الكشف عن الأثر
"اليوم السابع" كشف عن هذا الأثر المنسى وتبين أنه صدر قبل 4 شهور قرار رئيس مجلس الوزراء باعتبارها أثر وإنها بحاجة إلى ترميم وشق ممرات لها ووضعها على الخريطة السياحية، نظرا لوقوعها فى منطقة تعج بالمواقع الأثرية وآثار خط مياه النيل لسيناء فى عصور سابقة.
وحول أسباب إنشاء البرج فى هذا الموقع أوضح الدكتور سامى عبد المالك البياضى الباحث المتخصص فى قلاع سيناء، والذى أعد أبحاثا متخصصة عن هذا الأثر، انه مع البداية الفعلية لرسوخ جذور دولة المماليك بالقضاء على الخطر الخارجى ممثلاً فى التتار بموقعة عين جالوت، وبعض بقايا فلول الفرنجة بساحل بلاد الشام فى عهد قطز وخلفه بَيْبَرْسْ البُنْدُقْدَاريى ومن بعدهم الأشرف خليل بن قلاوون، ومن هنا بدأت استراتجية جديدة للدفاع عن صحراء سَيْنَاء وتحصينها خلال دولة المماليك بشطريها البحرى والجركسى تتناسب مع ما أدت إليه نتائج طرد الفرنج من بلاد الشام، حيث عادت وظيفة صحراء سَيْنَاء كاملة غير منقوصة كأقليم للمواصلات والاتصالات بطُرُقها العديدة بين مِصْر وبلاد الشام والحَرَمين الشريفين، فانصبت استراتجيتهم وتركزت فى تحصين الثغور الساحلية، حيث الموانئ البحرية ومراكز طُرُق التجارة العابرة البَرّية والبحرية التى أُعدت لخدمة التُجار والمسافرين بالقسم الشمالى من صحراء سَيْنَاء وثغورها البَرّية والبحرية، وهو بمثابة محور الأمن والدفاع ضد الأخطار الخارجية بشكل رئيس مع القيام بدور مكمل فى حفظ الأمن الداخلى، وتم تنفيذ هذه الاستراتيجية عن طريق تشييد سلسلة من الخَانات بعضها محصنة على طراز قلاع هذا العصر وبعضها منشآت تُجارية صرفة، كما تم بالإضافة للخَانات المحصنة تشييد أبراج دفاعية مُفردة التخطيط والمواقع، وقلاع منتظمة التخطيط المعمارى.
ومن أهم المنشآت المحصنة التى شيدها المماليك فى صحراء سَيْنَاء لأجل تنفيذ استراتجيتهم الدفاعية: الخَان المحصن بالعَرِيْش، وبُرْجان للسلطان بَرْسْبَاى فى أشتوم أم مِفْرج وبالطِيْنَة فى أقصى طرف الدلتا المِصْرية من الناحية الشمالية الشرقية، ثم أخيراً قَلْعة الطِيْنَة التى تمثل نضوج الفكر المعمارى التحصينى فى أواخر العصر المملوكى بمخططها الفريد والنادر الذى يتناسب مع تطُّور وسائل الدفاع والهجوم آنذاك.
تاريخ تشييد الأثر
وأضاف الدكتور سامى عبد المالك، ان هذا البرج شيد بأمر من السلطان بَرْسْبَاى فى سنة 828هـ/1425م لحماية ثغر الطِيْنَة من عبث الفرنجة، الذين كانوا يقومون بخطَّف الناسَ والتُجار المسافرين أثناء مُرُورِهم فى طريقهم من مِصْر إلى بلاد الشام عبر العَرِيْش، وذكر عمارتهما ابن شاهين الظاهرى ( ت 873هـ/1469م ) حيث قال: "قَطْيَا... لها مِينا، وهى الطِيْنَة على شط بحر المحيط، وعَمّر هناك الملك الأشرف تغمده الله برحمته بُرْجين، يَصبّ من هناك فرقة من بحر النيل تُعرف ببنى مُنْجَهّ".
وأشار سامى عبد المالك إلى ما ذكره المقريزى ( ت 845هـ/1441م ) باعتباره أقرب المؤرخين لعصر الانتهاء من عمارة أحد البُرْجين الذى أمر ببنائهما بَرْسْبَاى بالقرب من الطِيْنَة فى شهر ربيع الآخر سنة 828هـ/ يناير - فبراير عام 1425م، وقدم لنا وصفاً موجزاْ ومختصراً لكنه مفيد جداً، حيث حدد موقع هذا البُرْج، ووصف تخطيطه المعمارى ومقاساته، وعَدَد وعِدّة الحامية المكلفة بالمرابطة فيه، والخفراء بالمنطقة، والسبب الرئيس وراء عمرانه فى هذا الموضع، والأمير الذى أشرف على عمارته، ومصدر مادة البناء الرئيسة الآجر والمونة الرابطة المستخدمة وطريقة تحضيرها من أحجار خرائب حصن الفَرَمَا العباسى، فقال "كُملت عمارة بُرْج حربى بالقُرْب من الطِيْنَة على بَحْرِ المِلْح، فجاء مُرَبَّع الشكل مِساحة كل ربع منه ثلاثون ذراعاً، وشُحِن بالأسلحة، وأُقيم فيه خمسة وعشرون مقاتلاً، فيهم عشرة فرسان، وأُنْزِل حوله جماعةٌ من عَرَبِ الطِيْنَة، فانتفع الناس به، وذلك أن الفرنجة كانت تُقْبِل فى مراكبها نهاراً إلى بَرَّ الطِيْنَة، وتتخطَّف الناسَ من هناك فى مُرُورِهم من قَطْيَا إلى جهة العَرِيْش، وتوَلّى عمارة هذا البُرْج الأمير زَّيْن الدين عبدالقادر ابن الأمير فخر الدين عبدالغنى بن أبى الفرَج، وأخذ الآجُر والحَجَر الذى بناه به من خراب مَدِيِنَة الفَرَمَا، وأحرق الجيرَ مما أخذه من الفَرَمَا".
عبث الفرنجة
وتابع الدكتور سامى عبد المالك البياضى فى وصفة لهذا الاثر، قائلا "منذ أن تم تشييد بُرْجا بَرْسْبَاى بالطِيْنَة ولمدة سبع وعشرون سنة، وهما يُؤديان وظيفتهما فى حفظ ثغر ومِيناء الطِيْنَة وضواحيها من عبث الفرنج، ثم تعرض البُرْج الذى بالطِيْنَة نفسها للتخريب حيث هدم الفرنجة قسم كبير منه فى 13 جماد الآخرة سنة 855هـ/ 25 يوليو عام 1451م، وهى الحادثة التى أوردها البقاعى ( ت 885هـ/1480م ) المعاصر إذ قال: وصل الخبرُ أنّ الفرنج طُرْقوا بُرْج الطِيْنَة الذى بين قَطْيَا ودِمْيَاط، وكان فيه نحو خمسة عشر رجلاً، فنزلوا إلى البَرّ، ونصبوا عليه المكاحل، فحاصروه حتى عجز من فيه، فقُتل منهم أربعة أنفس وهرب الباقون، فَهَدَموا بعضَ البُرْج، وأخذوا ما به من السلاح والأمتعة"، مضيفا "ولا شك أن تدمير هذا البُرْج ترتب عليه أن أصبح هذا الثغر الهام خالياً من أعمال الحراسة الدائمة بالمنطقة للدفاع عنها".
البرج الثانى
أما البُرْج الثانى فكان لا يزال باق يقوم بحماية أشتوم النيل الواقع بالطِيْنَة، فذكره ابن العطار ( ت 880هـ/1476م ) فى حدود سنة 866هـ/1461-1462م عند تحريره لطريق البريد بين القاهرة وبيت المقدس حيث قال: "الطِيْنَة.. بها بُرْج يحرسون منه لمن يدخل من الفرنج".
ويُمكن القول بأن السلطان الأشرف بَرْسْبَاى شيد فى الطِيْنَة بُرْجين، أحدهما خُرب بعد تشيده بسبع وعشرين سنة، وشُيدت بموضعه قَلْعة فى عهد قَانِصَوْهْ الغَورى أصبحت تُعرف باسم قلعة الطِيْنَة، وآخر كان ولا يزال باقياً وهو المعروف الآن مجازاً بقَلْعة أم مِفْرج.
وكشف الدكتور سامى عبد المالك البياضى، أنه من خلال أعمال المسوحات الآثارية التى قام بها فى منطقة الطِيْنَة تم تحديد بُرْج من بُرْجى بَرْسْبَاى، وهو يُعرف الآن باسم أم مفرج، وهى كالآتى:
أم مفرج "بُرْج بَرْسْبَاى الأول": تقع فى الركن الشمالى الغربى من سَيْنَاء وسط بحيرة تُعرف ببحيرة القَلْعة نسبة إليها أو بحيرة البلاح، وتقع القَلْعة إلى الشرق من فتحة التقاء قناة السويس بالبحر الأبيض المتوسط بمسافة 19 كم، وشمال غرب حصن الفرما بمسافة 12,75كم، وشمال غرب قَلْعة الطِيْنَة بمسافة 10,00كم، وجنوب غرب أشتوم البحيرة الحالى بمسافة 3,700كم، وتشغل القَلْعة جزيرة صغيرة دائرية ترتفع قليلاً عن سطح مياه البحيرة قُطرها 24,00م.
بُرْج لا قَلْعة
وبرج أم مِفْرج من الناحية المعمارية يطابق تصنيفها المعمارى مع ما ورد فى النصوص التاريخية، فهى بُرْج لا قَلْعة، لكن تم توقيعه على الخرائط الحديثة باسم: "قَلْعة أم مِفْرج" نتج عنه أن أصبح يُعرف شهرةً بهذا الاسم، وإن كان لا يطابق الواقع المعمارى، كما أن التخطيط العام للبُرْج لا يُطابق الوصف الوارد فى النصوص التاريخية، وأعتقد أن الوصف السالف الذكر نُفذ فى الطِيْنَة نفسها، وهو البُرْج الذى تم تخريبه من قبل الفرنج، وحلت محله قَلْعة الطِيْنَة.
أما بُرْج القَلْعة فمخططه مستطيل يمتد من الشمال إلى الجنوب مقاساته 12,20 × 8,55م، وشُطفت أركانه بطول 1,20م، وينقسم من الداخل إلى قسمين رئيسين، لكن لمعرفة تخطيطه يقيناً لابد من حفائر آثارية، وبُنى البُرْج من الآِجُر كمادة بناء رئيسة، وبعض الحجر الجيرى المجلوب من خراب حصن الفَرَمَا، أما المونة فكانت من الحجر الجيرى المجلوب من حصن الفَرَمَا أيضاً، وتم طحنه وحرقه فى جباسات، إذ ورد فى النصوص التاريخية مصدر مواد البناء عند كلٍ من المقريزى وابن تغرى بردى فقالا:" أخذ الآجُر والحَجَر الذى بناه به من خراب مَدِيِنَة الفَرَمَا، وأحرق الجيرَ مما أخذه من الفَرَمَا".