عندما يندمج الفنان ويتقمص الدور، تجده لا يبالى بأى شىء حوله، فهو يعيش الحالة بكل ما لديه من مشاعر وأحاسيس وينسى الزمان والمكان ويدخل فى حالة تماهٍ مع الشخصية والمشهد الذى يجسده، هكذا كان حال فنانى الزمن الجميل، الذى كان التمثيل بالنسبة لهم حالة لا تنفصل عن الواقع وليس "تقضية واجب" فقط، وهناك فنانون عمالقة عرفوا باندماجهم فى الشخصية وأثناء التصوير، ونتج عن هذا الاندماج ضحايا، وليس كما يتخيل البعض أن الاندماج فى القبلات، لكن فى مشاهد الضرب أيضا.
ويعتبر الفنان القدير الراحل زكى رستم الذى لقب بـ"رائد مدرسة الاندماج" من أكثر فنانى الزمن الجميل الذى كانت تخشى الفنانات الوقوف أمامه، وذلك بعدما تلقت الفنانة صباح صفعة قوية على وجهها أثناء تصوير فيلم "هذا جناه أبى" إنتاج عام 1945، من قبل زكى رستم، والسبب فى هذه الصفعة كانت سخرية صباح من زكى رستم أثناء أدائه لمشهد من مشاهد الفيلم، وضحكت ضحكة استهزاء وسخرية، ما كان من زكى رستم إلا أن أكمل حالة الاندماج وصفعها على وجهها صفعة قوية صدمت فريق العمل، وبعد ذلك ذهب زكى رستم إلى غرفة الشحرورة لكى يعتذر عما بدر منه، وهى أيضًا اعتذرت له، لأنها ضحكت عليه وهو مندمج فى أحد المشاهد أمامها.
وهذه الواقعة جعلت المقربين من الفنانة مديحة يسرى يحذرونها من التمثيل مع زكى رستم، وذلك أثناء تصوير فيلم "أولادى" وهذا ما فعلته مديحة ولكن بطريقتها حيث تضمن الفيلم مشهدا تقوم فيه مديحة التى جسدت دور زوجة زكى رستم فى الفيلم بضربه على رأسه بحديدة، واندمجت مديحة وضربته بقوة وأصيب زكى رستم وسالت دماؤه وأوقف المخرج التصوير لإسعاف "رائد مدرسة الاندماج" زكى رستم.
وفى نوع آخر من الاندماج كانت "نار الغيرة" سببا فيها عندما أراد المخرج عاطف سالم الذى كان يعمل مساعدا للمخرج يوسف شاهين فى فيلم "صراع فى الميناء" أن يحصل على مشهد حقيقى ولم يجد سوى الإيقاع بين الصديقين عمر الشريف وأحمد رمزى قبل تصوير المشهد الذى يقوم عمر بضرب أحمد، حيث كان وقتها عمر الشريف متزوجا من فاتن حمامة التى شاركتهما البطولة وذهب عاطف سالم وقال لعمر إنه يشعر أن أحمد رمزى يحب فاتن وشاهده يغازلها وهو ما أشعل النار فى قلب عمر الشريف وثار قبل تصوير المشهد، وبعدما دارت كاميرات المخرج وقال "أكشن" انهال عمر الشريف بقوة على أحمد رمزى وضربه بقوة وأخذ أحمد رمزى يتراجع تجاه مياه الميناء ولم توقف الكاميرات رغم صراخ واستغاثة رمزى، واندهش الجميع من هذا التصرف، خاصة أن عمر الشريف أخذ فاتن حمامة وترك موقع التصوير فور أن قال يوسف شاهين "ستوب"، وحاول أحمد رمزى معرفة الأسباب التى جعلت عمر الشريف يتصرف معه بهذه القسوة والوحشية ولكن لم يعرف، إلى أن اعترف لهما عاطف سالم بالحيلة التى فعلها معهما.
أما الفنان الراحل محمود المليجى، أطيب شرير فى السينما المصرية، فتحول مشهد نومه فى فيلم "أيوب" إلى حقيقة، حيث تقول إحدى الروايات عن المقربين منه أنه كان يجلس مع عمر الشريف فى كواليس تصوير فيلم "أيوب"، لمراجعة أحد المشاهد التى يقول فيها: "يا أخى الحياة دى غريبة جدا.. الواحد ينام ويصحى، وينام ويصحى، وينام ويشخر"، ثم مال جانبا وأغمض عينيه وهو يجسد دور النائم وبالغ فى "تشخيره" إلى حد أضحك كل الموجودين، مما دفع عمر الشريف ليقول له"إيه يا محمود.. خلاص"، ليتفاجأ الحضور بوفاة محمود المليجى إثر أزمة قلبية مفاجئة لتتحقق أمنيته التى كثيرا ما أعلن عنها وسط زملائه ومحبيه بأن "يموت وهو بيمثّل"، من فرط حبه للتمثيل.
وأثناء تصوير فيلم "أيامنا الحلوة" عام 1955، بطولة فاتن حمامة وأحمد رمزى وعمر الشريف وعبد الحليم حافظ، ضرب الفنان أحمد رمزى بقوة العندليب عبد الحليم حافظ أثناء تصوير مشهد "الملاكمة"، إلا أنه كان مندمجا وسددها بقوة، ولم يتوقف إلا بعد أن صاح فيه المخرج حلمى حليم بأن يتوقف عن الضرب، وبعد أكثر من عام وأثناء تصوير فيلم "بنات اليوم"، إخراج هنرى بركات، كان هناك مشهد يضرب فيه رمزى عبد الحليم حافظ بقوة، وحذره عبد الحليم من أن يندمج ويفعل مثلما فعل من قبل، ولكن أثناء التصوير سدد رمزى ضربات هادئة، لكن جاءت عبد الحليم نوبة ضحك استفزت رمزى، فقام بضربه ضربة قوية.. وهنا انطلق عبد الحليم حافظ وسدد عدة ضربات متتالية خارج سياق الفيلم، فسالت الدماء من أنف أحمد رمزى.