أكرم القصاص يكتب فى رحيل البهجة: أحمد رجب.. ناظر مدرسة السخرية الصافية والضحكة المرة..الكاتب الكبير يكشف سر الغرفة 53 فى أخبار اليوم والدرس الأول من على أمين..واخترع شخصيات عبده مشتاق وكمبورة
السبت، 13 سبتمبر 2014 12:45 م
وداعاً ملك الساخرين
"نقلاً عن العدد اليومى"
أكرم القصاص يكتب:
الكاتب الكبير يكشف سر الغرفة 53 فى أخبار اليوم والدرس الأول من على أمين
اخترع شخصيات عبده مشتاق وكمبورة وجنجح وكحيت وعبد الروتين ومطرب الأخبار وتحولت إلى لحم ودم
يقول: عندما تكون النكتة فلكلورية مصدرها الشعب تصبح معمرة وتعيش حتى تصل إلى الناس جميعا
خلافات فرقت بين رجب ومصطفى حسين لفترة عادا بعدها ورحلا فى شهر واحد
أحمد رجب ناظر مدرسة فى فن السخرية، لا تقف عند حدود إطلاق الإفيهات، أو المونولوجات، لكنها تتعامل مع السخرية بقدر من الدقة والموهبة، وبتركيز وتلخيص قدم نقدا سياسيا واجتماعيا، وهذا النوع من الكتابة الساخرة، نادر فى الأدب، لا يكون ساخرا لذاته، لكنه يوظف أفكاره وثقافته، فى الوصول لأقصى درجات النقد، التى تعالج دون أن تجرح، ولا تسعى إلى زغزغة القارئ.
وتحتفظ الذاكرة الجماعية بالقليلين من هؤلاء، الذين يقدمون سخريتهم مرتبطة بالأوضاع المحيطة، وليس فقط الكتابة اللحظية، والحرص على إضحاك المتلقى، وهو النوع الذى أجاده كل من أحمد رجب ومحمود السعدنى كل بطريقته، وتنتمى أكثر إلى مدرسة عبدالله النديم وبيرم التونسى ومحمد عفيفى، حيث السخرية وسيلة للنقد، وليست غاية وعلى رأس هؤلاء أحمد رجب، الذى بقى طوال أربعين عاما إحدى العلامات التى تعرف بها الأخبار وأخبار اليوم، ورحل عن عالمنا أمس، وتم تشييعه من أخبار اليوم حيث قضى أكثر من نصف قرن.
صعد أحمد رجب عالم الكتابة والصحافة من أوله، ولأكثر من نصف قرن ارتقى العمل الصحفى وتولى سكرتارية التحرير وإدارته بجانب كتابته، التى اكتشفها على ومصطفى أمين، وأمسكا بها. وقررا دفعه وتبنيه أيام كانت الموهبة هى الأصل فى العمل والحياة، وليس الوساطة أو الوراثة.
لأحمد رجب فلسفته الخاصة فى النكتة ويقول: عندما تنطلق حرية التعبير وتوجد صحافة الرأى الآخر، تكتب ما تشاء وتنكت كما تريد بالكلمة والكاريكاتير، الآن النكت السياسية والهمسات الضاحكة تختفى من أفواه الناس وتتخذ مسارها الطبيعى عبر الإعلام العلنى، أو الصحيفة أو التلفزيون، تصل إلى كل الناس وتصبح قديمة. لكن عندما تكون النكتة فلكلورية مصدرها الشعب تصبح معمرة وتعيش زمنا طويلا حتى تصل إلى الناس فردا فردا عن طريق الهمس.
والنكت الشعبية تختلف من شعب لآخر، فهناك نكتة مثلا تتناول جنون بعض حكام العالم الثالث بالأوسمة والنياشين التى ترصع بدلاتهم العسكرية، وعلى سبيل المثال قيل إن عيدى أمين ملأ بدلته بالنياشين ولم يبق فيها إلا مكان واحد لو وضع فيه نياشين جديدة، فسوف يتعذر عليه الجلوس.
سر الغرفة 53 بأخبار اليوم
«قضيت نصف عمرى فى الغرفة رقم 53، بمبنى أخبار اليوم، والغرفة 53 تاريخية، أول من اتخذها مكتبا هو توفيق الحكيم.. وأنا أحملق فى أجواء الغرفة 53 وأتساءل: كيف لم أحظ من هذه الغرفة بإشعاعات الفكر والفن التى تركها توفيق الحكيم فى هذا المكان فأفكر مثله وأبدع مثله؟ وتبين لى أن السبب أننى غيرت موضع مكتبى من الغرفة حيث كان يجلس توفيق الحكيم ونقلته إلى الجانب الآخر حيث كان مربط حمار الحكيم».
يعتبر أحمد رجب أن النفاق هو أكبر أعداء الإنسان، وأحد عناصر التخلف، وبطريقته يعبر عن ذلك قائلا: «والنفاق صفة إنسانية تميز بها الإنسان عن الحيوان لأن الحيوانات لا تنافق أبدا، ويقول المنافقون: لو كان الحمار الوحشى مثلا تعلم كيف ينافق الأسد لنجا من أظلافه وأنيابه، ويضيف المنافقون: لكن الحمار الوحشى لا يعرف النفاق لأنه حمار.
ويقول أحمد رجب: لو كانت الحيوانات فى حدائق الحيوان تنافق الإداريين فيها لقرأنا فى حركة الترقيات أن القرد رقى إلى نمر، والنمر إلى أسد والأرنب إلى ذئب. ونزل الأسد إلى درجة بغل أسترالى والزرافة إلى غزالة، والفيل إلى شمبانزى والنسر إلى دكر بط.
فى كتابه صور مقلوبة الصادر عام 1971، تألق أحمد رجب فى تقديم النقد الاجتماعى، سخر فيها من أفلام السينما التى عرفت بأفلام المقاولات، من خلال شخصية «خاميس فجلة» المخرج الذى يقدم أفلاما مثل «فاجعة فى البلكونة» والمنتج جا – موس بيه والموتى والمستشفيات وغيرها فضلا على البيروقراطية والنفاق والكرة والإذاعة والفهلوة والأدب والامتحانات.
وتتوالى أعمال الكاتب الكبير التى تجمع بين الدراما والسخرية والنقد، بشكل يمتع القارئ التركيز والتلخيص «احترم وقت القارئ اكتب باختصار وتركيز، لا وقت عند القارئ للت والعجن»، درس على أمين الذى كان أحمد رجب الأكثر استفادة منه وأنتج نص كلمة أحد أهم الأعمدة الصحفية وأكثرها تأثيرا وإسعادا للقراء. النقد الذى يهدم القيم المتوطنة والأمراض المتوطنة فى الثقافة.
مشتاق وكمبورة وجنجح شخصيات مدهشة
اخترع أحمد رجب شخصيات وعبر عنها بالرسم الرسام الراحل مصطفى حسين، الذى شكل مع أحمد رجب ثنائيا كان يطل على القراء كل صباح، منها عبده مشتاق، أو عباس العرسة، أو جنجح عبد الروتين.
كمبورة سياسى فاسد من أصحاب السوابق، أصبح ذات صباح حضرة صاحب الحصانة السيد العضو كمبورة بيه. أخذ لغته من زمن الانفتاح التى ابتدعت ألفاظ الأرنب والنص أرنب والباكو والأستك والتمساحة والخنزيرة، يخلط بين الفهلوة والهجص، وكان ينطبق على كبار السياسيين الذين ظهروا وقتها مع الحزب الوطنى وشغلوا مناصب.
أما «عبده مشتاق» فقد كان ممثلا لشخصيات كثيرة كانت تقدم نفسها فى الإعلام على أنها الأصلح لتولى مناصب وزارية أو حكومية، وتضع نفسها فى الخدمة، ومن المفارقات الساخرة أن عبده مشتاق كان يظهر فى كاريكاتير أحمد رجب ومصطفى حسين بوصفه: أخصائى فى كل شىء اقتصاد وتكنولوجيا وسياسة، ووضع الكاتب الكبير عنوانا له «محل عصير عبدالجواد» ووضع رقم تليفون عشوائى وفوجئ بصاحب الرقم يشكو من أنه تلقى آلاف الاتصالات.
أما «جنجح» فقد كان مثالا للبرلمانى الغبى التابع للحزب فى كل شىء ومنفذ التعليمات، وظهر بعد ظهور حالات كثيرة لنواب من الحزب الوطنى لا يعرفون القراءة والكتابة، ورسمه مصطفى حسين وهو يرتدى طاقية على شكل قبة مجلس الشعب، ويردد التزامه بتأييد الحزب.
وابتكر رجب شخصية «كحيت» التى ارتبطت بـ«عزيز بيه الأليت» كان عزيز مليونيرا لا يشعر بمعاناة الناس ويتبعه «كحيت» بسيجار من عزيز بيه ويظهر إصبع قدمه من شبشب قديم، كان «كحيت» أقرب إلى أحلام يقظة للتطلع الطبقى.
كفر الهنادوة ومطرب الأخبار
وصباح كل يوم سبت فى «أخبار اليوم»، بركن صغير على يسار الصفحة الأولى، يظهر فلاح كفر الهنادوة بطاقية مليئة بالثقوب على صلعة لامعة، ولسان لاهث، وعيون فلاح ذكى، يجلس أمام الدكتور عاطف صدقى، رئيس الوزراء الأسبق، بأريحية المصطبة ينقل ما يحدث فى كفر الهنادوة، منتقدا المسؤول الكبير على لسان الواد سليم أبولسان زالف، ويختم بعبارة «يجعله عامر» كان يقدم شكاوى الناس، وانعزال الحكومة، وتطور الفلاح ليلتقى مع فتحى سرور رئيس مجلس الشعب، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، والرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتكررت الزيارات وبين انتقادات «أبولسان زالف» وذكاء الفلاح، ارتبطت الشخصية بالمصريين لتصبح الشخصية الأكثر جرأة وشهرة بين شخصيات أحمد رجب. والتى كانت سبب مشكلته مع ممتاز القط.
كما ابتكر أحمد رجب شخصية «مطرب الأخبار»
بصوته النشاز وإصراره على أن يكون مطربا، يفرض على الناس أغنياته الركيكة وألحانه المسروقة ويطالعهم كل صباح بأغنية تافهة، ظل يحتل الصفحة الأخيرة، وكان مع شخصيات أحمد رجب موضوع حوارات الناس وأحاديثهم الضاحكة. كان رجب ينتقد ظهور مطربين بلا موهبة ولا صوت ولكن خلطة من الادعاء والغش. وكان المطرب يتلقى علقة يوميا، ولا يتوقف. وطبعا كان هذا قبل ظهور طوفان الطرب الرهيب بعد ذلك.
وهى شخصيات تحولت إلى لحم ودم، فهاهو كمبورة يتقافز من حولنا هو وعشرات «الكنابير» الفهلوية الذين يسرقون الكحل من العين، والمشتاقون والأغبياء. وكان يقول: «إننى لا أكتب نكتا أو لقطات كوميدية، ولكنى أنقل بأمانة ما تفعله الحكومة».
وقد وقعت بعض الخلافات بين أحمد رجب ورفيقه مصطفى حسين وافترقا لفترة، ثم عادا فى السنوات الأخيرة، وكان السبب غالبا أن رجب كان أحيانا يشعر بظلم لكونه هو مبتكر الشخصيات الشهيرة، ومصطفى يرسمها كشريك، لكنه حصل أحيانا على كل الحق فيها. لكن العلاقة عادت بينهما، ومن المفارقات أن أحمد رجب ومصطفى حسين رحلا فى شهر واحد.
أزمة مع أخبار اليوم وممتاز القط
فى مارس 2006 تعرض الكاتب الكبير لأزمة بسبب سوء تقدير من ممتاز القط رئيس تحرير «أخبار اليوم» عندما تدخل القط وطلب من أحمد رجب حذف عبارات من الرسم الكاريكاتورى الذى يصدر صباح كل سبت لسنوات، لكنه رفض.. واختفى المقال، وكان الحذف يتعلق بعبارة ورد فيها اسم «جرجس أفندى»، وتلقى رجب اتصالا من ممتاز القط، طلب فيه حذف العبارة، ورفض أحمد رجب بغضب، وعندما أبلغه القط بأن الأمر قد ينطوى على فهم يضر بالوحدة الوطنية، أجابه رجب: «إنت هتعلمنى الوعى السياسى وإزاى أحافظ على الوحدة الوطنية؟!».. ثم أغلق السماعة، ولم يرسل فكرة الكاريكاتير أو المقال. وأرسل اعتذارا عن الكتابة لنشره مكان مقاله «الفهامة». يومها تردد أن سبب منع كاريكاتير فلاح كفر «الهنادوة» هو جهات عليا، وليس ممتاز القط، لكن أحمد رجب نشر فى عموده اليومى الشهير بجريدة «الأخبار» بعدها عن احتجاب كفر الهنادوة: الرئيس لا علاقة له باحتجاب «كفر الهنادوة».
كانت المرة الأولى منذ سنوات التى يفتح القراء أخبار اليوم ولا يطل عليهم أحمد رجب، وازدحمت الصحف والإنترنت وقتها بتعليقات لمئات من الكتاب والقراء، حول الموضوع، وفى المواقع التى تتيح لقرائها التعليق كشفت عن حجم التضامن مع الكاتب الكبير لدرجة أن عددا من القراء طالب بمقاطعة أخبار اليوم طالما تركها أحمد رجب. ويومها وجه البعض كلامه إلى رئيس التحرير ممتاز القط: «ده عمك أحمد رجب تعرف يعنى إيه أحمد رجب؟» وقال معلقا: «القوالب نامت والانصاص قامت، وقال العربى: منذ ثلاثين سنة تقريبا عندما كنت طالبا فى هندسة المنصورة وأنا أقرأ نص كلمة لأحمد رجب ولقد كان ساخرا كطبع المصريين.. ولم يحقق أحمد رجب من وراء عمله، مالا ولا جاها، باستثناء عدة ملايين من القراء، ومليارات من شهقات الإعجاب. أحمد رجب كاتب «يصعب الاستغناء عنه، أو استبداله»، رفض المساس بحق قارئه، أو حذف كلمة أو أكثر من مقاله، وهو أكبر من مجرد عمود أو نص كلمة، بل رمز لطريقة فى الكتابة، يصعب تكرارها. ورحل تاركا تراثا من السخرية والنقد الاجتماعى للأجيال.
لمعلوماتك..
«الكلام نوعان.. كلام فارغ وكلام مليان بكلام فارغ»
كلام فارغ
«يبكى الرجل عند مولده بلا سبب وبعد زواجه يعرف السبب»
الحب وسنينه
«كل إنسان ضعيف أمام النفاق، من الذى يرفض أن يقال له أنت الأذكى والأقوى والأصوب رأياً»
أى كلام
«المرأة هى التى تضع فوق لسان الرجل طلب الزواج منها، ثم تطلب مهلة لكى تفكر!
ضربة ف قلبك
«هناك فترتان مهمتان يعجز الرجل فيهما عن فهم المرأة: فترة ما قبل الزواج، وفترة ما بعد الزواج»
نهارك - سعيد
«يقال إن آخر وزير اتخذ قراره بدون انتظار التوجيهات هو الوزير الشجاع أمحوتب»
الفهامة
أحمد رجب فى سطور:
(20نوفمبر 1928–12 سبتمبر 2014)
- ولد أحمد رجب فى 20 نوفمبر 1928 فى صور، وحصل على ليسانس الحقوق
- أثناء دراسته فى الكلية أصدر مع آخرين مجلة «أخبار الجامعة»، كانت طريقه للتعرف على مصطفى وعلى أمين، وعمل فى مكتب «أخبار اليوم» فى الإسكندرية، ثم انتقل إلى القاهرة، تولى سكرتارية التحرير.
- كان له مقالة ساخرة يوميا فى جريدة الأخبار بعنوان «نص كلمة»
- شارك مع رسام الكاريكاتير مصطفى حسين فى كاريكاتير الأخبار وأخبار اليوم يوميا من أفكاره وألف شخصيات كاريكاتيرية.
من مؤلفاته:
- صور مقلوبة - ضربة فى قلبك - الحب وسنينه
- نهارك سعيد - كلام فارغ - فوزية البرجوازية
- توته توته - أى كلام - الفهامة - مطرب الأخبار
- الأغانى للأرجبانى - وآخرها.. يخرب بيت الحب
موضوعات متعلقة..
بالصور.."أخبار اليوم" تحتضن جثمان الكاتب الكبير "أحمد رجب"قبل دفنه بالإسكندرية.. المؤسسة تقيم سرداق عزاء للفقيد.. وتوافد رموز الصحافة للصلاة عليه بـ"عمر مكرم"..والوفد ينعيه:أثرى الحياة السياسية
تكثيف أمنى بمحيط دار أخبار اليوم قبل تشييع جثمان أحمد رجب
وصول جثمان "أحمد رجب" إلى "أخبار اليوم" لتشييعه من أمام المؤسسة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكرم القصاص يكتب:
الكاتب الكبير يكشف سر الغرفة 53 فى أخبار اليوم والدرس الأول من على أمين
اخترع شخصيات عبده مشتاق وكمبورة وجنجح وكحيت وعبد الروتين ومطرب الأخبار وتحولت إلى لحم ودم
يقول: عندما تكون النكتة فلكلورية مصدرها الشعب تصبح معمرة وتعيش حتى تصل إلى الناس جميعا
خلافات فرقت بين رجب ومصطفى حسين لفترة عادا بعدها ورحلا فى شهر واحد
أحمد رجب ناظر مدرسة فى فن السخرية، لا تقف عند حدود إطلاق الإفيهات، أو المونولوجات، لكنها تتعامل مع السخرية بقدر من الدقة والموهبة، وبتركيز وتلخيص قدم نقدا سياسيا واجتماعيا، وهذا النوع من الكتابة الساخرة، نادر فى الأدب، لا يكون ساخرا لذاته، لكنه يوظف أفكاره وثقافته، فى الوصول لأقصى درجات النقد، التى تعالج دون أن تجرح، ولا تسعى إلى زغزغة القارئ.
وتحتفظ الذاكرة الجماعية بالقليلين من هؤلاء، الذين يقدمون سخريتهم مرتبطة بالأوضاع المحيطة، وليس فقط الكتابة اللحظية، والحرص على إضحاك المتلقى، وهو النوع الذى أجاده كل من أحمد رجب ومحمود السعدنى كل بطريقته، وتنتمى أكثر إلى مدرسة عبدالله النديم وبيرم التونسى ومحمد عفيفى، حيث السخرية وسيلة للنقد، وليست غاية وعلى رأس هؤلاء أحمد رجب، الذى بقى طوال أربعين عاما إحدى العلامات التى تعرف بها الأخبار وأخبار اليوم، ورحل عن عالمنا أمس، وتم تشييعه من أخبار اليوم حيث قضى أكثر من نصف قرن.
صعد أحمد رجب عالم الكتابة والصحافة من أوله، ولأكثر من نصف قرن ارتقى العمل الصحفى وتولى سكرتارية التحرير وإدارته بجانب كتابته، التى اكتشفها على ومصطفى أمين، وأمسكا بها. وقررا دفعه وتبنيه أيام كانت الموهبة هى الأصل فى العمل والحياة، وليس الوساطة أو الوراثة.
لأحمد رجب فلسفته الخاصة فى النكتة ويقول: عندما تنطلق حرية التعبير وتوجد صحافة الرأى الآخر، تكتب ما تشاء وتنكت كما تريد بالكلمة والكاريكاتير، الآن النكت السياسية والهمسات الضاحكة تختفى من أفواه الناس وتتخذ مسارها الطبيعى عبر الإعلام العلنى، أو الصحيفة أو التلفزيون، تصل إلى كل الناس وتصبح قديمة. لكن عندما تكون النكتة فلكلورية مصدرها الشعب تصبح معمرة وتعيش زمنا طويلا حتى تصل إلى الناس فردا فردا عن طريق الهمس.
والنكت الشعبية تختلف من شعب لآخر، فهناك نكتة مثلا تتناول جنون بعض حكام العالم الثالث بالأوسمة والنياشين التى ترصع بدلاتهم العسكرية، وعلى سبيل المثال قيل إن عيدى أمين ملأ بدلته بالنياشين ولم يبق فيها إلا مكان واحد لو وضع فيه نياشين جديدة، فسوف يتعذر عليه الجلوس.
سر الغرفة 53 بأخبار اليوم
«قضيت نصف عمرى فى الغرفة رقم 53، بمبنى أخبار اليوم، والغرفة 53 تاريخية، أول من اتخذها مكتبا هو توفيق الحكيم.. وأنا أحملق فى أجواء الغرفة 53 وأتساءل: كيف لم أحظ من هذه الغرفة بإشعاعات الفكر والفن التى تركها توفيق الحكيم فى هذا المكان فأفكر مثله وأبدع مثله؟ وتبين لى أن السبب أننى غيرت موضع مكتبى من الغرفة حيث كان يجلس توفيق الحكيم ونقلته إلى الجانب الآخر حيث كان مربط حمار الحكيم».
يعتبر أحمد رجب أن النفاق هو أكبر أعداء الإنسان، وأحد عناصر التخلف، وبطريقته يعبر عن ذلك قائلا: «والنفاق صفة إنسانية تميز بها الإنسان عن الحيوان لأن الحيوانات لا تنافق أبدا، ويقول المنافقون: لو كان الحمار الوحشى مثلا تعلم كيف ينافق الأسد لنجا من أظلافه وأنيابه، ويضيف المنافقون: لكن الحمار الوحشى لا يعرف النفاق لأنه حمار.
ويقول أحمد رجب: لو كانت الحيوانات فى حدائق الحيوان تنافق الإداريين فيها لقرأنا فى حركة الترقيات أن القرد رقى إلى نمر، والنمر إلى أسد والأرنب إلى ذئب. ونزل الأسد إلى درجة بغل أسترالى والزرافة إلى غزالة، والفيل إلى شمبانزى والنسر إلى دكر بط.
فى كتابه صور مقلوبة الصادر عام 1971، تألق أحمد رجب فى تقديم النقد الاجتماعى، سخر فيها من أفلام السينما التى عرفت بأفلام المقاولات، من خلال شخصية «خاميس فجلة» المخرج الذى يقدم أفلاما مثل «فاجعة فى البلكونة» والمنتج جا – موس بيه والموتى والمستشفيات وغيرها فضلا على البيروقراطية والنفاق والكرة والإذاعة والفهلوة والأدب والامتحانات.
وتتوالى أعمال الكاتب الكبير التى تجمع بين الدراما والسخرية والنقد، بشكل يمتع القارئ التركيز والتلخيص «احترم وقت القارئ اكتب باختصار وتركيز، لا وقت عند القارئ للت والعجن»، درس على أمين الذى كان أحمد رجب الأكثر استفادة منه وأنتج نص كلمة أحد أهم الأعمدة الصحفية وأكثرها تأثيرا وإسعادا للقراء. النقد الذى يهدم القيم المتوطنة والأمراض المتوطنة فى الثقافة.
مشتاق وكمبورة وجنجح شخصيات مدهشة
اخترع أحمد رجب شخصيات وعبر عنها بالرسم الرسام الراحل مصطفى حسين، الذى شكل مع أحمد رجب ثنائيا كان يطل على القراء كل صباح، منها عبده مشتاق، أو عباس العرسة، أو جنجح عبد الروتين.
كمبورة سياسى فاسد من أصحاب السوابق، أصبح ذات صباح حضرة صاحب الحصانة السيد العضو كمبورة بيه. أخذ لغته من زمن الانفتاح التى ابتدعت ألفاظ الأرنب والنص أرنب والباكو والأستك والتمساحة والخنزيرة، يخلط بين الفهلوة والهجص، وكان ينطبق على كبار السياسيين الذين ظهروا وقتها مع الحزب الوطنى وشغلوا مناصب.
أما «عبده مشتاق» فقد كان ممثلا لشخصيات كثيرة كانت تقدم نفسها فى الإعلام على أنها الأصلح لتولى مناصب وزارية أو حكومية، وتضع نفسها فى الخدمة، ومن المفارقات الساخرة أن عبده مشتاق كان يظهر فى كاريكاتير أحمد رجب ومصطفى حسين بوصفه: أخصائى فى كل شىء اقتصاد وتكنولوجيا وسياسة، ووضع الكاتب الكبير عنوانا له «محل عصير عبدالجواد» ووضع رقم تليفون عشوائى وفوجئ بصاحب الرقم يشكو من أنه تلقى آلاف الاتصالات.
أما «جنجح» فقد كان مثالا للبرلمانى الغبى التابع للحزب فى كل شىء ومنفذ التعليمات، وظهر بعد ظهور حالات كثيرة لنواب من الحزب الوطنى لا يعرفون القراءة والكتابة، ورسمه مصطفى حسين وهو يرتدى طاقية على شكل قبة مجلس الشعب، ويردد التزامه بتأييد الحزب.
وابتكر رجب شخصية «كحيت» التى ارتبطت بـ«عزيز بيه الأليت» كان عزيز مليونيرا لا يشعر بمعاناة الناس ويتبعه «كحيت» بسيجار من عزيز بيه ويظهر إصبع قدمه من شبشب قديم، كان «كحيت» أقرب إلى أحلام يقظة للتطلع الطبقى.
كفر الهنادوة ومطرب الأخبار
وصباح كل يوم سبت فى «أخبار اليوم»، بركن صغير على يسار الصفحة الأولى، يظهر فلاح كفر الهنادوة بطاقية مليئة بالثقوب على صلعة لامعة، ولسان لاهث، وعيون فلاح ذكى، يجلس أمام الدكتور عاطف صدقى، رئيس الوزراء الأسبق، بأريحية المصطبة ينقل ما يحدث فى كفر الهنادوة، منتقدا المسؤول الكبير على لسان الواد سليم أبولسان زالف، ويختم بعبارة «يجعله عامر» كان يقدم شكاوى الناس، وانعزال الحكومة، وتطور الفلاح ليلتقى مع فتحى سرور رئيس مجلس الشعب، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، والرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتكررت الزيارات وبين انتقادات «أبولسان زالف» وذكاء الفلاح، ارتبطت الشخصية بالمصريين لتصبح الشخصية الأكثر جرأة وشهرة بين شخصيات أحمد رجب. والتى كانت سبب مشكلته مع ممتاز القط.
كما ابتكر أحمد رجب شخصية «مطرب الأخبار»
بصوته النشاز وإصراره على أن يكون مطربا، يفرض على الناس أغنياته الركيكة وألحانه المسروقة ويطالعهم كل صباح بأغنية تافهة، ظل يحتل الصفحة الأخيرة، وكان مع شخصيات أحمد رجب موضوع حوارات الناس وأحاديثهم الضاحكة. كان رجب ينتقد ظهور مطربين بلا موهبة ولا صوت ولكن خلطة من الادعاء والغش. وكان المطرب يتلقى علقة يوميا، ولا يتوقف. وطبعا كان هذا قبل ظهور طوفان الطرب الرهيب بعد ذلك.
وهى شخصيات تحولت إلى لحم ودم، فهاهو كمبورة يتقافز من حولنا هو وعشرات «الكنابير» الفهلوية الذين يسرقون الكحل من العين، والمشتاقون والأغبياء. وكان يقول: «إننى لا أكتب نكتا أو لقطات كوميدية، ولكنى أنقل بأمانة ما تفعله الحكومة».
وقد وقعت بعض الخلافات بين أحمد رجب ورفيقه مصطفى حسين وافترقا لفترة، ثم عادا فى السنوات الأخيرة، وكان السبب غالبا أن رجب كان أحيانا يشعر بظلم لكونه هو مبتكر الشخصيات الشهيرة، ومصطفى يرسمها كشريك، لكنه حصل أحيانا على كل الحق فيها. لكن العلاقة عادت بينهما، ومن المفارقات أن أحمد رجب ومصطفى حسين رحلا فى شهر واحد.
أزمة مع أخبار اليوم وممتاز القط
فى مارس 2006 تعرض الكاتب الكبير لأزمة بسبب سوء تقدير من ممتاز القط رئيس تحرير «أخبار اليوم» عندما تدخل القط وطلب من أحمد رجب حذف عبارات من الرسم الكاريكاتورى الذى يصدر صباح كل سبت لسنوات، لكنه رفض.. واختفى المقال، وكان الحذف يتعلق بعبارة ورد فيها اسم «جرجس أفندى»، وتلقى رجب اتصالا من ممتاز القط، طلب فيه حذف العبارة، ورفض أحمد رجب بغضب، وعندما أبلغه القط بأن الأمر قد ينطوى على فهم يضر بالوحدة الوطنية، أجابه رجب: «إنت هتعلمنى الوعى السياسى وإزاى أحافظ على الوحدة الوطنية؟!».. ثم أغلق السماعة، ولم يرسل فكرة الكاريكاتير أو المقال. وأرسل اعتذارا عن الكتابة لنشره مكان مقاله «الفهامة». يومها تردد أن سبب منع كاريكاتير فلاح كفر «الهنادوة» هو جهات عليا، وليس ممتاز القط، لكن أحمد رجب نشر فى عموده اليومى الشهير بجريدة «الأخبار» بعدها عن احتجاب كفر الهنادوة: الرئيس لا علاقة له باحتجاب «كفر الهنادوة».
كانت المرة الأولى منذ سنوات التى يفتح القراء أخبار اليوم ولا يطل عليهم أحمد رجب، وازدحمت الصحف والإنترنت وقتها بتعليقات لمئات من الكتاب والقراء، حول الموضوع، وفى المواقع التى تتيح لقرائها التعليق كشفت عن حجم التضامن مع الكاتب الكبير لدرجة أن عددا من القراء طالب بمقاطعة أخبار اليوم طالما تركها أحمد رجب. ويومها وجه البعض كلامه إلى رئيس التحرير ممتاز القط: «ده عمك أحمد رجب تعرف يعنى إيه أحمد رجب؟» وقال معلقا: «القوالب نامت والانصاص قامت، وقال العربى: منذ ثلاثين سنة تقريبا عندما كنت طالبا فى هندسة المنصورة وأنا أقرأ نص كلمة لأحمد رجب ولقد كان ساخرا كطبع المصريين.. ولم يحقق أحمد رجب من وراء عمله، مالا ولا جاها، باستثناء عدة ملايين من القراء، ومليارات من شهقات الإعجاب. أحمد رجب كاتب «يصعب الاستغناء عنه، أو استبداله»، رفض المساس بحق قارئه، أو حذف كلمة أو أكثر من مقاله، وهو أكبر من مجرد عمود أو نص كلمة، بل رمز لطريقة فى الكتابة، يصعب تكرارها. ورحل تاركا تراثا من السخرية والنقد الاجتماعى للأجيال.
لمعلوماتك..
«الكلام نوعان.. كلام فارغ وكلام مليان بكلام فارغ»
كلام فارغ
«يبكى الرجل عند مولده بلا سبب وبعد زواجه يعرف السبب»
الحب وسنينه
«كل إنسان ضعيف أمام النفاق، من الذى يرفض أن يقال له أنت الأذكى والأقوى والأصوب رأياً»
أى كلام
«المرأة هى التى تضع فوق لسان الرجل طلب الزواج منها، ثم تطلب مهلة لكى تفكر!
ضربة ف قلبك
«هناك فترتان مهمتان يعجز الرجل فيهما عن فهم المرأة: فترة ما قبل الزواج، وفترة ما بعد الزواج»
نهارك - سعيد
«يقال إن آخر وزير اتخذ قراره بدون انتظار التوجيهات هو الوزير الشجاع أمحوتب»
الفهامة
أحمد رجب فى سطور:
(20نوفمبر 1928–12 سبتمبر 2014)
- ولد أحمد رجب فى 20 نوفمبر 1928 فى صور، وحصل على ليسانس الحقوق
- أثناء دراسته فى الكلية أصدر مع آخرين مجلة «أخبار الجامعة»، كانت طريقه للتعرف على مصطفى وعلى أمين، وعمل فى مكتب «أخبار اليوم» فى الإسكندرية، ثم انتقل إلى القاهرة، تولى سكرتارية التحرير.
- كان له مقالة ساخرة يوميا فى جريدة الأخبار بعنوان «نص كلمة»
- شارك مع رسام الكاريكاتير مصطفى حسين فى كاريكاتير الأخبار وأخبار اليوم يوميا من أفكاره وألف شخصيات كاريكاتيرية.
من مؤلفاته:
- صور مقلوبة - ضربة فى قلبك - الحب وسنينه
- نهارك سعيد - كلام فارغ - فوزية البرجوازية
- توته توته - أى كلام - الفهامة - مطرب الأخبار
- الأغانى للأرجبانى - وآخرها.. يخرب بيت الحب
موضوعات متعلقة..
بالصور.."أخبار اليوم" تحتضن جثمان الكاتب الكبير "أحمد رجب"قبل دفنه بالإسكندرية.. المؤسسة تقيم سرداق عزاء للفقيد.. وتوافد رموز الصحافة للصلاة عليه بـ"عمر مكرم"..والوفد ينعيه:أثرى الحياة السياسية
تكثيف أمنى بمحيط دار أخبار اليوم قبل تشييع جثمان أحمد رجب
وصول جثمان "أحمد رجب" إلى "أخبار اليوم" لتشييعه من أمام المؤسسة
مشاركة