ولم تسلم باقى الأحزاب من صافرة الحكم، حيث تلقى مرماها هدفين قاتلين جاء بمثابة الصفعة الكبرى كما هو الحال فى حزبى "الوفد" و"النور"، حيث الاستعداد الضعيف قبل المباراة والخلافات والسباب المتبادلة بين بعض قيادات الهيئة العليا للحزب والبعض الآخر، لتعلن العليا للانتخابات عن صافرة نهاية المرحلة الأولى بفوزين مدويين لمستقبل وطن والمصريين الأحرار وهزيمتين مستحقتين للوفد والنور السلفى.
أولا حزب الوفد:
مما لا شك فيه أن السيد البدوى رئس حزب الوفد حاول خلال الفترة الماضية أن يلم شتات أعضائه المتناحرين داخل الهيئة العليا، إلا أن المصالحة بينهم أصبحت صعبة المنال، والتى انقسمت إلى فرق متصارعة لا مجموعة واحدة، وهو ما ألقى بظلاله على مرشحى حزب الوفد فى البرلمان فهذا الحزب منذ بداية العام الحالى لم نسمع عنه إلا الفرقة بين تيار الإصلاح الذى يقوده فؤاد بدراوى وتيار الوفد الذى يقوده محمد عبد العليم داود ليؤكد سكرتير عام الوفد السابق والمرشح الخاسر فى انتخابات رئاسة الحزب أنه الأجدر بتولى المسئولية وينضم لمؤيدى أباظة ليصبح أعداء الأمس "عصام شيحة وفؤاد بدراوى" هما أصدقاء اليوم.
وبدأ الطرفان جولات وصولات ميدانية على أرض حزب الوفد وانقسم الحزب إلى فريقين أحدهما مؤيد للحزب وآخر طامح فى إفشاله وخرج الطرفان فى كل وسائل الإعلام لينشرا غسيلهما أمام الرأى العام كله ويتبادلا الشتائم على شاشات التلفاز وفى صدر صفحات الجرائد ثم مؤتمرات صحفية ودعوات لكل المعارضين للسيد البدوى من ناحية، ونظيراتها من داخل الوفد بقيادة عبد العليم داود الرافض رفضا باتا لأى مصالحة مع الطرف الآخر.
وحاول البدوى أن يثنى الطرفان وتدخل المستشار بهاء أبو شقة سكرتير عام الحزب الحالى لينقذ الموقف ويجمع بين الطرفين إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وهنا لم تسلم الدولة من الوفد، وعلى الفور اتهم بعض قيادات الحزب مؤسسة الرئاسة تارة بأنها تتدخل فى شئون الحزب وتارة أخرى أجهزة الأمن، والحقيقة أن الطرفان لم يكن لهما دورا فى هذا الموقف على الإطلاق بل إن الوفديين أنفسهم من قيادات بيت الأمة هما الطرف الأصيل فى الصراع الدائرة لتتحول المعركة إلى سؤال غريب وعجيب ترى من يكون القاتل ومن يصبح مقتولا؟ هل ينتصر السيد البدوى داخل الوفد أم ينتصر محمود أباظة ويعود أنصاره مرة أخرى لأروقة الحزب العريق.
ورغم الاتهامات الموجهة للرئاسة وأجهزة الدولة، وجدنا تدخلا هادئا من الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى طلب من أعوانه داخل المؤسسة أن يتصلا بالسيد البدوى وبهاء أبو شقة من ناحية وبفؤاد بدراوى وعصام شيحة من ناحية أخرى ليجمع شمل الأعداء الاصدقاء وبالفعل اتفقا الطرفان على الصلح وسرعان ما مرت الأيام ونسى الاثنان توجيهات الرئيس لحل الأزمة واصلا من جديد معركة البقاء لينتصر القوى ويموت الضعيف.
للأسف لم ينتصر القوى..وللخجل لم يمت الضعيف..بل سقط الطرفان وسقط معهما الوفد، هذا الحزب العريق..هذا الحزب الذى ترفعون شعاراته ظاهرا، وتتمسكون بخلافته باطنا ويضمر كل طرف للآخر كل الشر ويعلن الاثنان امام الرأى العام، إن يريدا إلا إصلاحا ويؤكدون براءتهم وضميرهم الذى صحى فجأة ليصلح حزب سعد زغلول ومصطفى النحاس، ليؤكدوا أن برائتهم هذه،كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب أنه، وتمر الأيام ويخرج تيار الإصلاح من الوفد ليبدأ الحزب صراعا جديدا على مقدمته، من يحكم الوفد هل عبد العليم داود وطارق سباق من ناحية، أم حسام الخولى وأيمن عبد العال، أم لا هذا ولا ذاك ولكن فريق ثالث هو من يحكم.
للأسف الحقيقة واضحة فالكل عمل ضد الوفد والجميع يجب أن يعلن الحق ولو لنفسه او ضميره، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والحقيقة الواضحة أنكم جميعا من أفشلتم الوفد فى الانتخابات وليس الناخب الذى لم يصوت لكم عزفا عن خلافتكم، وليس الرئيس الذى حاول جمع شتاتكم فوافقتم خجلا وأظهرتم صفاء النية نفاقا وانطلقتم سرا فى عكس الاتجاه، وليس المال السياسى سببا رئيسيا فى هذا لأنكم غلابة، وليس الإعلام الذى تتهمونه ليل نهار عائقا فى وصولكم إلى عدد من المقاعد يليق بعراقة حزبكم فى البرلمان.
وحقيقة الامر أن البدوى بالفعل بذل جهودا مضنية لإنهاء الخلاف والوصول إلى عدد جيد من المقاعد، ورغم انه اعلن مرارا وتكرارا أنه لا يرغب فى كرسى الوفد ولم يعد يرد البقاء فى منصبه، ولم يعد يحتمل فراقكم وهجومكم الحاد عليه يوما وعلى بعضكم البعض يوما تلو الآخر، فالرجل ينفق من ماله الخاص داخل الحزب وكذلك فشل الحزب فى الوصول إلى عدد مرضى من المقاعد فى ظل وجوده فى مقدمة المدفع الذى نال شعبية ومقاعد يستحقها بالفعل ولا يستحق أكثر من ذلك بسبب الخلافات الداخلية بينكم وهو ما أعلنه أكثر من مرة خلال العام الحالى حيث تقدم باستقالته ورفضت وتم إثناؤه عنها أكثر من مرة كما أن أبو شقة رفض أن يكمل مكانه المسيرة قبل الانتخابات بأيام قليلة.
حزب النور السلفى يحرز صفر المونديال
أما حزب النور السلفى فانشغل بمعاركه ومصالحه الخاصة عن معركته الحقيقية وهى كيفية الوصول إلى عقل الناخب المصرى، واتخذ من الكذب طريقا وأصبح لديه أسلوب حياة فمثلا يقول أنه حزب مدنى خالص وليس له علاقة بالدين أو الإسلام، ثم يقدم برنامج حزبيا للجنة شئون الأحزاب مفاده الشريعة أولا وأخيرا، وربا المصريين مرفوض جملة وتفصيلا، ليتهم مصر والمصريين بالمضى قدما فى عكس تطبيق الإسلام، ويتهم الشعب بالربا فى معاملاته البنكية تارة ومعاملته الاقتصادية بين مواطن وغيره تارة أخرى.
وانشغل متحدثه الرسمى نادر بكار بالهجوم على الإخوان مرة، والهجوم على الاحزاب المدنية ألف مرة بل ذهب إلى أمريكا ويدير حملته الانتخابية منها، وانتظرنا أن يعلن برنامجا انتخابيا لنقيمه، فإذا به يتنصل تارة من علاقة حزبه بالإخوان، ويؤكد أنه لم يكن شريكا لهم فى ممارساتهم، وينفى حقيقة يراها الجميع رأى الأعين وهى تورط حزبه واعضائه فى معظم ممارسات الجماعة بداية من على ونيس وانور البلكيمى على الطريق الزراعى ومستشفى مصطفى محمود ونهاية بالهجوم على باقى الأحزاب كالوفد والمصريين الأحرار ومستقبل وطن وقائمة فى حب مصر.
ليخسر النور معركة البرلمان خسارة فادحة، ويثبت المصريين أن الضحك عليهم باسم الدين أمر مستحيل، ورغم محاولات عدة من كمجموعات شبابية وسياسية للضغط على الدولة لتقر عزله، قرر المصريون ان يعزلوه شعبيا ويلفظوه خارج البرلمان ليبقى وحيدا ذليلا يخطط لاعلان انسحابه من المعركة ويعقد الاجتماع تلو الآخر، ويبحث كيف يخرج من مأزقه فى المقابل تتكشف الحقائق وتلك الأيام نداولها بين الناس فبالأمس القريب كان النور فى أعلى المناصب بالدولة بل وبارك ترشيح الشاطر وبعد مرسى للرئاسة بل وعمل معه فى ذات المؤسسة وتولى أكبر مؤسسيه مناصب تنفيذية كبيرة فيها، سواء من خلال رئيسه الأول عماد عبد الغفور الذى عمل مساعدا للرئيس، أو من خلال رئيسه الثانى يونس مخيون الذى تحول لأقرب الأقربين لحزب الحرية والعدالة داخل البرلمان ونال ثانى أكبر المقاعد بعد الجماعة الإرهابية.
ويستمر النور فى الكذب من خلال حملات تشويه لعدد من رجال الاعمال بل وتحدوا نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الأحرار أن يطبقوا الشريعة عليه ويفعلوا معه كما فعل به الإخوان، وجندوا أنصارهم على الفيسبوك ليشتموه ويجهزوا صفحات خاصة به على مواقع التواصل الاجتماعى تدعو المصريين لعدم التصويت له فى الانتخابات، ثم هاجم رئيسهم يونس مخيون قائمة فى حب مصر وأكدوا أنها بلا شعبية وأن أعضائها لا ثقل لهم ليفوز الطرفان فى الفردى والقائمة ويلحقان بالنور هزيمة قاسية ويلقناه درسا لن ينساه أبدا.
ويخرج يونس مخيون علينا اليوم ليتهم القضاء المصرى بأنه السبب فى فشل النور فى المرحلة الأولى، وقبلها لبيوم واحد يخرج ياسر برهامى ويؤكد أن الرئيس هو السبب فى فشل الدعوة السلفية فى دعم النور، ثم يخرج قيادى ثالث بينهم ليتهم حملة لا للاحزاب الدينية بتشويه سمعتهم ثم يأتى رابع ليتهم المدنيين والاحزاب الأخرى بالحشد ضدهم ويخرج خامس ليتهم المصريين بالضعف وعدم الثقة فى كل المرشحين وبالتالى كانت المشاركة الضعيفة، ليخرج سادس ويؤكد أن الإعلام هو السبب، ويخرج سابع ليؤكد أن الخلافات الداخلية بين بعض قيادات الحزب والبعض الآخر هى السبب تارة وبين السلفيين والإخوان هى السبب تارة أخرى.
كل المبررات التى أعلنها حزب النور كسبب فى فشله فى الانتخابات لم تكن مقنعة، ولم تستبعد السبب الرئيسى فى ضعف الحزب وتردى عدد مؤيديه داخل الشارع المصرى، وهو انه يكذب بالفعل باسم الدين والدعوة السلفية هى من تحركه ولم ينعزل عنها، لينكشف الحزب السلفى امام الرأى العام وتنفضح عوراته ويتأكد للجميع أن نتائج برلمان قندهار فى 2011 لم تكن معبرة عن حقيقة المصريين، وينكشف تيار الإسلام السياسى للرأى العام المحلى والعالمى، وتظهر قوته الحقيقية التى لا تتعد الــ"5%" من جملة أصوات الناخبين.