رواية "استسلام" مشعلة الفتنة فى فرنسا تعكس طريقة تفكير النخبة المثقفة

السبت، 24 يناير 2015 10:05 م
رواية "استسلام" مشعلة الفتنة فى فرنسا تعكس طريقة تفكير النخبة المثقفة أحداث شارلى إبدو
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكاتب الفرنسى ميشال ويلبيك وروايته الأخيرة "استسلام" كانا عاملين أساسيين فى إشعال الفتنة الأخيرة التى أصابت فرنسا وتسببت فى جريمة الاعتداء على مقر مجلة شارلى إبدو ومقتل 12 شخصا وإصابة آخرين، خاصة بعد أن استوحت المجلة عددها الأخير الصادر يوم 7 يناير من الرواية، وهنا تقدم أحلام الطاهر مقالة ثقافية لها قراءة لفكر ورواية "استسلام" تحت عنوانين "البارانويا والتحريض: ماذا لو حكم الإسلام فرنسا"، والذى نشرته فى جريدة الأخبار اللبنانية.

ميشال ويلبيك فى الطريق الصعب
فى البداية وصفت أحلام الكاتب الفرنسى بأنه اختار الطريق التى لا يسلكها أحد، وأكدت أن ذلك الوصف جاء من قصيدة الشاعر الأميركى روبرت فروست، والتى يقول فيها "مُحاطاً أينما ولّى بالمرايا، يجمع صورته المتكررة من هنا وهناك لاغياً ذلك الخيط الرفيع الذى يفصل الكاتب عن شخصياته الروائية، لتتحوّل إلى ضحية لهوسه بالتشويه واستحواذه عليها بالكامل. أستعين بالصورة الكاريكاتورية التى صُنعت لى وأضيف إليها. أتلذذ كثيراً برسم نفسى كرجل سمين، مسنّ، قذر، بل كسلحفاة عجوز مريضة".

ثم تضيف أحلام بأم "ميشال" لا يكتفى بهذه الجرعة العالية من تحقير الذات حين يُسأل عن روايته «الخريطة والإقليم» بل يُوقع نفسه فريسة قاتل عنيف يُمعن فى تقطيعه وتقطيع كلبه بعد قتلهما، ثم يخلط أعضاءهما حتى ليصعب الفصل بين الأشلاء. يتفنن فى وصف جثته التى لم تعد تصلح للدفن ببرودة كلينيكية تُفرغ فعل القتل من أى غاية ليصبح شبيهاً بالعدم. وفى أعماله «توسيع رقعة الكفاح» و«الجزئيات الأولية» و«منصة»، يمتدّ هذا التشويه الهازئ ليشمل حقولاً عدة، فى مقدمها الإنسان والحب والعائلة والحياة التى لا أمل فى أن تُعاش.

نخبة فرنسا يهاجمون الحضور الإسلامى
ثم تؤكد "أحلام" أن الترويج لخطر الحضور الإسلامى والهجرة «غير القابلة للذوبان فى الثقافة الفرنسية والإفادة من مكتسباتها»، ما زال يشكّل المهمة المستعجلة لنخبة فرنسية أصبحت مكونة ممن أسمتهم مجلة «نوفيل أوبزرفاتور» بالرجعيين الجدد، من طينة آلان فينكلكروت وبرنار هنرى ليفى وأندرى غلوكسمان وكارولين فوريست وآخرين كثر يعزّزون صفوف اليمين المتطرّف حين يتعلق الأمر بالتنبيه إلى خطر الإسلام على صفاء العلمانية الجمهورية، وبالتالى على القرار السياسى الداخلى. بعدما أخذ الشحن الإيديولوجى والإعلامى أبعاداً هوجاء مع الخبير فى الخوف والتخويف اريك زيمور إثر صدور كتابه «الانتحار الفرنسى» ودعوته إلى «ترحيل» المسلمين وتطهير البلاد منهم.


الرواية ترجمة خيالية لأفكار عنصرية
ثم تدخل أحلام الطاهر إلى عالم رواية "ويلبيك" الجديدة، وتوضح أن الرواية «استسلام» توأم فكرى يلعب على «التخييل» لكل الأفكار العنصرية التى تدعو لمهاجمة المسلمين فى أوروبا كوسيلة انفلات، أو تحرر من المسؤولية. حيث نجد استكمالاً لأفكار البريطانية جيزيل ليتمان التى تنبأت بتحوّل europe إلى eurabia بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم بتواطؤ الديمقراطيين السذّج ولنظرية «الاستبدال الكبير» لرونو كامو وتحريضات زيمور الميزوجينية عن المرأة التى «عندما فشلت فى التحوّل إلى رجل، فرضت على الرجل أن يتحوّل إلى امرأة». كل هذا مُغلّف بصورة ماريان رمز الجمهورية الفرنسية، كما نشرتها مجلة «بارى ماتش» قبل ربع قرن وهى تغطى شعرها بحجاب.

وتؤكد أحلام أن قوام الرواية الأساسى هو سيناريو افتراضى - يجعله ويلبيك، بشكل عفوي، يتمتع بقيمة الحقيقة المطلقة والكلية - حول فوز مُرشح مسلم فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022. مع انتهاء الولاية الرئاسية الثانية لفرنسوا هولاند، تفوز شخصية ابتكرها الكاتب باسم محمد بن عباس زعيم حزب «الإخوة الإسلامية» بعد حصوله على دعم أحزاب يسارية ويمينية من أجل إيقاف تقدم زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان وفوزها بسدة الرئاسة. هذه الحبكة يستهلكها الكتاب الذى يضمحل تدريجاً ويموت قبل المئة صفحة الأخيرة. وبدل الاستفزاز أو الخدش المنشود، قد يشعر القارئ بالجوع أو يذهب لوضع الماء فى إناء الزهور. حسناً، اعتدنا هذا التوجه عند ويلبيك نحو إبقاء قدميه مغروستين فى أرضية الواقع، فيما مخيلته تلامس السقف السوريالي، مع إمكان أن ينهار فوق رأسه هذه المرة. خطوط السرد مثلاً ــ رغم تنوّعها ـ ظلت فى مسار واحد، والكتابة تقاومه وهو يحاول أن يلوى عنقها كى تنصاع لموضوع كتابه الرئيس حول حتمية عودة الدين إلى قلب الوجود الإنسانى بعد فشل أفكار التنوير التى سادت منذ القرن الـ 18 ومهّدت الطريق - دعونا لا ننسى ذلك - لقيام الثورة الفرنسية وإعلان لائحة حقوق الإنسان وترسيخ قيم الطبقة الوسطى فكراً وسلوكاً وسياسة.

"استسلام" السقوط فى فخ التنظير
وتضيف أحلام، يسقط ويلبيك فى بئر التنظير: النزعة العقلانية التى نادت بالاستقلالية والتحرر وعدم الخضوع لسلطة الكنيسة وأى وصاية خارجية أخرى، لم تُؤدّ سوى إلى بؤس عاطفى وانسلاخ عن الهوية، والإسلام مُهيّأ ليسود كإيديولوجيا لأن «السعادة تكمن فى الخضوع المطلق»، خضوع العبد لخالقه وخضوع المرأة للسلطة البطريركية وخضوع الفرد لقادة وجماعات. هكذا يأتى الدين ليصحّح خطأ أوروبا التاريخى فى مَوضوع الحرية كمُنطلق وغاية للفكر الحديث. ماذا لو كان الإنسان دنيئاً يحب العبودية؟ يسأل ويلبيك بتشفّ ويُحمَّل بطله الرئيسى فرنسوا عبء خلاصات أفكاره المعاندة لكل ما اتفق عليه البشر واعتبروه «حياة»، جاعلاً من وجوده فكاهة بحد ذاتها بسبب التضارب العميق بين الفكر الدينى كمنهج عام أو قانون للعيش، وبين الفردانية التى تتجلّى فى رغبته بأن يكون خارج النظام العام، وداخل نظام الأنا. فرنسوا شخصية ويلبيكية بامتياز، أربعينى منهزم ومهجور يصنع لنفسه حدوداً غير مرئيّة بينه وبين الجميع، حدود باردة وساخرة لأنه يشعر بالعار حين تصطدم أفكاره ومشاعره بمخلفات عالم استهلاكى بارد وقيم إنسانية منحلّة. نرى العالم يرتدُّ عنه، يتهشّم أمامه، وأحياناً يلتصقُ به لكنه لا يخترقه أبداً. عندما يجد فرنسوا جثة فى الشارع، يتفاداها بخفّة من يخشى عدم كفايته الرهيبة حين يُوضع وجهاً لوجه أمام الكارثة.


أحداث "شارلى إبدو" ترفع مبيعات الصحف اليومية لأعلى نسبة فى تاريخ فرنسا










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة