبًا الأجهزة الأمنية بمداهمة منطقتى «كوم السمن» و«الجعفرة» بالقليوبية للقضاء على بؤر بيع وتجارة الهيروين.
«أنفقت مليونًا و700 ألف جنيه على مخدر الهيروين فقط».. بهذه الكلمات تحدث «رفعت. ع»، 45 عامًا، خريج قسم الدعاة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أحد المتعافين من المخدرات، والذى تلقى علاجه من خلال الخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، لافتًا إلى أنه ظل يتعاطى المخدرات لمدة 22 عامًا، ألا أن رحلة تعاطى مخدر الهيروين بدأت وهو فى سن 38 عامًا، وتابع: «بمجرد إجراء مكالمة تليفون، وانتهاء المكالمة، يصل الهيروين دليفرى تحت البيت أسهل من مياه الحنفية»، مضيفًا أنه كان ينفق قيمة ما يتحصل عليه من إيجارات منزلين ورثهما عن والده لشراء الحشيش.
تعاطى المخدرات جعل البعض يحاول قتل أقرب الأشخاص إليهم دون وعى للحصول على الأموال لشراء المخدرات، وهو ما جعل «محمد. أ» من البساتين بالقاهرة، أحد المتعافين، يحاول قتل زوجته للحصول على 50 جنيهًا لشراء المخدر، لافتًا إلى أنه بمجرد عودته للمنزل فوجئ بزوجته تسأله عن أى أموال للكشف على ابنته، إلا أنه تهرب منها، وأخبرها أنه لا يوجد معه أى أموال، وبمجرد دخوله فى النوم قامت زوجته بتفتيش ملابسه والحصول على 50 جنيه، وبعد استيقاظه تشاجر معها وحاول قتلها بالسكين حتى تدخل أشقاؤه فى الوقت المناسب لمنعه من ارتكاب جريمة قتل زوجته وأم أبنائه.
«محمد» عاد ليؤكد أنه رغم كل تلك الظروف فإن زوجته ظلت بجانبه، وقيامها بالاتصال بالخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان لتلقيه العلاج، قائلًا: «تعاطى المخدرات ضيع حاجات كتير من عمرى وكنت هقتل زوجتى وأم أولادى بدون وعى علشان 50 جنيه»، لافتًا إلى أنه كان يحصل على الهيروين والحشيش من منطقة «الحطابة» فى الدرب الأحمر، والباطنية فى القلعة.
فيما أكد عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، التابع لوزيرة التضامن، أن الخط الساخن للصندوق «16023» يستقبل مكالمات هاتفية من جميع الفئات لتلقى العلاج بالمجان وفى سرية تامة، لافتًا إلى أن مشكلة تعاطى المخدرات تمس الأمن القومى والسلم المجتمعى، ولا تقل خطورة عن الإرهاب، خاصة بعدما وصل معدل الإدمان إلى 2.4% من السكان، ومعدل التعاطى لـ10.4%، وهو ما يشكل ضعف المعدلات العالمية، إضافة إلى أن 80% من الجرائم غير المبررة تقع تحت تأثير تعاطى المخدرات، مثل جرائم الاغتصاب، ومحاولة الأبناء التعدى على آبائهم، إضافة إلى أن الدراما تلعب دورًا رئيسيًا فى الترويج للمخدرات، وأن 81% من الأعمال الدرامية تتناول مشاكل التدخين والمخدرات والتعاطى وتخوض فيها بدون التركيز على تداعياتها السلبية.
وأوضحت غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى، رئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، أنه تم تطوير الخط الساخن للصندوق «16023» ليتضمن تلقى البلاغات عن أماكن الاتجار وتعاطى المخدرات، وكذلك الإبلاغ عن المراكز الوهمية غير المرخصة لعلاج مرضى الإدمان، على أن يقوم الصندوق بإبلاغ الجهات المعنية للتفتيش على هذه الأماكن، وضبط المخالفين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، بجانب تلقى الخط الساخن اتصالات المرضى وأسرهم بهدف تقديم خدمة العلاج والمشورة بالمجان، وفى سرية تامة.
وأضافت وزيرة التضامن أنه تم تخصيص مبلغ 250 مليون جنيه لتنفيذ الخطة القومية لمكافحة تعاطى المخدرات بمشاركة 11 وزارة، إضافة إلى إجراء التحاليل الطبية للسائقين داخل مقر المدارس، وعلى الطرق السريعة، للتأكد من عدم تعاطيهم المواد المخدرة، وتفعيلًا لقرار مجلس الوزراء بتشكيل لجنة للحد من حوادث الطرق الناجمة عن تعاطى المواد المخدرة، خاصة حافلات نقل طلاب المدارس، وذلك للعام الثانى على التوالى.
أخطر اعترافات المتعافين من الإدمان ..«اليوم السابع» تسجل شهادات مذهلة للمدمنين السابقين .. «أحمد»: «حمامات الجامعة أفضل أماكن لشم الهيروين».. والطلاب يبيعون «البودرة» داخل الحرم الجامعى
السبت، 24 أكتوبر 2015 10:21 ص
الإدمان
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
متفائل
لماذا الانتظار الا تكفيكم هذه المعلومات التى ذكرت بالمقال
عدد الردود 0
بواسطة:
ا
انشاء هيئة قومية او مجلس قومى لمكافحة وعلاج الادمان بديل لصنوق مكافحة الادمان