رسالة الأزهر
فى بداية حديثه قال "شومان"، إن الأزهر الشريف يمتلك رسالة إنسانية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، تهدف إلى خدمة البشرية جمعاء.
بيت العائلة
وعن تجربة بيت العائلة، أكد وكيل الأزهر أنها تجربة مصرية فريدة، نفخر بها جميعاً، أطلقها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، حيث يجتمع علماء الأزهر والقساوسة لبحث المشكلات التى تطرأ على المجتمع والمساهمة بأفكار تخدم التعليم والثقافة فى مصر، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة.
ونشأت هذه الفكرة عقب الاعتداءات التى تمت على بعض الكنائس فى العالم، ونال مصر منها نصيب، وتم اتهام بعض المتشددين الإسلاميين بالوقوف خلف تلك الأحداث، فجاء الإعلان عن إنشاء بيت العائلة وسط ترحيب ودعم من الكنائس المصرية التى تدرك جيداً دور الأزهر .
وأضاف "شومان"، قام بيت العائلة بخطوات جادة فى دعم فكر التعايش والتعاون بين أبناء الشعب المصرى، وحقق نجاحات كبيرة على أرض الواقع، وتوسعت فروعه لتشمل 20 محافظة مصرية، وجارى استكمال باقى الفروع.
وأهم وأبرز ما قام به بيت العائلة هو الرفض التام لأى اعتداء على بيوت العبادة، بل المساهمة فى ترميم الكنائس المتضررة، وبدعم كامل من الأزهر.
علاقة الأديان بالعنف
وعن علاقة الأديان بالعنف، قال "شومان"، إن الأديان السماوية تقف جميعها صفاً واحداً فى مواجهة التطرف والإرهاب والعنف، لكن المشكلة الحقيقية التى نعانى منها هى فهم النصوص والتفرقة بين مصطلح العنف ورد العدوان أو الدفاع عن النفس ومعاقبة المعتدى، ففى جميع الأديان الدفاع عن النفس ورد العدوان أمر مشروع، لكن وفق ضوابط وشروط .
كما نجد أن بعض الناس يفهمون النصوص التى ذكر فيها القتال فى الاسلام على أنها نصوص تدعو للعنف، لكنها ليست كذلك، فجميع النصوص التى وردت فى القرآن الكريم جاءت فى إطار رد العدوان والدفاع عن النفس، وهذا حق مقرر فى كل الشرائع والقوانين، فالأديان كلها تدعو لتجنب العنف ودعم السلام بين البشر جميعاً .
الأزهر والجماعات المتشددة
وعن موقف الأزهر من الجماعات المتشددة، أكد "شومان" أن الأزهر الشريف يحرص دائماً على قطع الصلة بين الفهم الصحيح للإسلام والجماعات التى تتبنى العنف والإرهاب منهجاً، ونبين للجميع أن أفعال هؤلاء لا علاقة لها بالدين الصحيح وإنما ترجع لأهداف سياسية.
وإذا أراد المجتمع الدولى التصدى لتلك الجماعات فيجب أن يتم التعامل بشفافية ووضوح والتوقف عن نسبة أفعالها للأديان، ويجب أن تعلم الدول التى تساند تلك الجماعات وتدعمها أنها ليست بمأمن من خطرها، لذا يجب التوقف عن دعمها والتغطية على أفعالها والتصدى الحقيقى لجرائمها.
والأزهر منذ فترة طويلة أعلن تصديه لكافة الأفكار التى تروجها تلك الجماعات خاصة تنظيم داعش الإرهابى، وعقد مؤتمرا عالميا فى ديسمبر 2014 شارك فيه ممثلون من مختلف الأديان والطوائف، واتفقوا جميعا على تبرئة الأديان من الإرهاب وقطع الصلة بين أفعال تلك الجماعات وبين الأديان السماوية جميعا، وطالبوا المجتمع الدولى بالتصدى لهذه الجماعات وفتح حوار بين الشرق والغرب والشمال والجنوب لنشر قيم التعايش السلمى بين الجميع .
كما أنشأنا بالأزهر الشريف مرصدا يعمل ليل نهار على متابعة الأفكار التى تروجها تلك الجماعات ويقوم بالرد عليها بعدة لغات.
كما أرسل الأزهر الشريف قوافل السلام بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين لنشر الفكر الوسطى الصحيح، ولقيت نجاحا كبيرا يؤكد دور الأزهر الشريف وقدرته على مواجهة أفكار العنف والتشدد، كما أننا على استعداد لإرسال دعاة لجميع دول العالم.
وننظر فى الأزهر لبعض تلك الجماعات على أنها جنحت لاستخدام العنف من أجل أهداف سياسية، أما داعش فقد صنعت من قبل أجهزة لا نعلمها ولكننا متأكدون أنها تضمر العداء للمنطقة، وخير دليل على ذلك احتلال مدينة تدمر السورية التى تقع فى قلب الصحراء، فكيف تحركت أساطيل سيارات داعش دون أن تراها الأقمار الصناعية التى تراقب المنطقة ليل نهار؟! وكيف وصلت داعش لهذا التطور الخطير تكنولوجيا ؟! ومن أين تأتى بالأموال والملابس والساعات الفاخرة والسلاح النوعى المتقدم ؟!
أما عن النصوص التى تستخدمها داعش فى الحرق والقتل فهى نصوص إما مدسوسة ولا علاقة للشريعة الإسلامية بها، وإما أنهم يؤولونها وفقا لأهوائهم.
معالجة خاطئة
هناك معالجة خاطئة من كثير من الدول ومن بينها فرنسا فى مواجهة أفكار المتشددين تكمن فى إفساحها المجال لأصحاب الخطاب المتشدد للتصدى للدعوة، وعدم الاستعانة بالمؤهلين الحقيقيين على توجيه الخطاب الصحيح وهم علماء الأزهر، فكم داعية أزهريا فى فرنسا مقارنة بعشرات وربما مئات من المتشددين الذين يتصدون للخطاب الدعوى فى أوروبا؟ فلن يتوقف العنف مادامت هذه الأفكار موجودة، وخير دليل على ذلك أن التحالف الذى شكل لمواجهة تنظيم داعش لم يصل إلى النتائج المرجوة من القضاء على هذا التنظيم بل وجدناه يزداد قوة، بل تناقلت بعض وسائل الإعلام أخبارا تؤكد أن هجمات التحالف زودت داعش بالسلاح !
الآيات المكية والمدنية
وحول ادعاء وجود نصوص فى القرآن الكريم مدنية وأخرى مكية بينهما تناقض، قال وكيل الأزهر إن القرآن الكريم كل لا يتجزأ، ولكن الآيات التى نزلت فى العهد المكى نزلت لظروف تحيط بالدعوة، حيث كانت تحث الرسول عليه الصلاة السلام والصحابة على الصبر وتحمل المشاق والأذى، ولم يكن مسموحا لهم برد العدوان فتحملوا أشد أنواع الإيذاء.
أما الآيات المدنية فنزلت فى وضع مختلف، وتم فيها السماح للرسول عليه الصلاة السلام والصحابة برد العدوان وليس البدء به، فالتشريع المدنى والمكى مكملان لبعضهما ولا يوجد بينهما تناقض.
التعامل مع غير المسلمين
وفى رد على سؤال لرئيس الحزب المسيحى الفرنسى، هل ترى أننى كمسيحى كافر تستحل قتلى وأخذ مالى؟
قال وكيل الأزهر، لا تجيز شريعتنا قتلك ولا أخذ مالك، بل تراك وغيرك من المسيحيين واليهود وغيرهم غير المعادين للمسلمين، بمعنى أنهم ليسوا فى حالة حرب، وأن دماءكم وأموالكم حرام كدماء وأموال المسلمين، وأن المعتدى عليكم كالمعتدى على المسلم يعاقب بنفس العقوبة المقررة فى حال اعتدائه على دم أو مال مسلم، ويكفى أن أخبرك بحديث واحد عن رسولنا يجيب عن سؤالك وهو قوله - صلى الله عليه وسلم- "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا"، والمعاهد هو غير المسلم الذى بينه وبين المسلمين أمان، وقد أمرنا رسولنا بحسن معاملة غير المسلمين وأوصانا كمصريين بأقباط مصر، ولعل فى التواصل والتعاون بين الأزهر والكنائس فى الداخل والخارج ردا عمليا على تساؤلك، ولدينا فى شريعتنا نظام كامل يحدد العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، لا أظن أن له وجودا أو مثيلا فى النظم الوضعية، وهو أسبق وأكثر منها تقدما ورقيا بمراحل كثيرة ولا أظنها قادرة على ملاحقته.
تطبيق الشريعة
وفى سؤال حول تطبيق الشريعة الإسلامية، أكد د. عباس شومان أن كثيراً من الناس يفهم تطبيق الشريعة فهماً خاطئاً، وأظنك تقصد تطبيق عقوبات الحدود، وفى الحقيقة الشريعة الإسلامية أعم وأشمل من ذلك بكثير، فهى نظام متكامل يشمل العبادات والمعاملات بين الناس، ويضبط سلوكيات البشر ليعيش الناس فى سلام وأمان، ومعظم ما يتعلق بالشريعة الإسلامية مطبق فى الدول الإسلامية فى العبادات والمعاملات وفى العقوبات يمكن أن تعتبر العقوبات المنصوص عليها فى القوانين الوضعية عقوبات تعزيرية وهى قسم من العقوبات فى الشريعة الإسلامية، وتبقى جرائم معدودة هى جرائم الحدود وهى التى يعنيها كثير من الناس حين يتحدثون عن تطبيق الشريعة الإسلامية وهو خطأ شائع فهى جزء من الشريعة وأحكامها قطعية لا تحتمل التبديل ولا التغير والسعى لتطبيقها واجب شرعى على ولاة الأمور دون غيرهم متى هيئت المجتمعات وأمكن إثبات الجرائم على مرتكبيها بشكل قاطع، ولكن لا يجوز تكفير المجتمعات ولا إسناد فسادها إلى عدم تطبيق هذا الجزء اليسير المهم من الشريعة، ففى ظل تطبيقه قد يفلت المجرم بجريمته من العقاب الدنيوى إذا لم تكتمل شروط معاقبته كعدم وجود الشهود أو الاعتراف على نفسه أو وجود شبهة تخل باكتمال أركان الجريمة، لذا كان سيدنا عمر، رضى الله عنه، لا يقطع آخذ مال غيره فى عام الرمادة لتمكن شبهة الاحتياج الشديد فى أخذ المال، والأصل فى العقوبات الردع عن المخالفة والردع لا يقتصر عليها بل معرفة الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز يجب أن يكون هو الأردع، لأن مرتكب الجريمة إن أفلت من العقاب الدنيوى فلن يفلت من العقاب الأخروى وهو أشد إيلاما.
الدين والسياسة
وعن علاقة الدين بالسياسة قال وكيل الأزهر، إن الدين جاء لتحقيق مصالح الناس وهو مجموعة من القيم والأخلاق والسلوكيات التى يجب على الناس تطبيقها والالتزام بها، وإذا فهم الدين فهما صحيحا فلا تعارض بينه وبين السياسة التى وضعت أيضا لتحقيق مصالح الناس، والأزهر الشريف يرفض إقحام الدين فى السياسة بشكلها المعاصر فالدين لا ينفك عن المعايير الخلقية والسياسة فى زماننا تتبع المصالح التى لا تراعى الضوابط الأخلاقية فى كثير من الأحيان، كما أن كثيرا من السياسات من الأمور الدنيوية التى تتغير وتتبدل كثيرا ومنها جوانب لا علاقة له بالدين أصلا، وقال رسولنا، صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بأمور الدنيا والخبرة، "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، فكل ما تتفتق عنه قرائح الساسة إن وافق مقاصد الشرع فلا تعارض بينه وبين الدين، وإن لم يجر على قواعد الدين وأصوله فلا علاقة للدين به، فليس فى شرعنا قوالب جامدة تلزم الساسة بتطبيقها تطبيقا حرفيا بل مجموعة من القيم والمبادئ الهادية يمكن للساسة الاستفادة منها فى كثير من أمور السياسة،والأزهر مؤسسة تنأى بنفسها عن السياسة ولايعترف بمسمى الدولة الدينية.
المساواة بين الرجل والمرأة
المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة هى التى جاءت فى الشريعة الإسلامية، فقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقا وكفل لها حرية تامة واستقلالية فى ذمتها المالية واختيار زوجها وجعل لها حقا فى الميراث، بل جعلها فى كنف الرجل يرعاها طفلة وزوجة وأما، أى من ولادتها إلى أن تموت، والمرأة فى الإسلام لا تقل شأنا عن الرجل، وكثير مما يراه الغرب من التسوية بين الرجل والمرأة ليس كذلك، فالمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث الذى ينادى به هو عين الإجحاف، حيث إن الرجل هو الذى يتحمل التبعات المالية ويتولى مسؤولية المرأة كاملة، والتسوية فى النفقة على زوجتين لرجل مثلا إحداهما تقيم فى المدينة والأخرى فى الريف هو الظلم بعينه للتى تقيم فى المدينة لكثرة نفاقتها عن الريفية، والتسوية بين ابن فى مراحل التعليم الابتدائى وابنة فى الجامعة هو عين الظلم للجامعية، والتفريق بين الرجل والمرأة فى بعض بلاد الغرب فى الراتب الشهرى فيه إجحاف بالمرأة لأن الأجر فى مقابل العمل ولا يتفاوت بين الذكر والأنثى، لذا فإن التسوية الحقيقية والعادلة بين الرجل والمرأة هو ما جاءت به شريعتنا وليس ما يدعيه كثير من الناس فى زماننا.
وفى ختام اللقاء قال نائب رئيس لجنة القانون فى المجلس الوطنى الفرنسى ورئيس الحزب المسيحى الديمقراطى، إنه كبرلمانى فرنسى لا يمكن أن يوجه النقد للبرلمان خارج بلاده، لكنه ليس سعيدا بالطريقة التى تتعامل بها الحكومة الفرنسية مع تنظيم داعش، وهناك قرارات كثيرة لم تتخذ لوقف تمدد داعش، ومنها فتح التحقيق فى قضية شراء البترول من داعش، وشكر وكيل الأزهر لتوضيحه لكثير من الأمور التى تخفى عليه وعلى زملائه فى البرلمان الفرنسى وتمنى أن يراه وغيره من علماء الأزهر فى باريس لتوضيح هذه الأمور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة