يارا شامل تكتب: نحن من نختار أيهما سنجنى؟!

الإثنين، 12 أكتوبر 2015 10:00 م
يارا شامل تكتب: نحن من نختار أيهما سنجنى؟! ورقه وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما كنا نشاهد مسرحية "مدرسة المشاغبين" قبل عقود من الآن ونضحك معها، كانت مجرد مادة للضحك والفكاهة، ففى حضرة وجود نجوم للضحك من كبار ممثلى الكوميديا فى مصر، لا نملك سوى أن نضحك ونتفاعل معهم.

وكان ما يحدث فى فصول المسرحية من أحداث تروى أساليب الشغب من جانب الطلبة فى إطار الأحداث، ما هو إلا سلوك افتراضى يوجد فى أحداث قصة مسرحية، ولا يمت للواقع بصلة، وحتى أن لم يكن كذلك وأن هناك صلة تربط الأحداث بالواقع، فهذا الواقع أن كان محققا حينذاك، فأنه بنسبة ضئيلة إلى حد كبير، وذلك لوجود العديد من القيم الأخلاقية التى كانت تحيط بالمجتمع، فكان احترام المدرسة والمعلمين من أساسيات التربية التى تحرص كل أسرة على نشأة أبناءها عليها.

ولكن على الجانب الآخر، حينما نشاهد نفس العمل الفنى فى أيامنا هذه، نشعر وكأنه صورة شبه مطابقة للواقع الذى نعيشه والتى للآسف أصبحت تحدث بشكل متكرر يثير المخاوف والقلق هذه الأيام، فكم من مرة نسمع عن طلاب يتعاطون المواد المخدرة بداخل الفصول المدرسية، وكم من مرة نسمع عن حوادث التحرش من قبل طلاب تجاه معلماتهم، هذا إلى جانب انحدار المستوى الدراسى والتعدى بالسب أو الضرب أو كلاهما معا بين الطلاب وبعضهم البعض، ويمكن فى كثير من الأوقات بين الطلاب والمعلمين، فحدث ولا حرج.

هذا وبالإضافة إلى وجود منظومة تعليمية تحتاج إلى إعادة هيكلة من الأصل لتحقق الهدف الأساسى من التعليم ألا وهو التعليم حقا وليس التلقين.

ترى ما هو سبب الانحدار الاخلاقى الذى وصل إلى أقصى مستوى فى كثير من المدارس؟
ما الذى حدث جعل الأمر يتفاقم إلى هذا الحد؟

هل الإهمال ؟؟.. سوء التربية ؟؟...ام هناك أسباب اخرى مشاركة فى تلك النتيجة المحزنة ؟؟؟!!!
كلها أسئلة كانت تصول وتجول فى ذهنى وخاطرى بل قاربت إلى العصف الذهنى باحثة عن إجابة لهذه الاسئلة الناجمة عن هذه الآفة المجتمعية التى تفشت بل استفحلت بشكل مخيف.

دعونا نتساءل اولاً ما الفرق بين جيل كجيل أنور السادات وعبد الناصر، أجيال الحرب والسلام، واجيال مثل التى نسمع عنها فى حوادث كالمذكورة فى السابق.
ولا أقصد هنا الفارق العمرى، ولكن دائما ما اتساءل ما الذى يجعل من هؤلاء قادة وزعماء ورجال عسكريين، ويجعل من هؤلاء بلطجية ومتحرشين، أشعر حين أعقد تلك المقارنة وكأننى أقارن نجمة فى السماء بحجر على الأرض.. نعم أعلم الفارق كبير بين الجيلين.

ولكن.....أليس هؤلاء هم أبناء نفس الوطن، ألم يعيش هذان الجيلين تحت نفس السماء، فالإجابة نعم !، ولكن ما ستكون إجابته لا، او ما سيكون إجابتنا تختلف فيه هو ما سيبرز سر الاختلاف الشاهق بين الجيلين والذى يتمثل فى العديد من النقاط أو الاسباب ألا وهى:
1) القدوة:
تعد القدوة من أهم العوامل التى تلعب دوراً هاماً وبارزاً فى تربية النشء، فالطفل بطبعة يحاول تقليد سلوكيات الكبار خاصة فى مرحلة الطفولة وهو لا يزال فى طور استكشاف العالم الخارجى من حوله أو فى طور المراهقة، والتى يختار فيها المراهق لنفسه قدوة تعجبه ليقتدى بها، وهنا يبدأ التقليد الأعمى.
و نتيجة لقلة الخبرات أو انعدامها بالفعل لا يستطيع المراهق او الطفل التمييز الكامل بين الصحيح والخاطئ، وهنا يكمن الخطر.

ولكن عندما يظهر فى الآفق قدوة حسنة من شخصيات بارزة فى المجتمع وأدباء ورجال دين وسياسة ذو سيرة حسنة لجيل فى مرحلة التكوين، ونقد ومحاربة النماذج الفاسدة ومهاجمتها، فمن الطبيعى إفراز جيل صالح ذو خلق يعى ويفهم الفارق بين الحق والباطل، ألا وهو جيل كجيل عبد الناصر والسادات.

اما فى حال اضطراب الآفق واختلاط المفاهيم وغياب القدوة الحسنة الصالحة، أو على الاقل ضعف ظهورها، وظهور عناصر لا تصلح بأى حال من الأحوال أن تصبح قدوة للشباب والنشء، ولكن يتربى النشء ويعتاد على وجودها، فلا غرابة فيما نراه فى أولادنا اليوم، ولا لوم عليهم.

2) التربية والتنشئة الأسرية:
فى ظل عدم استقرار الاوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة، ينشغل أعمدة الأسرة وهما الأبوان عن تربية أولادهم ومتابعتهم بالشكل المطلوب سعياً وراء الرزق وطلب العمل، دون الشعور بمسئولية تربية وتنشاة جيل نستطيع أن نفخر به لا أن نتنصل منه. فالبعض يترك هذه المسئولية تقصيراً، والبعض يتركها إهمالاً دون الشعور بأهميتها وعواقبها، وهؤلاء فى رأى هم من يحتاجون إلى إعادة تأهيل فى بادئ الأمر قيل أن يتولوا تربية نشء،حيث نجد الكثير من الآباء والأمهات يتفاخرون بأولادهم حينما يقومون بأفعال أو يتلفظون بألفاظ غير لائقة بل ويشجعونهم بدلا من تقويمهم، متباهيين بذلك، متناسيين، ضاربين عرض الحائط بالكثير من القيم والأسس الدينية والأخلاقية التى ترفض ذلك وتحرمه.

على عكس نوع آخر من الآباء والأمهات الذين لا يشغلهم شاغل عن تربية أولادهم التربية الصحيحة، ودائما فى حال من الاهتمام المستمر بتقديم جيل ذو خلق ودين للمجتمع، ينفع نفسه وغيره، وينفع وطنه.
3) الدور الإعلامى:

كلنا يعرف أن الإعلام هو مرآة لوعى وثقافة الشعوب، فحينما يرتقى الإعلام بدوره ويقدم الأعمال الهادفة التى تعتمد على الأخلاق والقيم، فالناتج الطبيعى يكون أفراد بل جيلا كاملا على درجة كبيرة من الوعى والثقافة والخلق ايضاً.

فالإعلام بوجه عام يساهم فى بناء وترسيخ الكثير من المفاهيم والعادات والسلوكيات صحيحة كانت أم خاطئة، فحينما يرتقى دوره ارتقى ما يقدمه وما يرسخه، وحينما يتدنى دوره يتدنى ما يحاول ترسيخه وتقديمه.

و لعل أبرز دليل على ذلك ما قدم فى الفترات الأخيرة فى دور العرض السينمائى من بعض أفلام لا تمت للقيم بصلة قريبة كانت أو بعيدة، وليس لها أى مضمون او هدف سوى الربح المادى، دون مراعاة ما يتم تقديمه للجمهور من محتوى، أكان هادفا أم لا ؟، أيحمل رسالة أو قيمة تقدم أم أن المحتوى أجوف ؟، بالإضافة إلى عدم مراعاة تأثير ذلك المحتوى على السلوك العام أو الآداب العامة، هل سيكون تأثيرا إيجابياً أم سلبيا؟.
فلعلنا نلاحظ انتشار البرامج والأفلام التى تحث على العنف واستخدامه مما ينعكس بشكل مباشر على السلوكيات العامة وبصفة خاصة لدى الأطفال والمراهقين.

فالخليط الذى يجمع بين القيمة الفنية والقصة والحبكة الدرامية والرسالة والهدف الذى يتم تقديمه للجمهور، والذى هو سبب فى الأصل من وراء تقديم العمل الفنى، أصبح خليط للآسف الشديد منتهى الصلاحية فى كثير من الأعمال الفنية، إلا من رحم ربى. لذلك أنلوم انفسنا ام نلوم الجيل الذى نزرع به ونحيطه بكل تلك الآفات المجتمعية ؟؟!!.

فى حين أنه فى عصر سابق ليس ببعيد كان الإعلام يقدم كل ما هو مفيد وقيم من أعمال، ليتعلم منه الكبير قبل الصغير، بالإضافة إلى الاهتمام بتربية النشء ومحاولة ترسيخ السلوكيات والقيم والعادات الطيبة بهم من خلال برامج الأطفال التى كانت تبنى وتساهم فى تربية الطفل بجانب الآباء والأمهات، وهو ما أهدر هذه الأيام ولا يؤدى على الوجه المطلوب.


لذا وفى ظل كل ذلك، لا يمكننا أن نستشعر شيئاً غريباً حينما نرى نموذجا لطالب يحمل سلاح أبيض فى مدرسته وداخل الفصول، أو نرى طالب يتحرش بمعلمته، أو طالب يتعدى بالضرب على أستاذه أو زميله فى الدراسة، ولا نستشعر شيئاً غريبا حينما نجد الفارق بين الجيلين كما ذكرنا كالفارق بين نجمة فى السماء وحجر على الأرض.

لا يمكننا التساؤل عن الاسباب الآن، فكما يقولون أن عرف السبب بطل العجب، ولكن يمكننا بالفعل استشعار الحرج بل والخجل من أنفسنا لأننا ساهمنا بشكل أو بآخر فى هذه النتيجة طالما نقف مكتوفين الايدى ولا نتحرك لتغييرها، والتى أقل ما يقال عنها أنها عار أخلاقى بل وقنبلة ستنفجر بالفعل فى وجوهنا قريباً أن لم نحاول إبطالها، إن لم نحاول إنقاذ السفينة قبل الغرق، فالموقف هنا ليس مجرد طفل أو حتى مجموعة أطفال أو مراهقين تسوء أخلاقهم أو يسوء مستواهم الدراسى والعلمى فحسب، بل أن الخطر يكمن فى أكبر من ذلك بكثير، فالقضية تتمثل فى توابع ذلك الأمر.

فهذا الطفل أو المراهق الذى يسوء مستواه العلمى والاخلاقى، ماذا نتوقع منه غداً؟؟..ماذا نتوقع منه فى المستقبل أن يكون ؟؟؟!!!.

أيتوقع منه أن يكون مواطناً صالحا يفيد نفسه ووطنه؟؟، أيتوقع منه أن يكون شخصاً محل فخر لنفسه ولأهله ولوطنه إذا استمر الحال كذلك دون علاج ؟؟؟!! فالأبناء الذين هم ثروة ومستقبل كل امة كالحرث، لا نجنى منها إلا الذى زرعناه بها.

فإذا زرعنا بها خير وأخلاق وعلم وقيم ودين، جنينا منها مواطناً صالحأ محل فخر لنفسه ولوطنه، أما إذا زرعنا بها جهل وعشوائية وأخلاق سيئة وسلوكيات خاطئة جنينا مواطناً عار على نفسه وعلى وطنه، وخرج من أمثاله المجرمين والمرتشين واللصوص ورجال الفساد، فنحن من نختار أيهما سنجنى.. فترى أيهما سنجنى ؟!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة