أسامة حراكى يكتب: فى خدمة الفكر وليس بديلاً

الخميس، 11 سبتمبر 2014 12:06 م
أسامة حراكى يكتب: فى خدمة الفكر وليس بديلاً فيس بوك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا أردتم أن تقيسوا مساحة علاقاتكم الإلكترونية، تخيلوا لو انقطعت كل وسائل الاتصالات الإلكترونية فى العالم، فكم علاقة ستبقى فى محيط واقعنا؟ أصبحت كل حياتنا أجهزة نحرص على عدم نسيانها وشحنها باستمرار، وعلى أن تكون أول ما نرى عند الاستيقاظ وأخر ما نلمح قبل النوم، لماذا تجمدنا وابتعدنا عن دفء الحياة إلى هذه الدرجة؟ فأماكننا المفضلة نزورها إلكترونيًا، وأقرب أصدقائنا نحاورهم إلكترونيًا، وأفضل كتابنا نقرأ لهم إلكترونيًا.

أصدقاء الإنترنت لم يدخلوا بيوتنا من أبوابها ولا نوافذها، دخلوها من أجهزتنا الإلكترونية، فكلما تم اختراع وسيلة تواصل اجتماعى، ازداد عدد الأصدقاء على شاشات أجهزتنا، فأصدقاء فيس بوك وتويتر والواتساب وانستجرام.

أصدقاء كل هذه الاختراعات لا يمسحون دموعنا، لا يحملون لنا باقات الورد فى أفراحنا، لا يُحيطون عند المرض أسرتنا، ولا نتناول أدويتنا بأيديهم.. أصدقاء النت شاركونا دهشة الاختراعات ومتابعة الثورات، ودافعوا عنا إلكترونيًا، وأحبونا إلكترونيًا، وناقشونا إلكترونيًا، وعبروا عن مشاعرهم تجاهنا بلايكات وكومنتات وتغريدات وبرودكاست، هم قريبون منا جدًا ورائعون جدًا، لكنهم لم ولن يعوضونا عن أصدقاء غادروا بيوتنا من أبوابها منذ زمن، رفاق لم تغط وجوههم الأقنعة كما غطتها غبار الزمان. ففى زمن فيس بوك وتويتر وفى زحام وهوس البعض بهما، لا يزال هناك فئة قليلة تمر على المواقع كأصدقاء أوفياء، يجرهم الحنين لتفاصيل مدينة ابتلعها الطوفان، ففى اليوم الأول لانتسابى لـ"فيس بوك" حرصت على إضافة مجموعة من أرواح احتفظ لها فى ذاكرتى بخلفية جميلة من خلال متابعتى لها من بعيد، فمع الوقت اكتشفت أن الأشياء عن قرب حولت العالم لقرية صغيرة، وليت تويتر ظهر فى زمن الأبيض والأسود، لكانت التغريدات مليئة بالحب والحنين وارتاحت قلوبنا من قراءة مشاحنات أهل الدين والفن والسياسة.


فما أحوجنا إلى جدال بناء تستنير به أفكارنا، ويزداد به الحليم حلمًا والعاقل فهمًا والعالم علمًا، فنحن نحتاج لحوار يحترم عقولنا ولا يأتى بمن يكثر الصراخ والشتائم والمكابرة، حوار لا يبحث عن الإثارة فقط، بل يكون ضالته الوعى والمعرفة والحقيقة، فـ"تويتر" و"فيس بوك" الفضاء الأوسع انتشارًا بين الناس، والمكان الأرحب للبوح والقول والتعبير، ولإثارة القضايا والأسئلة، كما أنهما مجال رحب لاكتشاف مواهب فى الكتابة الساعية إلى القول النظيف والحقيقي، تمامًا كما أنهما مجال رحب لفضح مكنونات نفوس مريضة ومرتبكة وقلقة، كما يتيحان للجميع قول ما يريدون من دون قيد باستثناء قيدهم الأخلاقى الذاتي، لكن لا بديل عن التواصل الإنسانى المباشر، فمهما تطورت وتنوعت وسائل التواصل الافتراضية، تبقى مفتقدة لحرارة اللقاء الإنسانى وحميمته، فالقرن الماضى بدأ بنهضة أدبية وفكرية عظيمة، وانتهى بالأيديولوجيا والتكنولوجيا التى حلت محل العلوم الإنسانية على كل الأصعدة، حتى فى المدارس والجامعات لم نعد نجد اختصاصات أو أساتذة للمواد الإنسانية، فلا يمكن للحياة أن تستمر من دون الفكر والقيم الإنسانية، فالتكنولوجيا على الرغم من أهميتها، لا يمكن أن تسد هذا النقص وتعوض ما للثقافة والإنسان من قيمة كبرى فى الحياة، فهى فى خدمة الفكر وليس بديلاً عنه، ونتمنى أن تعود الأمور لطبيعتها بالسعى إلى إعادة القيم والعلوم الإنسانية إلى مكانتها.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة