
أعتقد أن الانتخابات البرلمانية المقبلة، ستكون نقطة فاصلة فى تاريخ مصر الديمقراطى والبرلمانى، وستُبلور نتائجها الصورة الكاملة لمدى استفادة واستيعاب الشعب المصرى من التغيرات التى تمخضت عن ثورتين قامتا على دماء وأكتاف أبنائه، لتثبيت دعائم الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة، وسيعبر كل صندوق بها عن مدى النضج السياسى والديمقراطى الذى وصل إليه الشعب المصرى.
ولأن البرلمان هو السلطة التشريعية التى بيدها تشريع وسن القوانين، التى تتأثر بها فئات المجتمع، كما أنه جهة المحاسبة والمساءلة للحكومة، وتقييم عملها فى تلبية مطالب الشعب والقضاء على مشكلاته، وتوفير الاحتياجات الخاصة بالمواطنين، نجد أن الدول المتقدمة، الناضجة سياسيًا، يكون فيها صندوق الانتخابات كاشفًا عن مدى الوعى الديمقراطى والوطنى للناخبين، حيث يدقق كل ناخب فى اختيار من يمثله فى المجلس التشريعى، ويحاول أن يدفع بالأصلح لمقعد البرلمان دون انحياز أعمى ودون وعى أو إدراك.
ونحن فى مصر، قام الشعب بثورتين بهرتا العالم أجمع، فليس أقل من أن يثبت للدنيا كلها أنه شعب ناضج ديمقراطيًا، وليس كما وصفه أحمد نظيف رئيس وزراء المخلوع حسنى مبارك ـ إبان توليه رئاسة الحكومة حينها، عندما قال فى مقابلة مع وكالة إخبارية أمريكية أن الشعب المصرى "غير ناضج ديمقراطيًا وسياسيًا"، ولذلك فيجب أن يفرز صندوق الانتخابات نوابًا جديرين بالثقة، وقادرين على القيام بأعباء وتبعات المقعد، وأمناء على مصالح الشعب ومستقبله وتطلعاته.
وعلينا أن نؤكد أننا استوعبنا الدرس، وتعلمنا من أخطائنا الماضية، ويكون اختيارنا لمن يمثلنا تحت قبة البرلمان خارج إطار الميول الدينية، والعصبيات القبلية، والمال السياسى، وأن يكون الصوت الانتخابى لمن يستحقه فعلاً.
فلن يخدعنا، ثمرة ثانية، من يتمسح فى عباءة الدين، ويستخدمه مطية لتحقيق مآربه، ويلعب على أوتار التدين المتأصل فى الشعب المصرى، كى يستدر عواطف الناخبين، ويستغل ميولهم الدينية للحصول على أصواتهم، وتحقيق هدفه فى الوصول إلى قبة البرلمان، فيكفينا ما حدث عندما انحزنا لمن يتمسحون بالدين، ويستغلونه لتحقيق أغراضهم فكانوا وبالاً عليه، وعلى مصر، وكدنا أن ننزلق فى بحر الفتن والتطرف والمهاترات، لولا رحمة الله التى حمت مصر من فتنة أودت بكثير من الدول المجاورة، فتركتها عرضة للتشرذم والانقسام.
ولن تنطلى علينا، مرة أخرى، أساليب من يستخدم الأموال فى تلميع نفسه، وشراء أصوات الناخبين، بالمال تارة وبنثر الوعود البراقة على الناخبين البسطاء، تارة أخرى، فمثل هؤلاء لا يهمهم سوى الوصول إلى قبة البرلمان، والتستر وراء الحصانة البرلمانية، ليتسنى لهم الحصول على استثناءات ومزايا وتسهيلات تقدر بمئات الملايين من قوت الشعب.
ولن نجرى وراء من يستغل حاجة البسطاء، ليشترى أصواتهم بزجاجات الزيت والسمن وعبوات السكر والشاى والأرز، ولن ندعم مرشحًا لمجرد أنه يمت لنا بصلة قرابة أو عصبية قبلية، أو تربطنا به مصاهرة أو مصلحة، فصوت المصرى، أغلى وأثمن من ذلك بكثير.
فنحن فى مصر أحوج ما نكون لنائب، يستطيع أن يعبر بوضوح عن نبض الشارع، يدرك تمامًا مشاكل ومطالب أبناء دائرته، يعمل جاهدًا على أن يجد الحلول المناسبة لها.
لا نريد نائبًا يجرى وراء وزراء الحكومة يستعطفهم، ويتوسل إليهم ليمنحوه توقيعات وتأشيرات لوظائف وتسهيلات واستثناءات له ولأفراد أسرته وأقاربه وأصدقائه، بل نريد نائبًا قويًا، يستطيع أن يحاسب الحكومة، ويكون ندًا لأى وزير، بل يكون قادرًا على إسقاط وزارة كاملة، نربد نائبًا للشعب، يعمل فقط لتحقيق مصالح الشعب.
فهل نتعشم أن تفرز لنا هذه الانتخابات المرتقبة نوابًا على قدر المسئولية، ليكونوا بالنسبة لنا العين التى ترى، والأذن التى تسمع، واللسان الذى يطالب ويحاسب، لكى نثبت للعالم بالفعل أننا وصلنا للنضج السياسى والديمقراطى.