د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: الخطاب الدينى وحكمة الإدارة النبوية للأزمات..كان النبى بفطنته يُنهى منازع الخلاف بشكل قاطع مع حماية المجتمع الإسلامى من آثار الأزمة

السبت، 13 سبتمبر 2014 09:07 ص
د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: الخطاب الدينى وحكمة الإدارة النبوية للأزمات..كان النبى بفطنته يُنهى منازع الخلاف بشكل قاطع مع حماية المجتمع الإسلامى من آثار الأزمة د. شوقى عبدالكريم علام
"نقلاً عن العدد اليومى"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شك أن عالمنا اليوم على وجه العموم وأوطاننا على وجه الخصوص تتعرض لهزة عنيفة جراء مجموعة من الأزمات المختلفة على الأصعدة كافة، وهذه الأزمات لا بد أن تستحث القائمين على الخطاب الدينى للتركيز على تشخيص الداء ووصف العلاج الناجع، خاصة أن هذا الخطاب الدينى يستمد أهدافه وأدواته وموضوعاته من النبع الذى لا ينضب من كتاب الله تعالى القرآن الكريم، ومن السنة النبوية المطهرة، ولنا فى رسول الله تعالى الأسوة الحسنة فى إدارته للأزمات المختلفة التى تعرض لها قبل وبعد الدعوة الإسلامية.

فسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمثل لنا أرضًا خصبة للتأمل وأخذ الأسوة فى معالجة الأمور وإدارة جميع ما يعن لنا من مصاعب وخطوب؛ فقد كانت له عليه السلام طريقة فريدة فى إدارة الأزمات وفق حكمة سديدة؛ فقد كان عليه السلام بفطنته يُنهى منازع الخلاف بشكل قاطع، مع حماية المجتمع الإسلامى من آثار الأزمة، بل يعمل على الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة فى الإصلاح والتطوير، واتخاذ إجراءات الوقاية لمنع تكرار الأزمة أو حدوث أزمات مشابهة لها.

فالخطاب الدينى اليوم فى ظل هذه الأزمات لا بد أن يعرج على مثل هذه النقاط، ويحث المسلمين على رؤية آثار الحكمة النبوية فى تلك المعالجات فى السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها؛ فمن ذلك أنه قبل البعثة أعادت قريش بناء الكعبة على أساس قواعد إبراهيم عليه السلام، حتى بلغ البنيان موضع الركن، فأرادت كل قبيلة أن ترفع الحجر الأسود إلى موضعه دون الأخرى، فاختصموا وأوشكوا على الاقتتال، ولما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال: «هَلُمَّ إلىَّ ثوبًا»، فَأُتِىَ به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال: «لتأخذْ كلُّ قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعًا»، ففعلوا حتى إذا بلغوا موضعه فوضعه هو صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ثم بنى عليه.

وعندما نقرأ ونحلل هذا الموقف العظيم ونلحظ هذا التفكير السليم والرأى الصائب نجد أن النبى صلى الله عليه وسلم قد حسـم الخلاف بين قبائل مكة وأرضاهم جميعًا، وجَنَّبَ بلده وقومه حربًا ضروسًا شحذت كل قبيلة فيها أسنتها.

وإذا ما ذهبنا إلى ما بعد بعثته صلى الله عليه وسلم نجد أن المسلمين قد واجهوا الكثير من الأزمات مختلفة الأشكال؛ بين تعذيب لكل من أسلم، وحصار فى شعب أبى طالب، ثم بعد الهجرة أخذت المواجهات بين المسلمين والكفار اتجاهًا أشد ضراوة من مثل ما صوره القرآن فى واقعة الأحزاب، قال تعالى: «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا».

وعندما عرف أعداء الإسلام بعد الحروب الطويلة مع المسلمين أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح، قرروا أن يشنوا حربًا دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية، وذلك من خلال المنافقين من سكان المدينة؛ فكانوا يستفزون المسلمين ويمارسون حربًا نفسية معهم؛ حتى طالت بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فيما كذبوا عليه فى حادثة الإفك.

لكننا إذا ما رأينا وتتبعنا كيف كان تصرف النبى صلى الله عليه وسلم وكيف تعامل مع هذه الحادثة، فإننا نجد أنه صلى الله عليه وسلم استطاع الإمساك بزمام هذه الصعاب والوصول بالمسلمين إلى بر الأمان بحكمته وإدارته الواعية لتلك الشدائد، من حيث إدراك الواقع على ما هو عليه، والحكمة فى معالجة الأمور، واعتبار المقاصد والمآلات، والاستفادة من الأزمة لما بعدها، والعمل على عدم تكرارها، وكسب أرض جديدة منها، حتى تكون المحنة منحة والنقمة نعمة بإذن الله.

ومما عاناه المسلمون كذلك من المرجفين وأصحاب الأهواء والمصالح الضيقة فى المدينة، وكان سبيل الخلاص من كل ذلك حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم حينما بلغه قول عبدالله بن أُبى ابن سلول فى حق المسلمين: «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل»، فأراد عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يقتله، فقال له رسول الله: «فكيف يا عمر إذا تَحَدَّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟!»، وجاء فى رواية: «فَذَكَرَهُ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِى النَّاسِ بِالرَّحِيلِ لِيَشْتَغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ».

فهنا ظهرت حكمته صلى الله عليه وسلم فى معالجة الفتنة وإخماد نيرانها قبل أن تشتعل، حيث وجههم إلى الرفق واللين، من أجل أن يخمد الشر قبل أن ينتشر كالنار فى الهشيم، ثم أمر أصحابه بالرحيل فى وقت ليس من عادته الرحيل فيه، ليشغلهم بالترحال عن حديث الفتنة فيئدها فى مهدها.

لذلك فعلى الخطاب الدينى أن يسوق مثل هذه الأمور التى نجح النبى صلى الله عليه وسلم فى علاجها، ويحث الأمة على التحلى بشىء من حكمة النبى صلى الله عليه وسلم فى إدارة الأزمات وحل المعضلات، ويعلمهم أن ليس لنا مخرج أو سبيل للخروج من كل ذلك إلا بالامتثال والتحقق بما أمرنا الله تعالى به فى حقه صلى الله عليه وسلم، حيث قال سبحانه وتعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»، فإذا فعلنا ذلك كان نبراسًا لنا يهدينا سواء الصراط نحو مستقبل مشرق للأمة العربية والإسلامية التى تحاصرها الأزمات وتعتصرها الملمات فى وقت حرج تزداد فيه المشكلات من كل حدب وصوب، وتتكالب فيه الشرور علينا كما تتكالب الأَكَلَة على قصعتها.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

mostafa

الله اكبر على العلم والعلماء اللى كلامهم بلسم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة