"طابق 99".. رواية فخ الذاكرة وويلات صبرا وشاتيلا تصل لـ"البوكر"

الإثنين، 12 يناير 2015 09:17 م
"طابق 99".. رواية فخ الذاكرة وويلات صبرا وشاتيلا تصل لـ"البوكر" غلاف الرواية
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"عندما تذهب عكس جذورك، يُحدث الأمر خضة فى كيانك بأكلمه، كالنبتة تمامًا. تخيل أن نبتة ما أرادت أن تزور أرضًا أخرى، أن تعرف وجهًا آخر للشمس. ستموت ربما"... وربما يعد هذا الاقتباس من رواية "طابق 99" أحد المداخل الكثيرة لعالم هذه الرواية الصادرة عن منشورات ضفاف ودار الاختلاف، والتى وصلت للقائمة الطويلة فى جائزة البوكر للرواية العربية، فى دورتها الثامنة 2015.

بين "الهنا" و"الهناك" تنتقل جنى فواز الحسن بأبطال روايتها التى تعد تجربة جديدة بعد "أنا وهى والأخريات" لتصنع ثورة جديدة وقودها الحب، وحطبها التاريخ لتشعل لكل من "مجد" الفلسطينى المسلم، و"هيلد" اللبنانية المسيحية طريقهما الذى بدأ فى مدينة نيويورك.

وإذا كان السحر ينقلب على الساحر، فلا غرابة أن العشق انقلب على "مجد" العاشق، الذى أدمن لعبة المرايا، ويحلو له أن يتأمل انعكاسات "هيلدا" عليها، فى المقاهى، أو الأماكن التى تنتشر فيها، إلى أن بلغ به حد الجنون فصار يتأملها وهو يضاجعها أمام المرآة، ذلك أنه يؤمن بأن احتمالات المرء فى غالبية الأوقات أكثر شبهاً به، ولأن تلك النفس الخاصة تتطلب شجاعة استثنائية للنظر إليها، ولكنه حينما يصل بجنونه إلى ذورته فيعلمها النظر إلى نفسها، لم يكن يدر فى تلك اللحظة أن "هيلدا" التى كانت تخشى النظر إلى نفسها فى المرايا، أصبح لديها من الشجاعة ما يؤهلها للنظر إلى نفسها، إلى "الهناك"، فتقرر العودة إلى لبنان، لتضع أحداث الرواية جيل ما بعد الحرب فى مواجهة مع أسلافه لطرح الأسئلة حول جدوى المعارك القديمة، وإن كانت قد انتهت فعلاً، وتأملات حول مقدرة الحب على تطهير الأحقاد والعداوات.

لم يكن "مجد" يعلم وهو يتعرف على "هيلدا" التى تصادف أنها تعمل فى نفس البناية التى يقع مكتبه هو فى الطابق 99 منها، أنها من لبنان، ولكن الحب الذى لا يعرف الحدود الجغرافية جمع بين شاب فلسطينى - مسلم يحمل ندبة مجزرة صبرا وشاتيلا 1982 فى جسده - بفتاة لبنانية مسيحية من عائلة إقطاعية تمتعت بنفوذ اليمين المسيحى أثناء الحرب تتعلم الرقص فى نيويورك.

وحينما تقرر "هيلدا" العودة إلى قريتها فى جبل لبنان لاكتشاف ماضيها، يقع "مجد" فى فخ ذاكرته، بين تصوره لعدوه القديم، وخوفه من خسارة "هيلدا" ورفض أسرتها لهذه العلاقة، وهنا يستعيد العديد من الأحداث المؤلمة التى عاشها بداية من إصابته التى كانت سببًا فى نجاته من المجرزة التى أدوت بحياة والدته وجنينها، وتسببت فى تغير مسار حياة والده من أستاذ فى "الأونروا" إلى فدائى، وبعدها بائع ورد فى حى "هارلم" الشهير فى أميركا.

وهكذا نجد "مجد" يقول: "أعترف بأنى لم أشعر بحنين جارف إلى موطنى سوى بعد تعرفى بهيلدا. وجدت نفسى أروى لها تفاصيل مخيلتى عن ذاك المكان. تفاصيل كنت أنا نفسى غير مدرك لوجودها فى ذهنى، مع حبيبتى، كنت أحكى كثيرًا عن الأماكن والذكريات والمآسى والمجازر ورجال الأعمال والصفقات. كلما رويت لها حادثة أو فكرة، شعرت كأنى أتعرف على ذاتى للمرة الأولى، كأننى رجل يخرج إلى الحياة، يخرج إلى من العمق ويجعل كل ما كان بين طيات النسيان يطفو على السطح. كأننا حين نحكى عن أنفسنا، ندرك كم أننا غرباء عنا.

الرؤية من الطابق 99

يمكننا أن نلخص هذه الرؤية لمصير الشخصيات فى الرواية بأن كل إنسان هو "سيزيف" ذلك المحكوم عليه بأن يحمل عذاباته إلى أعلى القمة، وكلما سقط منه شىء عاد وحمله من جديد، أو أن عذاباته هى التى تتجمع فوق رأسه وتزيد من حمله الثقيل.

تتعدد عذابات "مجد" بين إحساسه بأن إصابته كانت سببًا فى وفاة أمه، وكثيرًا ما يتساءل حول صمت أبيه الذى لم يلمه على إصابته هذه وأنها كانت سببًا فى خسارته لأمه، وذلك لأن إصابته هى ما دفع به أن يتركها وحدها، الأمر الذى جعل "مجد" يشعر بالكرم الفائض من أبيه الذى لم يشر إليه بأى ذنب، إضافة إلى مأزق الهوية الذى كان يشعر دائمًا أنه واقع فيه ولا يستطيع الفكاك من قدره "أن تكون فلسطينيًا، هو أن إما أن تنسى الجذور وتتخلى عن أصلك لتتقدم فى هذه الحياة، وإما أن تبقى كرصاصة تنتظر فى فوهة البندقية أن تنطلق فى اتجاه ما، على عداء مع الحياة، لأنها سلبتك مهدك الأول وأجبرتك على أن تختلق وطنًا.. أن تكون فلسطينًا، خصوصًا فى زمن الحروب، هو أن تنكر على نفسك حقك فى الحياة، وأن تتلبس الأسى لصبح جلدك، وإلا فقدت وطنيتك. أن تكون فلسطينيًا هو أن تنسى الضحك وتلتزم الشعور بالغبن والمظلومية وإلا بت من الخوارج... أن تولد فى ملجأ أو مخيم وترى الجميع ينظر إليك بشفقة أو اشمئزاز، وأن تعتبرك الأغلبية عبئًا، وأن تنتظر المساعدات الدولية، وهبات الأونروا، وأن تخاف أن ترزق بالأولاد..".

كذلك "هيلدا" تشعر أنها تحمل صليبًا علق عليه أخطاء الحرب لأنها من أسرة شاركت فيها، وبحسب ما قال لها والدها أن عمها قتل نفسه بعدما قتل ثلاثة من الفلسطينيين، وأيضًا سنجد "إيفا" المكسيكية تلك الفتاة التى هربت بعدما تعرضت لاغتصاب من زوج أمها تعرضت لخيانة محسن الفلسطينى العائش فى حب النساء، إلى أن تتحرر منه وتصبح ممثلة مشهورة، وأيضًا فهناك "ماريان" الأمريكية التى لا ذنب لها سوى أنها أمريكية، وشارك زوجها فى حرب الخليج، حرب تؤمن هى أنها ليست حربه، وتعيش لفترات طويلة على أمل أن يعود إليها إلا أنه مات هناك بعيدًا عن الوطن.


لقد نجحت جنى فواز الحسن، فى أن تقدم عالمًا جديدًا للقارئ، خاصة بعد روايتها "أنا وهى والآخريات" عالم ملىء بالتساؤلات، وشخصيات تخفى فى داخلها عوالم لا أتصور أن مقالاً واحدًا عنها يكفي، فهى رواية مليئة بالتفاصيل، مليئة بالأشخاص التى تشكل تفاصيلها على حد رواية كاملة، واستطاعت أن تمسك بالقارئ بداية من النص وتصعد به حتى الــ"طابق 99" محملاً بالذكريات وحيوات الآخرين، جيل بأكلمه لم نعشه، ولكننا ورثنا آلمه، ونحمل فى داخلنا المزيد من التساؤلات حول مصيره، ولهذا أرى أنها نجحت فى التحدى الكبير الذى وجدت نفسها أمامه بعدما وصلت "أنا وهى والآخريات" للقائمة القصيرة لجائزة الرواية العالمية فى نسختها العربية "البوكر"، وهو عدم تكرار نفسها.

يذكر أن

فى عام 1982 بدأت مذبحة صبرا وشاتيلا فى مخيمين للاجئين الفلسطينيين فى لبنان على يد الجيش الإسرائيلى بالتعاون مع حزب الكتائب اللبنانى. وصدر قرار المذبحة برئاسة رفائيل ايتان رئيس أركان الحرب الأسرائيلى وآرييل شارون وزير الدفاع آنذاك.

دخلت ثلاث فرق إلى المخيم كل منها يتكون من خمسين مسلح إلى المخيم بحجة وجود 1500 مسلح فلسطينى داخل المخيم وقامت المجموعات المارونية اللبنانية بالإطباق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، أطفالٌ فى سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى فى دمائهم، حوامل بقرت بُطونهن ونساء تم إغتصابهن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذُبحوا وقُتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره، 48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة.

أحكمت الآليات الإسرائيلة إغلاقَ كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يُسمح للصحفيين ولا وكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح فى تاريخ البشرية، عدد القتلى فى المذبحة لا يعرف بوضوح وتتراوح التقديرات حوالى 4000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح.

لمعلوماتك

جنى فواز الحسن شاعرة وروائية لبنانية تعمل فى مجال الصحافة المكتوبة والترجمة منذ العام 2009.
نشرت نصوصًا أدبية فى دوريات ثقافية عدة منها ملحق "النهار" الثقافى وملحق "نوافذ".
رشحت روايتها "أنا وهى والأُخريات" للقائمة القصيرة لـ"بوكر" العربية فى دورتها السادسة.


أخبار متعلقة:


جنى فواز الحسن:وصول رواية "طابق 99" للبوكر انتصار لقضية فلسطين ولبنان










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة