قال عبد الله رينات محمدوف الخبير فى مجلس مفتى عموم روسيا ونائب مدير مؤسسة دعم المبادرات الإنسانية "التايير" (موسكو)، إن المسيحية والمسيحيين هم جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية، وأن الحفاظ على هذا التراث العظيم وضمان الحوار بين الأديان وحماية المساواة ليست فقط ضرورة حتمية وهامة لضمان الاستقرار السياسى للدول الإسلامية، وإنما هى أيضًا واجب دينى لأتباع النبى محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وأوضح محمدوف فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أنه فى هذا الإطار كانت روسيا دائمًا وستظل حليفًا لكل من يبنى حياته على أساس القيم التقليدية الإنسانية، لأولئك الملتزمين بمبادئ العدالة والتنمية والاحترام المتبادل.
وأضاف محمدوف أن الحضارة الإسلامية شملت منذ ولادتها عنصراً هاماً من الحضارة المسيحية، حتى أنه هناك فى الحديث الشريف والسيرة النبوية الكثير من الأمثلة التى تدل على العلاقة مع المسيحيين حتى أن هناك وصفا مفصلا عن لقاء محمد -صلى الله عليه وسلم- مع الراهب المسيحى بحيرة خلال زيارته مع عمه لبلاد الشام، ووفقًا للسيرة النبوية فإن بحيرة تنبأ بمستقبل عظيم للصبى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وطلب من عمه أبى طالب أن يرعاه وقال له: "خذ ابن أخيك وارجع به إلى مكة فوالله لو وصلت به إلى الشام ورآه الأعداء ليعرفونه وإذا عرفوه ليقتلونه".
وأشار محمدوف إلى أنه منذ البداية ضمت الدولة التى أسسها محمد -صلى الله عليه وسلم-، أهل الكتاب مثل اليهود والمسيحيين ومنذ ألف سنة قبل إعلان بيل البريطانى عن حقوق الإنسان تم الإعلان فى المدينة المنورة عن مبادئ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، بغض النظر عن الدين والمعتقد وقتئذ حذر نبى الإسلام -صلى الله عليه وسلم- أصحابه من انتهاك حقوق أهل الكتاب قائلاً "إن من يسىء للنصارى أو اليهود، مطرود من رحمة الله وسيلقون عذابًا أليمًا".
وأكد محمدوف أنه من المعروف أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- استقبل رسلاً لإحدى القبائل المسيحية فى مسجده فى المدينة المنورة، التى هى حاليًا مغلقة أمام أهل الكتاب وعندما تعرض أول المسلمين إلى اعتداء من الوثنين اختبئوا عند ملك الحبشة المسيحى وعندما بدأت الفوضى تنتشر فى تلك البلاد حمل المسلمون السلاح ودافعوا عن البلد الذى استضافهم وآواهم.
وأشار محمدوف إلى أن القرآن الكريم ذكر المسيحيين فى آياته بسم الله الرحمن الرحيم "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون" صدق الله العظيم.
وكتب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى رسالته للمسيحيين فى شبه الجزيرة العربية: "هذا كتاب إلى كافة الناس أجمعين بشيرًا ونذيرًا ومؤتمنًا على وديعة الله فى خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وكان الله عزيزًا حكيمًا، كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها فصيحها وعجيمها معروفها ومجهولها كتاباً جعله لهم عهداً. لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شىء من بناء كنائسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين فمن فعل شىء من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزية ولا غرامة وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر فى المشرق والمغرب والشمال والجنوب وهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى من كل مكروه فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين".
وأوضح محمدوف أن النبى محمد "ص" أكد للحكام المسيحيين أن الإسلام يحترم المعتقدات المسيحية حيث جاء فى القرآن الكريم: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله" كل ذلك عرفه وفهمه المسلمون على مدى قرون من الزمن ولم يكن لديهم سبباً لكى يتعاملوا مع المسيحيين بشكل آخر خلافاً لما كان يتعامل معهم النبى محمد "ص".
وفى هذا الإطار كتب أحد معاصرى الفتوحات الإسلامية البطريرك النسطورى الكاثوليكى تيموثاوس الأول: "إن العرب، الذين منحوا العزة والقوة من الله عز وجل على العالم أجمع، هم فى هذه الأيام ليسوا فقط لا يعارضون المسيحية وإنما يكرمون الكهنة والقديسين ويقدمون المساعدة للكنائس والأديرة".
ولعب المسيحيون دوراً بارزاً فى الخلافة العربية، وقد كان أحد الوزراء وبعض القائمين على الخزانة المالية فى الدولة الإسلامية من معتنقى المسيحية، علاوة على أن المسلمين كانوا يقدرون عالياً العلماء المسيحيين.
وأوضح محمدوف أن القضية تكمن فى أن أتباع الإسلام والمسيحية العرب قليلاً ما يختلفون فيما بينهم فى الحياة اليومية والثقافة والتقاليد والأعراف فقط فى الآونة الأخيرة بدأت النساء المسلمات يختلفن قليلاً عن المسيحيات فى شوارع المدن الكبرى لمنطقة الشرق الأوسط.
وأشار محمدوف أن اليوم يعمل أعداء الإسلام والمسيحية ويحاول أعداء الحضارة الإسلامية تأجيج الصراع بين مختلف الأديان والطوائف، وفى هذا السياق يسعى هؤلاء عمداً إلى تضخيم النزاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحلية ويظهرونها على أنها صراعات دينية حضارية لا يمكن التغلب عليها وهم من خلال تأليب المسلمين ضد المسيحيين يستغلون جهل الناس بدينهم وتاريخهم.
وأكد محمدوف أنه لابد هنا أن نذكر أولئك الذين لا يعرفون الشريعة الإسلامية حق المعرفة، بما فى ذلك أولئك المسلمين الذين وقعوا فى مصيدة جهلهم، بأن الهدف من الإسلام ليس جعل جميع الناس مسلمين مهما كانت الوسائل، خاصة عن طريق استخدام القوة والسيف فالواجب الرئيسى يكمن فى نقل معنى رسالة القرآن الكريم وتفسيره للآخرين.
وأضاف محمدوف أن الله عز وجل منح للإنسان حرية الاختيار، وعلى أساس حرية الاختيار هذه يكمن معنى الثواب والعقاب الإلهى للإنسان على اختياره نمط الحياة وعلى أعماله وسلوكه. وبالتالى فإن حرمانه من حرية الاختيار يتناقض تماماً مع معنى خلق الله عز وجل للإنسان وعليه فإن المسلمين لا يملكون الحق فى تجاوز الوصايا وأن يفرضوا الشريعة الإسلامية على الآخرين، لأن ذلك يتعارض بوضوح مع ما جاء به القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم "لا إكراه فى الدين فقد تبين الرشد من الغى" والآية التى تقول: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" صدق الله العظيم.
وأشار محمدوف إلى أن كما هو الحال فى العالم الإسلامى فإن روسيا والحضارة الروسية مبنية على ركيزتين أساسيتين هما المسيحية وفق الطقوس الشرقية والإسلام، ولكن بتناسب عكسى تماماً فإذا كان هناك فى العالم الإسلامى يعيش عشرة بالمئة من السكان المسحيين، فإنه فى روسيا يعيش عشرة بالمئة من السكان المسلمين وهؤلاء الآخرين، كما هو الحال مع مسيحيى الشرق الأوسط، يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من التاريخ الروسى والدولة والمجتمع.
ونوه محمدوف أنه مع التعبير عن قلق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والكنيسة الروسية إزاء وضع المسيحيين فى الشرق الأوسط، أدانت موسكو بشدة نشر الرسوم المسيئة للنبى "ص" فى وسائل الإعلام الغربية وغيرها من محاولات التجديف ضد الإسلام وها هى موسكو لأكثر من نصف قرن تؤيد القضية الفلسطينية وتستقبل دائماً ممثلين عن حركتى فتح وحماس، كما أن العاصمة الروسية ترحب على الدوام المساعدات التى تقدمها الدول الإسلامية للمسلمين فى روسيا الاتحادية.
وصرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأن روسيا هو بلد إسلامى أيضاً، وإن مسلمى هذا البلد هم جزء من العالم الإسلامى، وهم يتمتعون بكامل الحقوق التى يتمتع بها العالم الإسلامى لأن الشىء الرئيسى فى سياسة روسيا على الساحة الدولية يكمن فى الالتزام الثابت والمعلن بشأن حوار الحضارات والأديان ومبادئ حرمة القانون الدولى وتعزيز دور الأمم المتحدة والتنمية المستدامة والمساواة بين الجميع بغض النظر عن الانتماء الدينى، وهذه هى المبادئ والمفاهيم الأساسية والتى من خلال الامتثال بها يمكن الحديث عن التوازن والاستقرار العالمى والسلام والرخاء للدول ذات السيادة.
خبير بمجلس مفتى روسيا: أعداء الإسلام يحاولون تأجيج الصراع بين مختلف الأديان
الأحد، 14 سبتمبر 2014 04:12 م
الرئيس الروسى فلاديمير بوتين
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة