واسينى الأعرج.. عمق فكرى وشعرى وتفاصيل معادة

السبت، 06 سبتمبر 2014 04:20 ص
واسينى الأعرج.. عمق فكرى وشعرى وتفاصيل معادة الروائى الجزائرى واسينى الأعرج
(رويترز)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كتابة الروائى الجزائرى واسينى الأعرج فى روايته "مملكة الفراشة" تتميز بالعمق الفكرى والشعرى فى وقت واحد. أنه يعرف جيدا ما يود قوله ويقوله بطريقة مؤثرة وموحية تصل أحيانا إلى حد تحمل لنا فيه الفجيعة بهدوء رهيب.

لكن قد يؤخذ على هذا العمل الروائى غرقه فى تفاصيل معادة. يتكرر كلام كثير وأفكار تتردد بين فترة وأخرى دون أن تضيف إلى الرواية أى سمة إيجابية بل كل ما تفعله إنها تسبب شيئا من الملل وشعورا بين فترة وأخرى بأن ما يقدم إليك عرفته أكثر من مرة. وذلك ليس من أسلوب واسينى الأعرج.

جاءت الرواية فى 423 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الأداب فى بيروت. عنوان الرواية على الغلاف هو "مملكة الفراشة" أما العنوان الداخلى فكان هو نفسه إلا أنه حمل بعده هذا الكلام "نحن ايضا نحب التانجو ونرقص على جسر الموتى".

يتناول الكاتب الحياة التى نتجت عن أهوال الحرب الأهلية الجزائرية وما خلفته هذه الحرب من آثار فى الجزائريين فى الوطن والاغتراب.

يلخص الكاتب وجهة نظره بكلام كتبه فى شبه مقدمة صغيرة تسبق الفصل الأول للرواية.

قال: "الحرب ثلاثة أنواع: حرب معلنة ومميتة تحرق وتبيد على مرأى الجميع. نهايتها خراب كلى وأبطال وطنيون وقبور على مرمى البصر. وحرب أهلية تحرق الأخضر واليابس يكيد فيها الأخ لأخيه ولا يرتاح إلا إذا سرق منه بيته وحياته وحبه وأسكن فى قلبه حقدا لا يمحى.

"وحرب أخيرة هى الحرب الصامتة التى لا أحد يستطيع توصيفها لأنها من غير ضجيج ولا ملامح وعمياء. كلما لامسناها غرقنا فى بياض هو بين العدم والكفن. فالحروب مهما كان نوعها ليست فقط هى ما يحرق حاضرنا ولكنها أيضا ما يستمر فينا من رماد حتى بعد خمود حرائق الموت فى ظل ظلمة عربية تتسع بسرعة الدهشة والخوف."

مجموعة أشخاص - سبعة وأحيانا ثمانية - حاولوا أن ينسوا الحرب الأهلية والبغضاء فشكلوا الفرقة الموسيقية (ديبو جاز). تقول الراوية عضو الفرقة "كبرت مع الكلارينات حتى صعب على الانفصال عنها. كانت وجدانى العميق ووسيلتى الانتقامية من الجلافة والموت."

تضيف أنه عندما قتل (ديف) أو داوود عضو الفرقة "الذى كنت متعلقة به تغير كل شىء. انفصلت عن فرقة ديبو جاز وذهب كل منا فى اتجاه قبل أن يحاول (جو) أكبرنا سنا إعادة تركيب الفرقة من جديد."

جو أو جواد "لم يستسلم أبدا لقدر الموت الذى أصابنا جميعا فى الصميم. فقد كان أكثرنا إصرارا على المواصلة والحفاظ على ديبو جاز."

كانت الموسيقى والفرقة الموسيقية تعويضا لهذه الجماعة عن الوطن. ثمة تعويض آخر جاء بالنسبة إلى (ياما) راوية القصة عبر عالم الإنترنت مع حبيب افتراضى. كانت الراوية تتواصل على الفيس بوك "كالعادة مع حبيبى فادى أو فاوست".

الراوية صارت هنا فى وضع يشبه وضع بيجماليون الذى صار معلقا بين التمثال الذى صنعه اى بين العمل الفنى اللامحدود وبين الانسان الحى والمحدود الذى بناء على طلب بيجماليون حولت الألهة التمثال إليه وأعطته الحياة ليعود فيندم بعده على الأخر. إنها معلقة بين صورة فاوست على الإنترنت والمأخوذة من رائعة جوته الشهيرة وبين الشخصية الحقيقية أى شخصية عالم الواقع لهذا "الفاوست".

تقول له ياما "خلينى نشوفك على الأقل وأتأكد من أنك حقيقة ولست حلما هاربا حتى فى السكايب إذا أحببت قبل أن يداهمنى الموت فى مدينة أصبحت توفره بسخاء.. أريدك لى أنت بلحمك ودمك. أريد أن أقتل هذا الرجل الافتراضى واؤمن برجل يمنحنى الحب. أشم رائحة عطره وعرقه وأسمع قهقهاته العالية وأشعر بكل لمسة من لمساته."

جعل اسمه فاوست وبدل اسمها الذى أعطته إياه أى ياما. كان يخاطبها باسم مارجريت أو ماجى وتقول إنها خلصت فاوست من براثن مفيستوفيليس أو الشيطان الذى باعه روحه كما فى رواية جوته الكاتب والشاعر الألمانى الشهير.

الرواية مليئة بالإشارات والاتجاهات الفكرية المختلفة من جوته إلى سامويل بيكيت وكازانتاكى فى زوربا إلى جاك دريدا وما بعد الحداثة وبكثيرين غيرهم من إشارات إلى أحداث اقتصادية واجتماعية فى العالم.

أبدلت اسم أبيها من زبير إلى زوربا وقالت لصديقتها: "لا أريد لوالدى أن يكون الزبير بن العوام. لا أكره هذا الصحابى الجليل أبدا ولكنى أكره الحرب وأكره الاستشهاد أو الموت المقدس وأمقت الدم. ماذا جنينا من وراء ذلك كله؟ لا شىء وكأن قدر الناس أن يموتوا من أجل قضية. يأتى بعدهم من يمحو كل شىء عن تفاصيلها ويبدأ من الصفر وينشىء أقدارا جديدة يذهب ضحيتها آلالاف وربما الملايين."

قتل أبوها زوربا برصاصة قناص وهو يودعها على باب بيته ذاهبا إلى عمله. السلطات أرادت منها أن توقع إفادة تقول أن أباها مات بسكتة قلبية. رفضت ذلك.

تزول بعض أوهام ياما عندما يعود فاوست الكاتب الشهير إلى البلاد وتستقبله الجماهير لتكتشف عندما كلمته أنه لا يعرفها وأنه ليس ذلك الشخص الذى دارت بينها وبينه قصة حب ومئات الرسائل. تعرف لاحقا أنه يراسل مئات المعجبات الأخريات وأنه لا يراسلهن شخصيا بل ينوب عنه فى ذلك أحد العاملين لديه من أقربائه.

شخصية ياما شخصية "هاربة" من عالم التعاسة. تعيش فى عالم الروايات وأبطالها وعالم الكتب ويدفعها ولع شديد باظهار المعرفة الفكرية والأدبية والمخزون الثقافى.

عاشت فى عالم افتراضى اعتبرته حقيقيا وهربت إليه من العالم الفعلى لتعود فتكتشف خيبتها. إنها بيجماليون الذى يترجح بين المرأة المؤلفة من لحم ودم ولكنها زائلة تسير إلى الشيخوخة والموت.. وبين المرأة التمثال.. العمل الفنى الخالد لكن الخالى من الأنفاس البشرية وحقائق الحياة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة