فى آخر أيامه بدمشق، روى ابن بطوطة حكاية المملوك الصغير الذى سقطت آنية فخارية من يده، فخاف إذلال سيده، وسرد رحالة الإسلام عادات وتقاليد رآها فى دمشق وأهلها ولم يراها فى مكان آخر.
بائع الأوانى ينقذ مملوكاً من العقاب
يقول ابن بطوطة: مررت يوما ببعض أزقة دمشق فرأيت بها مملوكا صغيراً قد سقطت من يده صحن من الفخار الصينى فتكسر واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم اجمع شققها واحملها معك لصاحب أوقاف الأوانى فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها فدفع له ثمنها خوفا من أن عقاب سيد الغلام له، فكان لا بد له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره وهو أيضا ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرا للقلوب جزى الله خيرا من تسامت همته فى الخير إلى مثل هذا.
أهل دمشق يكرمون الغرباء
وأهل دمشق يتنافسون فى عمارة المساجد والزوايا والمدارس وهم يحسنون الظن بالمغاربة ويطمئنون إليهم بالأموال والأهلين والأولاد وكل من جلس للقراءة والعلم فى جهة من جهات دمشق لا بد أن يتأتى له عمل سواء أكان إمامة مسجد أو قراءة بمدرسة أو ملازمة مسجد يجبىء إليه فيه رزقه أو قراءة القرآن أو خدمة مشهد من المشاهد المباركة أو يكون كجملة الصوفية، له النفقة والكسوة فمن كان بها غريبا على خير يعيش مصونا بعيدا عن الذل.
ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله أسباب أخرى من حراسة بستان أو أمانة طاحونة أو كفالة صبيان يغدو معهم إلى التعليم ويروح ومن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد الإعانة التامة على ذلك.
أهل دمشق لا يفطرون فرادى أبداً
ومن فضائل أهل دمشق أنه لا يفطر أحد منهم فى ليالى رمضان وحده نهائياً فمن كان من الأمراء والقضاة والكبراء فإنه يدعو أصحابه والفقراء يفطرون عنده ومن كان من التجار وكبار السوقة صنع مثل ذلك، ومن كان من الضعفاء والبادية فإنهم يجتمعون كل ليلة فى دار أحدهم أو فى مسجد ويأتى كل واحد بما عنده فيفطرون جميعاً.
خروج الدمشقيين بعد صلاة العصر للدعاء
ومنعادة أهل دمشق وسائر تلك البلاد أنهم يخرجون بعد صلاة العصر من يوم عرفة فيقفون بصحون المساجد كبيت المقدس وجامع بنى أمية وسواها ويقف بهم أئمتهم كاشفى رؤوسهم داعين خاضعين خاشعين متلمسين البركة ويتوخون الساعة التى يقف فيها وفد الله تعالى وحجاج بيته بعرفات ولا يزالون فى خضوع ودعاء وابتهال وتوسل إلى الله تعالى لحجاج بيته إلى أن تغيب الشمس فينفرون كما ينفر الحاج باكين على ما حرموه من ذلك الموقف الشريف بعرفات داعين إلى الله تعالى أن يوصلهم إليها ولا يخيبهم من بركة القبول فيما فعلوه.
كيف يشيع الدمشقيون موتاهم؟
ولهم أيضا فى اتباع الجنائز، عادات غريبة وذلك أنهم يمشون أمام الجنازة والقراء يقرؤون القرآن بالأصوات الحسنة والألحان المبكية التى تكاد النفوس تطير لها رقة وهم يصلون على الجنائز بالمسجد الجامع أمام المقصورة فإن كان الميت من أئمة الجامع أو مؤذنيه أو خدامه أدخلوه بالقراءة إلى موضع الصلاة عليه وإن كان من سواهم قطعوا القراءة عند باب المسجد وأدخلوا الجنازة وبعضهم يجتمع له بالبلاط الغربى من الصحن بمقربة من باب البريد فيجلسون وأمامهم ربعات القرآن يقرؤون فيها ويرفعون أصواتهم بالنداء لكل من يصل للعزاء من كبار البلدة وأعيانها ويقولون بسم الله فلان الدين من كمال وجمال وشمس وبدر وغير ذلك فإذا أتموا القراءة قام المؤذنون فيقولون افتكروا واعتبروا صلاتكم على فلان الرجل الصالح العالم ويصفونه بصفات من الخير ثم يصلون عليه ويذهبون به إلى مدفنه.
موضوعات متعلقة:
الحلقة الـ١٣.. ابن بطوطة يروى: حكاية ابن المؤيد ملحد اللاذقية الذى دخل السجن وخرج ليدخل القاضى والشهود بدلاً منه ويأمر الحاكم بإعدامهم فى ساحة الرماية
الحلقة الـ 14.. ابن بطوطة يروى حكاية رجل صالح أعفى مملوكاً صغيراً من عقاب سيده.. ويقص كيف كان أهل دمشق يستقبلون ضيوفهم ويدفنون موتاهم
السبت، 06 سبتمبر 2014 04:58 م
ابن بطوطة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة