عشت الساعات التى سبقت الصمت الانتخابى، فى رحاب «معبد حتشبسوت» وبين أهلى من ورثة الحضارة المصرية العظيمة.. استمتعت بما سمعته منهم ورأيتهم عليه.. فالذين يحرسون «وادى الملكات» يعرفون معنى وقيمة الوطن.. يتحدثون عن تجاهلهم لسنوات طوال، بابتسامة الواثق فى تاريخ بلاده.. يعربون عن أملهم فى المستقبل، بثقة قاطعة كأنهم يلمسون الحقيقة.. يحتشدون فى المؤتمرات السياسية بالآلاف.. يجيدون الاستماع، ويبدعون إذا تحدثوا.. وكم أذهلنى أن المرأة فى أقصى جنوب الوادى، تحرص على المشاركة السياسية حضورا وكلاما بصورة تجعلنى أنحنى لهم احتراما وتقديرا واعتذارا على سوء فهمى لهم.. فضلا عن جرأتنا فى التحدث عن أحوالهم بجهل نشيط!!
ذهبت إلى الأقصر بدعوة من العمدة «محمد محمود ياسين» وهو شاب لم يدخل منطقة الأربعينيات من عمره.. رأيته وتابعته «عجوزا» فى آدائه وتحركاته.. بل فى صمته وكلامه.. أعجبنى أنه استطاع جمع الشباب قبل الكبار- بحكم السن - حوله.. ورأيت عددا قليلا من السائحين يعيشون هناك، كما لو كانوا من أهل الدار.. أدهشنى أن الانتهازيين يطاردون الذين يحرصون على مشاركتنا الأزمة.. حكى لى الحاج «سيد فراج» عن عشرات الأطباء، من أوروبا، يحرصون على زيارة «الأقصر» لتقديم خدمة العلاج المجانى، بإجراء جراحات القلب المفتوح.. لكن طبيبة مصرية - بحكم الجنسية - يعاونها آخرون، تطاردهم وتطردهم.. وتمنع رحمة الله عن المرضى الفقراء.. لكنهم يقاومون ويذهبون لإجراء الجراحات فى مستشفى «قنا» و«أسوان»!!
سمعت «العزب البحيرى» العالم والمثقف الهادئ والواثق فى علمه وأهله بطاقة أمل مذهلة.. حدثنى عن مئات الأطفال المبدعين فى مدارس الصعيد، الذين يتألقون ويجتهدون دون اكتراث بضيق ذات اليد، ولا بتعامل الإعلام معهم كأنهم أرقام يكفى ذكرها!!
أسعدنى الشاب «رامى» الذى يتحدث عن العلاقة بين المسلم والمسيحى بوقائع وكلمات لا ينقلها الإعلام.. وأذهلنى الطفل العجوز «حسن» الذى يجيد قراءة الشعر، ويجرؤ على الاعتراف بأن ما سيتلوه فيه تصرف من جانبه يغير المعنى والمبنى!! فكانت الرحلة إضافة - أو تجديدا - لما أدعى أننى أملكه من تفاؤل، لاعتقادى فى أن مصر المقبلة لن يعرفها «جنرالات الثقافة» الذين أدمنوا «عصر الليمون»!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة