عطر الأحباب.. 91عاما على رحيل صاحب «بلادى بلادى».. سيد درويش.. فيلم بديع يؤرخ لحياة أعجوبة الموسيقى العربية.. بدرخان أخرج الفيلم وكرم مطاوع يقنع المشاهدين بأنه سيد درويش فعلاً فيبكون عند موته المفاجئ!

الجمعة، 19 سبتمبر 2014 11:11 ص
عطر الأحباب.. 91عاما على رحيل صاحب «بلادى بلادى».. سيد درويش.. فيلم بديع يؤرخ لحياة أعجوبة الموسيقى العربية.. بدرخان أخرج الفيلم وكرم مطاوع يقنع المشاهدين بأنه سيد درويش فعلاً فيبكون عند موته المفاجئ! فيلم سيد درويش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

كان على المصريين أن ينتظروا 43 سنة بعد وفاة سيد درويش حتى يشاهدوا قبسًا من حياته على الشاشة، فقد رحل أعجوبة الموسيقى فى 15 سبتمبر 1923، وليس 10 سبتمبر كما هو شائع فى المواقع الإلكترونية، بينما عرض فيلم «سيد درويش» فى 5 أكتوبر سنة 1966، وأغلب الظن أن سبب تأخر السينما فى الالتفات إلى ضرورة إنجاز فيلم عن صاحب «بلادى بلادى» يعود إلى أن الفترة الطويلة التى أعقبت رحيله كنا نعانى فيها الضيم والظلم تحت الاحتلال الإنجليزى من ناحية، والعهد الملكى بفساده وجبروته من ناحية أخرى، وأغنيات سيد درويش كانت تدين الاحتلال بوضوح، وتفضح الظلم الاجتماعى بذكاء، لذا كان من الصعب أن تتجسد شخصيته على الشاشة إلا فى عهد جديد تمامًا، تخلصت فيه مصر من كابوس الاحتلال ومن الملك، وحاول فيه النظام الناصرى أن يحقق قدرًا معقولاً من العدالة الاجتماعية!

إطلالة عامة

فى 4 يناير سنة 1892 مات فجأة الخديو توفيق، حاكم مصر، وبعد أقل من ثلاثة أشهر ولد سيد درويش، وبالتحديد فى 17 مارس من السنة نفسها، بعد أن آل الحكم إلى الخديو عباس حلمى الثانى، وكان الإنجليز قد مضى على احتلالهم لمصر عشرة أعوام فى ذلك الوقت، وبعد أن أخفق عرابى ورجاله فى صد الهجوم الإنجليزى خفت صوت الحركة الوطنية فترة طويلة حتى أشعله مصطفى كامل قبل نهاية القرن التاسع عشر مباشرة.


هند رستم
فى عام 1892 أيضًا كان عبده الحامولى، ومحمد عثمان هما «لات الغناء وعزاه» فى مصر، وكان الطابع العثمانى هو المسيطر على الذوق الموسيقى، خاصة فى قصور وسرايات الباشوات والبكوات، ومعظمهم ليسوا مصريين بالمناسبة، إنما أتراك وألبان وجراكسة، بينما لم يستطع المصريون أن يبتكروا موسيقى خاصة بهم إلا فى مجال الإنشاد الدينى، أو الغناء الشعبى البسيط فى الريف.

فى الفترة التى ولد فيها سيد درويش أيضًا كانت مصر قد بدأت الشروع فى اقتحام العصر الحديث، فأُنشئت المصانع التى تنتج من أجل السوق، وأُسست البنوك «البنك الأهلى 1898»، وعرفنا الطريق إلى مجلس نواب، ولا تنس أن أحد مطالب عرابى من الخديو توفيق كان تشكيل مجلس نواب على النسق الأوروبى، وكان ذلك قبل ميلاد سيد درويش بأحد عشر عامًا.

كذلك مضت القاهرة - والإسكندرية إلى حد ما - فى نزع ثياب العصور الوسطى، والتزين بملابس المدينة الحديثة، تلك المدينة التى تخلقت فى أوروبا، مثل لندن وباريس وروما، فامتلأت القاهرة بالمسارح ودور اللهو والكباريهات حتى يجد الأثرياء متسعًا للترفيه، وأُصدرت الصحف والمجلات، وأُسست المدارس الثانوية، ولا تنس أن الجامعة المصرية ومدرسة الفنون الجميلة تم تشييدهما فى عام 1908.
هذا باختصار هو المناخ الذى احتضن طفولة وصبا عبقرى الموسيقى سيد درويش، حيث كان تعداد مصر كلها لا يتجاوز 9 ملايين نسمة تقريبًا.

روعة الفيلم

يبدأ فيلم سيد درويش «مدته ساعة و52 دقيقة على موقع يوتيوب» بلقطة قريبة للبحر الأبيض، مكتوب عليها تاريخ 17 مارس 1892، حيث نشاهد عددًا من الصيادين يلقون «صناراتهم»، ثم ينتقل المخرج أحمد بدرخان إلى حارة كوم الدكة فى حى شعبى، لنرى محل نجارة المعلم «درويش البحر» الذى يعتريه قلق كبير على زوجته لأنها فى حالة وضع، ثم يأتيه - ويأتينا - الخبر السعيد بميلاد الابن سيد.
فى أثناء ذلك تظهر الأسماء على إيقاع موسيقى «عطشان يا صبايا» لدرويش نفسه، فنعرف أن الفيلم من إنتاج الشركة العامة للإنتاج السينمائى العربى، وهى تابعة للحكومة المصرية آنذاك، ثم يأتى اسم الفيلم «سيد درويش» بخط الثلث البديع، وتتوالى أسماء الممثلين هند رستم، وكرم مطاوع، وأمين الهنيدى، وغيرهم بخط النسخ الرائق «عادل إمام لعب دورًا صغيرًا، وهو صبى العالمة المخنث»، أما القصة والسيناريو والحوار فمن نصيب محمد مصطفى سامى، وقد شاركه سامى داود فى كتابة السيناريو فقط. كذلك تولى محمد إبراهيم الإشراف على المادة التاريخية، وصمم المناظر عبدالفتاح البيلى «وكان يقوم بتعليمنا فنون الديكور المسرحى فى كلية الفنون الجميلة بالزمالك فى مطلع ثمانينيات القرن الماضى».
لا أحد يعرف حتى الآن لماذا اختار المخرج بدرخان المطرب إسماعيل شبانة - شقيق عبدالحليم الأكبر - ليؤدى كل أغنيات الفيلم، التى هى أغنيات سيد درويش نفسه، بالرغم من أنه لا يحظى بشهرة كافية، هل لأنه يتمتع بصوت حنون وقوى يشبه إلى حد ما صوت سيد درويش نفسه؟ أم لأنه تخصص فى أداء أدوار ومواويل خالد الذكر؟، وبالمناسبة.. أظن أن أول من تمتع بهذا اللقب هو سيد درويش ذاته؟، ولا تنس أن المخرج بدرخان ولد عام 1909، أى أنه كان يبلغ 14 سنة عند رحيل صاحب «سالمة يا سلامة»، وبالتالى يمتلك من الذكريات والحكايات والوقائع ما يجعله يطمئن إلى صوت إسماعيل شبانة.
بقى أن تعرف أن المخرج على بدرخان، ابن أحمد بدرخان، عمل فى الفيلم مساعد مخرج، وأن الصبى هانى شاكر جسد شخصية سيد درويش فى صباه، وتشارك مع محمد الفيومى، ومرسى الحريرى فى الإنشاد الدينى.

حصاد موسيقى مدهش

سيد درويش

بذكاء شديد أوضح المخرج كيف بدأت موهبة سيد درويش فى النمو وهو صبى، وكيف أصقلها بالدراسة فى الملجأ الإيطالى، حيث تلقى دروسًا فى علم الموسيقى الحديثة، بجانب انخراطه فى ترديد الأناشيد الدينية التى قلد فيها الشيخ إسماعيل سكر، كذا أبان لنا بدرخان كيف انغرست فى روحه مشاعر عشق الوطن من خلال مصرع صديقه حسن، على يد جندى إنجليزى مخمور، وحين أنصت إلى خطبة للزعيم مصطفى كامل يبوح فيها بحبه لمصر حبًا جمًا.

هذه الخلفية التاريخية لنشأة الضمير الوطنى عند سيد درويش تفسر لنا حماسته لثورة الشعب فى 1919، وانشغاله بإنجاز أغنيات تعبر عن نهضة المصريين عقب هذه الثورة مثل «بلادى»، و«قوم يا مصرى»، و«أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا»، وغيرها كثير.

أما أجمل ما فى هذا الفيلم فيتمثل فى احتشاده بأبرز وأهم أعمال سيد درويش، إذ استمعنا إلى أكثر من عشرين عملًا لحنها وغناها الراحل العبقرى، والتى تنوعت بين الغناء الوطنى والعاطفى والاجتماعى، لكن ما يهمنا قوله إن سيد درويش هو أول ملحن ومطرب مصرى يخاطب ابن المدينة الحديثة باللهجة القاهرية اللطيفة والطرية، وليس ابن الريف أو الصعيد، حتى لو شدا بأغنية مثل «الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية»، أو «يا حلاوة أم إسماعيل فى وسط عيالها»، لأنها أغنيات تمتدح الريف من خارجه، من حيث الكلمات واللحن والأداء.

كرم مطاوع

أنت تعرف الفيلم وتفاصيله، فهو يُعرض كثيرًا فى الفضائيات، لكن رجاء تذكر المشهد الأخير، حيث غادر القاهرة فجأة حين علم بعودة سعد زغلول من المنفى، متوجهًا إلى الإسكندرية ليكون فى استقباله فى الميناء مع الكورال الذى سيغنى له «مصرنا وطنّا/ سعدها أملنا»، وبالفعل يجرى البروفة الأخيرة، ويؤكد على فرقته الوجود فى الميناء فى السابعة صباحًا، ثم يهمس لصديقه أنه يحلم بالذهاب إلى إيطاليا لدراسة الموسيقى، وأنه سيتوقف عن تناول المخدرات، ثم يطلب من الحوذى أن يتوجه نحو محرم بك، حيث يرغب فى زيارة شقيقته، وهناك فى بيت أخته يصارع تعبًا واختناقًا حتى يسقط ميتًا على أرض الغرفة!
فى ظنى أنه ما من أحد لا يتأثر - تذرف دموعه إن شئت الدقة - على مشهد النهاية الذى وُفق فيه كرم مطاوع بشكل مدهش، لنسمع صوت سيد درويش يدندن بمطلع أغنيته الموفورة الصيت «أنا هويت وانتهيت»!

«سيد درويش» فيلم جميل يفصح ويبوح ويحكى سيرة رجل عظيم من أبناء مصر الموهوبين.


موضوعات متعلقة..


محمد غنيم يكتب: أغنيات سيد درويش.. حفاوة بالوطن والناس والجمال

حازم حسين يكتب: سيد درويش.. قيادة الحناجر من الزخرفة إلى التعبير

أحمد حسن عوض يكتب: سيد درويش.. نبضت فى قلبه العروبة

alt="..." title="..."/>








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة