شريف سعيد

على كوبرى قصر النيل

الأحد، 18 يناير 2015 08:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فوق كوبرى قصر النيل، كنت داخل السيارة وهما تحت المطر، كان قد أحاط كتفيها بذراعه اليسرى واقترب من وجهها وباليد الأخرى مد هاتفه المحمول لالتقاط تلك الصورة الذاتية الشهيرة عالميا باسم "Selfie" ، أبدا لم آمل يوما من تأمل الواقفين على هذا الكوبرى العتيق، هؤلاء الذين تتباين حالاتهم بدءا من الشرود التام فى الفراغ وهم يستندون برؤوسهم إلى أكتاف بعضهم، مرورا بالعتاب الهامس، وصولا لاتخاذ قرارات الفراق، هؤلاء جميعا شكلوا من أسفلت قصر النيل ورصيفه مذكرة خالدة لأحوالهم، كوبرى قصر النيل الذى عهد "الخديوى إسماعيل" بتشييده إلى شركة "فيف ليل" الفرنسية وافتتح رسميا عام 1872 من أجل العبور عليه نحو جزيرة الزمالك النائية، هذا الكوبرى أضاف المصريون إليه عبر السنوات أشياء أخرى.

أضافوا إليه الحب.. وكأن الأسود البرونزية الأربعة عند مدخلى الكوبرى، التى نحتها الفرنسى "هنرى جاكمارت" فى إيطاليا، تقف فقط لحراسة مشاعر المصريين! تلك المشاعر التى ساعد على توهجها فى هذا المكان حالة الكوبرى المعلقة بين السماء والنهر بعيدا عن واقعى القاهرة والجيزة، سيتوقف مؤرخو العاطفة كثيرا أمام هؤلاء الذين يتواعدون على اللقاء فوق منتصف كوبرى قصر النيل، عقب شروق الشمس بقليل، من أجل تبادل حضن الصباح فى سلام نادر، قبل الذهاب لاستقبال مرارات اليوم ومنغصات الدنيا!

وحسموا من فوقه قرارات الانتحار.. بعدما طبعوا السور العتيق للكوبرى ببصمات أصابعهم فى توقيع أخير منهم على شهادات وفاتهم، من منا لم يقرأ خبر انتحار فتاة بالقفز من فوق سور كوبرى قصر النيل، أو شنق شاب لنفسه بحبل أحكم عقده فى نفس السور، أندهش من جزم البعض ونعتهم القاسى لهؤلاء الراحلين بالكافرين دون الوضع بالاعتبار احتمال مرضهم النفسى، ولم أتعجب أبدا من تعامل بعضهم مع كوبرى قصر النيل كنقطة فى نهايات حياتهم، أؤمن بأن محل ميلاد بعض القصص هو ذاته مكان النهاية لقصص أخرى!

ثم اتخذوه سبيلا لثورتهم.. لم يكن ملك مصر الأسبق "فؤاد" يدرى أنه حينما عهد إلى شركة "دورمان لونج" الإنجليزية بإعادة بناء وتصميم كوبرى قصر النيل عام 1932، وطلب من الشركة زيادة عرض الكوبرى وخفض ارتفاع سوره، لم يدر فؤاد أنه بذلك- عن دون قصد- كان يُعد الجسر تاريخيا من أجل عبور الأحرار من فوقه عقب 79 سنة كاملة فى "ظهيرة الغضب"، وهم بطريقهم إلى فتح ميدان التحرير فى صورة من أخلد صور يناير، كوبرى قصر النيل سيبقى قاسما مشتركا أبديا بين قلوب الثائرين.

فى النهاية، لم أدر إن كان على أخفض من صوت الموسيقى الهادئة احتراما لجلال الدم الذى أريق هنا؟! أم أتركها كخلفية ملائمة لقصة الحب التى تمارس حية فى الهواء الطلق تحت السحب الرمادية؟! وسط هذا الصراع انفتحت الإشارة لتنقذنى من الحيرة، ضغط على الزر لأرفع زجاج السيارة وأتحرك وقد تركتهما فى حالة نشوة، فى هذه المرة كانت هى من تلتقط لنفسها معه صورة Selfie بعدما أحاطته بذراعها وفى الخلفية أسد قصر النيل يستحم معهما بمطر السماء!!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة