ما بين دولة الموظفين ودولة المبدعين فارق كبير، دولة الموظفين هى دولة يكون كمالها ومثلها الأعلى تنفيذ التعليمات وتقديس الروتين، فيكون واقعها محلك سر، لا تهتم إلا (بتستيف) الأوراق حسب قانون العمل، بغض النظر عما يترتب على ذلك من تعطيل وإضرار بمصالح البلاد والعباد.. روادها من الموظفين لا يسألون ولا يهتمون إلا بكيفية إضاعة وقت العمل وإهداره! يحفظ عن ظهر قلب أيام الإجازات والعطلات الرسمية وغير الرسمية، وكيف يستفيد من عدد أيام الإجازات العارضة، ولا يهمل منها يومًا واحدًا! ويكون السؤال الرئيسى والجوهرى عن الرواتب ومتى ستأتي؟
وهل هناك زيادة هذا الشهر عن الشهر الماضى أم لا؟ وكم هى الحوافز؟ وهل زادت وكم هى الزيادة؟ وهل هناك أية خصومات؟ بعد ذلك كله لا يهم.. ثم تأتى العلاوات والترقيات بعد ذلك لتشغل العقل والقلب، فتأتى أسئلة وثرثرة تملأ جدران مؤسسات الدولة وطرقاتها وأروقتها من قبيل: ما هو السبيل الأمثل للترقيات السريعة وهل هى الوساطة أو علاقات القرابة والنسب أو الهدايا لأولى الأمر؟ أم هى الرشوة؟ أم أن عليه أن يعد نفسه ليكون من المحاسيب والحبايب؟ ولا يفكر ولو لمرة واحدة فى التفانى فى العمل.
وفى دولة الموظفين يكون هم الموظف وشاغله الأكبر هو البحث دائمًا عن كيفية التحايل على القانون، وكيف يتربح من وظيفته، وما هى قدرته على استغلال النفوذ؟ وما هى السبل فى تعيين أبنائه وأقاربه فى الوظائف العامة بطرق ملتوية؟ فتكون معضلته النهائية كيف يتم التعيين غير القانونى بلا أخطاء قانونية؟
وفى الحقيقة دولة الموظفين لا مستقبل لها تسير للخلف وتصعد للهاوية.. يطلق قادتها شعارات بدايات نهضتها، فهى مجرد شعارات، وتمر السنون ولا تتقدم، ولا تبدأ! وتبدأ بعدها بسنوات طوال دول نامية تتعداها وتتخطاها.. ثم إذا رأوها قالوا والحسرة تعلو وجوههم بدأنا قبلها مشوار النهضة! ثم يعودون إلى الماضى للفخر بماضيهم التليد، وكأنهم يعيشون فى الماضى لا حاضر لهم ولا مستقبل.. وليس ذلك بغريب فدولة الموظفين ليس من ضمن مفرداتها لفظ المستقبل.
أما دولة المبدعين فهى دولة حركية ديناميكية تبحث عما هو جديد، لا تهتم بمواعيد انتهاء العمل المقدسة، تدمن العمل، ثرثرتها تخطيط للمستقبل، تتنافس حول الأفكار الجادة، التى تتصف بالطلاقة والأصالة والمرونة، كل فرد يتبارى مع زملائه عن بحثه عن كم الحلول المثلى لمشكلاتهم الحياتية والمستقبلية، وأيها أنسب للمجتمع والواقع المعيش؟ يهتم روادها بكل التفاصيل الكبيرة والصغيرة، كل فرد يعمل ما يحبه وما يجيده.
الفيصل الأكبر بين دولة المبدعين ودولة الموظفين، هو العمل التطوعى، والمحاولات الدءوبة لمختلف الأشخاص للبحث عن حلول مثلى، وقيادات مرنة تطبق روح القانون بدلا من نص القانون فى ضوء المصالح الوطنية.
ولا يتم ذلك إلا بتحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع، وانتهاء الوساطة والمحسوبية، واختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب، وتكون الترقيات حسب الإبداع والابتكار، وتطبيقات النظريات العلمية الحديثة فى الإدارة والبعد عن (الفهلولة) والنظريات المعلبة والقوالب الجامدة.
إذًا فثمة فارق كبير بين دولة المبدعين ودولة الموظفين.. وأظننا بعيدون جدًا عن الأولى ونرتع فى الثانية.
د. غيضان السيد على يكتب: دولة الموظفين ودولة المبدعين
الخميس، 29 يناير 2015 02:07 م
موظف نائم أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة