نحو ميثاق شرف جديد.. «غواية النشر الصحفى» بين حقائق تذكرها «النيابة» ومعلومات تضر بسير تحقيقاتها فى القضايا الشائكة.. وإثارة البلاغات الكيدية يضاعف من قيمتها.. وضبط العلاقة بين المحرر ومصادره هو الحل

الجمعة، 05 سبتمبر 2014 09:25 ص
نحو ميثاق شرف جديد.. «غواية النشر الصحفى» بين حقائق تذكرها «النيابة» ومعلومات تضر بسير تحقيقاتها فى القضايا الشائكة.. وإثارة البلاغات الكيدية يضاعف من قيمتها.. وضبط العلاقة بين المحرر ومصادره هو الحل هشام بركات النائب العام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ستبقى مسألة غواية النشر فى الصحافة قضية شائكة، فالصحافة يهمها السبق وتستمد منه تفردها وتواصلها مع القارئ، غير أن ذلك قد يتعارض أحيانا مع ما تراه الجهات المسؤولة أنه يضر بالمصلحة العامة مما يترتب عليها حدوث قلاقل ليست مطلوبة.

وهناك من الأمثلة الكثيرة الدالة على ذلك، ليس فى مصر وحدها وإنما حتى فى أعتى الدول الديمقراطية التى تتمتع فيها الصحافة بحرية التعبير، وتتزايد حدة هذه المسألة حين تعيش الدول فى منعطفات تاريخية حساسة وخطيرة، تتعلق فى المقام الأول بضرورات الحفاظ على الأمن القومى، ووحدة وتماسك الشعوب فى تلك اللحظات، وليس خافيا على أهل مهنة الصحافة بصفة خاصة، أن أمريكا بكل ما فيها من ديمقراطية، تدخلت إدارتها فى منع 25 قصة خبرية أثناء حربها الثانية ضد العراق.

وفى هذا السياق يتطلب الأمر على الدوام إيجاد علاقة طبيعية سليمة ومنضبطة بين الصحافة والمؤسسات العامة، تقوم على إدراك المسؤولية، والتوحد فى فهم أهمية الرسالة الوطنية التى تؤديها كل الأطراف لتحقيق المصلحة العامة، دون خضوع ذلك لأهواء شخصية، أو تقديرات قد يراها طرف صحيحة دون أن يراها الطرف الآخر كذلك.

وتأسيسا على ما سبق، يأتى السؤال الدائم، هل لو كانت لدى الصحيفة «أى صحيفة» وثيقة صحيحة لكنها قد تضر بالأمن القومى تقوم بنشرها أم لا؟، والإجابة الطبيعية العاقلة فى تلك الحالة هى «لا»، غير أن هناك من يفوته ذلك فيقوم بالنشر، إما بحسن النية وعدم الدراية الكاملة بطبيعة المشهد العام سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وإما بـ«غواية النشر» المدفوعة برغبة إنجاز سبق صحفى، وإما لأسباب أخرى، وفى كل الأحوال ومن باب: «تعددت الأسباب والموت واحد»، يتحقق الخطر، فينطرح السؤال: لماذا كان النشر من أساسه؟، وما هى ضروراته؟.

وفى حالتنا المصرية، وخاصة فى سلك النيابة بقيادة النائب العام المستشار الجليل هشام بركات الذى لا يكل جهداً من أجل العدالة لا ينكر أحد أن «غواية النشر الصحفى» فى الآونة الأخيرة وصلت إلى أعلى مراحلها، وفى بعض الأحيان تحولت إلى مصدر للشكوى أكثر من الوصول إلى الحقيقة، بعد أن تداخلت فيها أشياء كثيرة لتجمع بين الغث والسمين، بين الجد و«الهرتلة»، بين الحقيقة والخيال، بين أشياء معلومة وأخرى مجهولة، بين مصادر معلومة، ومصادر مجهولة، بين الجد والخفة، ليكون حاصل كل ذلك هو تشتت القارئ، وعدم إحداث تراكم معرفى صحيح لديه يساعده فى معركة البناء ومواجهة تحديات المخاطر التى تحيط ببلدنا من كل جانب.

وإذا ضربنا أمثلة موحية فى ذلك، سنجد منها ما يتعلق مثلا بجهاز قدير وجليل هو «النيابة العامة» والسلك القضائى، وكذلك القضايا المتعلقة بالذمة المالية للأشخاص، ففى الآونة الأخيرة شاعت مسألة البلاغات التى يتقدم أشخاص بها دون سند من الحقيقة، ويكون بعضها لغرض كيدى، وفى الوقت الذى تؤدى إلى ضياع جهد رجال النيابة فى التحقق منها لمعرفة صوابها من عدمه، تندفع الصحافة إلى إثارتها بـ«غواية النشر»، مما يرتب سمعة سيئة للمشكو رغم إنصافهم من النيابة بعد التحقيقات النزيهة والشفافة منها، وإذا كان ذلك يعد نوعا من سوء المعالجة الصحفية لمسائل تتعلق بأشخاص، فما بالنا لو كان ذلك يتعلق بسمعة أوطان؟.

ويعد ذلك مثالا بسيطا ضمن مجموعة أمثلة متعددة أخرى حبذا لو راجعت كل صحيفة ما تفعله فيها، ومنها مثلا الأخبار التى تصفها الصحافة بـ«الاستباقية»، وإذا كان هذا مشروعا فى رسم السيناريوهات السياسية واستخلاص المستقبل منها عبر معرفة التفاعلات الداخلية والإقليمية والدولية، فإنه لا يجوز مثلا من بعيد أو قريب فى المسائل التى تتعلق بميزان العدالة الذى يضع موازينه رجال القضاء وسلك النيابة، فكيف مثلا يضرب «صحفى» تنبؤا بمصير متهم، أى متهم، أمام القضاء؟، وكيف يضرب صحفى مثلا بمصير شخص يتم التحقيق معه أمام سلك النيابة؟، ألا يعد ذلك كله تدخلا فى عمل القضاء، ومحاولة خبيثة للتأثير على رجال العدالة؟، ألا يعد ذلك تغولا على السلطة القضائية فى صميم عملها لصالح إقرار العدالة؟.

هى أسئلة فى مجموعها مشروعة ويجب التفكير فيها بصوت عالٍ من أجل المصلحة العامة، دون تأويل من أحد بأن ذلك دعوة للتكميم، ودعوة من حد حرية الصحافة، لكنها دعوة مسؤولة تستهدف توفير المناخ الصحى لسلك النيابة والقضاء للعمل فى هدوء من أجل دولة سيادة القانون التى نبتغيها جميعا، وتصب فى صالح المصريين على حد سواء.

وليس من قبيل التكرار التذكير «تاريخيا» بآلاف القضايا التى انتصر فيها القضاء والنيابة للمظلومين، عبر تتبعهم لخيوط الحقيقة كاملة بنزاهة وشفافية وتجرد، ودون التأثر بموجات الرأى العام والآراء التى تبتعد عن صحيح القانون ومجرياته، ودون التأثر بموجات الإثارة الصحفية التى تساهم بقدر وبآخر فى صناعة رأى عام مشوه فى بعض القضايا.

وتطرح هذه الحالة تساؤلات جوهرية أمام الحالة الصحفية المصرية من أجل الحفاظ على مستقبلها المهنى بمسؤولية وطينة كاملة، ويمكن حصرها فى: «ما العيب فى أن يراجع كل الصحفيين فى حقل المهنة طبيعة عملهم للوصول إلى أعلى درجات التحرى والدقة فى أى خبر أو تقرير قبل نشره، ومن أجل الارتقاء بالمهنة قبل أن يصيبها التآكل؟، صحيح أن لكل صحفى مصادره الخاصة، وصحيح أن هناك درجات فى عمق هذه العلاقة، وصحيح أن هناك صحافة النميمة، وصحيح أن هناك علاقات تتعدد درجاتها فى الثقة بين المصدر والصحفى، لكن المطلوب أن يتم وضع كل ذلك فى سياقه الصحيح والطبيعى، وكما علمنا آباء المهنة، فإن التأكد من صحة الخبر الخاص الذى يمكن الحصول عليه عبر هذه القنوات، يجب أن يمر بأكثر من قناة بطريقة مهنية محترمة ومحترفة، وبعد ذلك يتم وضع هذا الخبر على بساط البحث من إدارة التحرير عما إذا كان نشره من شأنه أن يعالج وضعا فاسدا وغير صحيح أم لا؟، وبعد ذلك يأتى قرار النشر، وتلك القواعد المتعارف عليها فى أصول مهنة الصحافة، التى يتغافلها البعض تحت «غواية النشر» مما يؤدى كما قلنا سابقا إلى خلط الغث بالسمين فى المهنة، ويؤدى بالتبعية إلى فقدان ثقة القارئ فى صحيفته، وعملا بالمبدأ ليس كل ما يعرف يقال، يمكن ضبط الكثير من الأشياء التى تجلب الضرر أكثر مما تأتى بالنفع.

ومرة أخرى نقول أن تطبيق تساؤلاتنا وأجوبتنا على عمل سلك النيابة العامة، وسلك القضاء الذى يسهر رجالهم من أجل تطبيق العدالة، هو كبد الحقيقة، وعين العقل، وتقوية العزم من أجل البناء، وبث الثقة لدى المواطن فى أن العين التى تحرس القانون وتطبقه وتعمل من أجل سيادته هى عين ساهرة، لا تغفل ولا تنام عن الحقيقة والوصول إليها مهما تستر عليها البعض.

يقودنا ذلك إلى طرح السؤال، كيف يتحقق ما ننادى به فى التعامل مع سلك النيابة والقضاء؟.
والإجابة تتمثل فى أكثر من نهج، أولها، أنه لابد من العمل مع المصادر الرسمية التى يكون عندها المساحة الأرحب والأوسع فى تأكيد صحة وأهمية الخبر من عدمه طبقا للمصلحة العامة، وطبقا لما تقتضيه ظروف التحقيقات التى تتم مع أى طرف، وطبقا لما تقوم به النيابة من جمع للمعلومات ومعرفة التحريات حول ظروف كل قضية.

- ثانيا، الإدراك الكامل من الجماعة الصحفية بأننا فى مرحلة حساسة لا يجوز فيها الجموح نحو السبق الصحفى، أو «غواية النشر».

- ثالثا، يجب على الجماعة الصحفية أن تطرح على نفسها سؤالا جوهريا وهو، هل يملك الصحفيون الذين تقع دوائر القضاء والنيابة فى بند عملهم الصحفى، معرفة الأبعاد القانونية وما تنص به القوانين الجنائية والأخرى فى القضايا التى تخضع للتحقيقات؟، وإذا كانت الإجابة بـ«لا»، فمن الضرورى سد هذه الثغرة، حتى يتزود الصحفى بالمهارات الكاملة فى عمله، فالصحفى لا يجب أن يمتلك مهارة الكتابة دون إدراك منه لمدى مسؤولية الكتابة وعمقها، ولو تحقق ذلك سيعفى الصحفى جريدته من مسؤوليات كثيرة، لأنه سيكون رقيبا «قانونيا» على نفسه، وسيهذب جموحه الصحفى لينقله إلى دائرة الموضوعية فى التناول، والعقلانية فى الكتابة، وبالتالى فمن الحتمى والضرورى أن تقوم الصحف المصرية بعقد ورشة عمل لمحررى النيابة والقضاء من أجل تطوير أدوات الكتابة، وكما قلنا، لن يقتصر ذلك على جمال الصياغة ومحاسنها فى الكتابة، وإنما بتزويدهم عبر مذكرات ومحاضرات تشمل المواد القانونية اللازمة التى تسير على أساسها تحقيقات النيابة فى القضايا بتنوعها.

- وتأسيسا على كل ما سبق نضع على أنفسنا فى «اليوم السابع» عهدا جديدا، نشارك فيه النيابة بقيادة النائب العام المستشار هشام بركات وكل رجالها هم الوطن، وهم الوصول إلى العدالة، والحفاظ على هذا الجهاز النبيل الذى لا يدخر جهدا فى عمله، ويتحمل مسؤوليته بكفاءة فى هذه الظروف الصعبة التى تمر بها مصر، وليس خافيا على أحد أن هناك قوى تستهدفه، وتعمل على إثارة البلبلة حوله، وذلك بهدف إثارة الفوضى وزعزعة الثقة فيه، وبالتالى فإن اليقظة والتنبه لكل تلك من الأمور الواجبة والحتمية، ليس على صعيد مهنة الصحافة وفقط، وإنما على صعيد كل الدوائر الشعبية والسياسية، وليس خافيا على أحد أن النائب العام الحالى المستشار «هشام بركات» تولى مهمته الثقيلة، بعد فترة لمسنا فيها جميعا محاولة حكم جماعة الإخوان إلى جر سلك النيابة النبيل لمعارك غريبة وغير مسؤولة من الجماعة التى كانت تحكم بمفاهيم وممارسات تخريبية، لكن «سلك النيابة» ظل متيقظا لذلك، ناضل من أجل الحفاظ على تماسكه ووحدته وكفاءته.

- نبادر بأنفسنا فى «اليوم السابع» خلال المرحلة المقبلة، أن نعمل داخليا ميثاق شرف حول القضايا التى تتعلق بأمن الدولة، والأمن القومى، وأن نلتزم بما هو رسمى، والتأكد من المعلومات التى نحصل عليها من مصادرها الشرعية، ولا يعد ذلك كما قد يظن البعض بأنه نوع من الاستسهال الصحفى الذى قد يؤدى بنا أو بمن يتبع نفس النهج إلى تحويل الصحف لنشرة رسمية، وإنما هو بغية الوصول إلى حقيقة عبر مصادرها الرسمية التى نثق ونحن فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، بأنها لن تتوانى فى مد الصحف بالحقيقة كاملة من أجل مرضاة الله والوطن، وفى قلب هذه الأجهزة تأتى أجهزة النيابة بكل ما تبذله من جهد نبيل نكرر التأكيد عليه فى كل وقت.

- وأخيرا وكما هو معروف فى العمل الصحفى هناك ما يسمى بـ«الكود» الذى يجب أن تستدعيه الجماعة الصحفية الذى يتناسب مع كل مرحلة، ونحن الآن نرى أن هناك كودا رئيسيا وهو ضرورة الحفاظ على أمننا القومى، وذلك بمسؤولية وطنية يتكاتف حولها الجميع، ولا نطرح ذلك من قبيل التعبيرات السياسية التى قد يؤولها البعض بأنها دعوة إلى تكميم الأفواه، والحد من حرية التعبير، وإنما بالحرية المسؤولة التى تبنى ولا تهدم، ترتقى ولا تخفض، تنقلنا إلى مستقبل أكثر طمأنينة وثقة، تعيد إلى مهنة الصحافة بهاءها ورونقها، وهو ما تدعو إليه «اليوم السابع» وتعمل له بمسؤولية وطنية، وبقدر ما تمتلك «اليوم السابع» شجاعة القول والإقدام بحثا عن الحقيقة، فإنها تمتلك فى نفس الوقت قدرتها على تجديد الحديث إلى نفسها بالتغطية والحرص فى كل المسائل التى تتعلق بالأمن القومى، والتعامل مع تحقيقات النيابة، ونيابة أمن الدولة العليا فى جميع القضايا التى تتصدى لها بروح وطنية لافتة.

ولأننا نؤمن فى «اليوم السابع» بأننا لا نغرد وحدنا فى السرب الصحفى، ندعو الجميع من الجماعة الصحفية، أن تعلو بمسؤوليتها الوطنية وهى كذلك بالفعل، حتى لا يذكرنا التاريخ بأننا كنا فى المعركة الخطأ، فذاكرة التاريخ لا يمحوها أحد.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة