نادر أن يتكرر فنان مثل محمد فوزى، الذى شكل بمشواره الفنى- «رغم وفاته المبكرة»- علامة فارقة فى تاريخ الفن المصرى، لا أحد منا ينسى ذلك الوجه بملامحه ووسامة وجهه، وطريقة مشيته، وخفته التى يتحرك بها، فوزى صاحب الابتسامة المميزة، وخفيف الروح، الأكثر موهبة وحضورا وتألقا والأشيك بين نجومه جيله، لم يكن مجرد فنان، ولكنه أعطى المزيكا الكثير، ووصل غرامه بالمزيكا لدرجة أنه كان يلحن روشتات الأطباء، وكل ما تقع عليه عيناه من كلمات، عشق الفن والسينما تحديدا لدرجة أنه أسس مصنع أسطوانات ليصرف من عائده على السينما وينتج أفلاما تعيش فى الذاكرة والوجدان، فوزى الذى كان بطلا دراميا يمتلك تلك المقومات حقا، فهو الابن الذى عانى من سلطة الأب، والذى كان يشعر بأنه عبئا عليه حيث كان الابن الواحد والعشرين من أصل خمسة وعشرين ولداً وبنتا، ولكنه منحه دخول التاريخ.
وهو المطرب والملحن المعجزة والذى منح الإذاعة المصرية الكثير من الألحان دون مقابل، والغريب أن لجنة الإذاعة رفضته مطربا واكتفت باعتماده ملحنا، تقدم وهو فى العشرين من عمره، إلى امتحان الإذاعة كمطرب وملحن أسوة بفريد الأطرش الذى سبقه إلى ذلك بعامين، فرسب مطرباً ونجح ملحناً، وهو الذى عانى من جبروت السلطة عندما تم تأميم مصنعه «مصرفون» الذى أنشأه بعرق جبينه ومجهوده، لأنه لم يكن يوما ابنا لأى سلطة، ورغم أنه لحن وغنى واحدا من أجمل الأناشيد الوطنية «بلدى أحببتك يا بلدى» وهو الذى ترك تراثا يشكل طفرة فى الموسيقى، ورحل فى الـ48 من عمره بمرض نادر سجل باسمه، امتلك الكثير من النبل، ذلك الذى تجلى فى موهبته، وعمله لأجل الفن وإنجازه الموسيقى.
كان الغناء هاجس محمد فوزى، لذا قرر إحياء أعمال سيد درويش لينطلق منها إلى ألحانه التى هى مِلْء رأسه، وقد سنحت له الفرصة عندما تعاقدت معه الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى ممثلاً مغنياً بديلاً من المطرب إبراهيم حمودة فى مسرحية «شهرزاد» لسيد درويش، ولكنه أخفق عند عرضه الأول على الرغم من إرشادات المخرج زكى طليمات، وقيادة محمد حسن الشجاعى الموسيقية، الأمر الذى أصابه بالإحباط، ولاسيما أمام الجمهور الذى لم يرحمه، فتوارى زمناً إلى أن عرضت عليه الممثلة فاطمة رشدى، التى كانت تميل إليه وتؤمن بموهبته، العمل فى فرقتها ممثلاً وملحناً ومغنياً فلبى عرضها شاكراً، وفى العام 1944 طلبه يوسف وهبى ليمثل دوراً صغيراً فى فيلم «سيف الجلاد» يغنى فيه من ألحانه أغنيتين، واشترط عليه أن يكتفى من اسمه «محمد فوزى حبس عبدالعال الحو» بمحمد فوزى فقط، فوافق من دون تردد. شاهد المخرج محمد كريم فيلم «سيف الجلاد»، وكان يبحث عن وجه جديد ليسند إليه دور البطولة فى فيلم «أصحاب السعادة» أمام سليمان نجيب والمطربة رجاء عبده، فوجد ضالته فى محمد فوزى، واشترط عليه أن يجرى جراحة تجميلية لشفته العليا المفلطحة قليلاً، فخضع لطلبه، واكتشف بعدئذٍ أن محمد كريم كان على حق فى هذا الأمر، وكان نجاحه فى فيلم «أصحاب السعادة» كبيراً وغير متوقع، وساعده هذا النجاح على تأسيس شركته السينمائية التى حملت اسم أفلام محمد فوزى فى عام 1947، وخلال ثلاث سنوات استطاع فوزى التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة