
منذ أكثر من أربع سنوات وأنا أنادى بمشروع قومى لإعمار سيناء ثقافيًا، وليس سيناء فحسب، بل كل محافظات مصر التى سقطت سهوا من عقل الدولة حتى تطرف بعض أبنائها وصاروا كالخنجر المسموم فى ظهر مصر، منذ حكومة عصام شرف، وأنا أجدد الدعوة مع كل وزير ثقافة يتولى مهمة حماية ثقافة مصر وشعبها، وكان آخر هذه النداءات فى منذ أيام فى مقال بعنوان "للثقافة أنياب لم نستغلها فى محاربة الإرهاب"، وفيه ناشدت الكاتب الكبير حلمى النمنم، وزير الثقافة، بأن يسعى لعمل خطة طموحة لنشر الثقافة فى أطراف الدولة المصرية ليتمكن من المحافظة على كيان هذه الدولة ويقف فى وجه "غربان الإرهاب" فى كل مكان، لهذا كامن سعادتى غامرة حينما قرأت تقريرا عن مؤتمر أعده رجل الأعمال "حسن راتب" بعنوان "معا من أجل سيناء" وفيه أعلن عن عدة مشاريع ثقافية مزمع إقامتها فى سيناء لتنمية وعى أبنائها وغرس الهوية المصرية فى قلوب أطفالها.
قال رجل الأعمال "إن مواجهة الإرهاب والتطرف غير ممكنة إلا من خلال سلاح واحد هو الفنون والثقافة"، وليت الدولة ذات الأذرع الطويلة والإمكانيات المهولة تعى ما قاله "راتب" وتبدأ فى رعاية مشاريع مماثلة فى بقية المحافظات، أو تفعل مثلما فعل الفنان الواعى "محمد صبحى" الذى تحمس لكلام راتب وأعلن فى المؤتمر عن إنشاء مسرح فى سيناء ليقدم روائع الفن المصرى إلى أبناء هذه المحافظة الغالية فيجد الوطن موطئ قدم فى قلوب غربها الإهمال عن جذورها.
لهذه الأسباب لا أخفى سعادتى بهذه الدعوة الناشئة، ولكنى أريد أن أنبه هنا إلى أن هذه المهمة ليست سهلة على الإطلاق، فمن المؤكد أن أعداء الحياة سيحاربون هذا التوجه، كما أن بعض أنصار الركود سيحاولون عرقلة مثل هذه المشاريع لا لشىء إلا لأنهم لا يعرفون معنى العمل ولا يقدرونها، كما أن طبيعة سيناء "شبه المنعزلة جغرافيا" والمنعزلة تماما "ثقافيا" ستزيد من صعوبة الأمر، فسيناء فى احتياج حقيقى "لاستصلاح ثقافى" يسبق غرس بذور العمل والعلم والمعرفة.
مطلوب أيضًا أن يراعى أى مشروع ثقافى يقام فى بيئة مماثلة لسيناء أن هذه المنطقة ذات ثقافة "خاصة" و"عريقة" فى آن، ولهذا من المهم هنا أن نحافظ على هذه الثقافة الإقليمية وأن نرعاها وندعمها، فليس مهمة صاحب المشروع الثقافى أن يقتلع شجرة ليغرس غيرها، وإنما من الواجب عليه أن يجعل الشجرة شجرتين والشجرتين "مزرعة" وهذا هو معنى الثقافة الحقيقي، وإذا أضفنا ما يتمتع به أبناء سيناء من اعتزاز قوى بثقافتهم الشعبية المتوارثة ستصبح مسألة الاهتمام بالثقافة العريقة لسيناء أمر حتمي، ولأن هذا المشروع ليس من أجل سيناء فحسب وإنما من أجل مصر كلها فيجب أيضا على كل من يفكر فى تنفيذه أن يجعل المشروع مشروعين: الأول ينقل الثقافة الوطنية الراسخة لأبناء المحافظات المنسية، والثانى أن ينقل ثقافة هذه المحافظات المنسية إلى الثقافة العامة، فتذهب الغربة عن أبناء الوطن الواحد.