استكملت محكمة جنايات القاهرة قضية إعادة محاكمة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ونجليه جمال وعلاء مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى وستة من مساعديه لاتهامهم بقتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ"محاكمة القرن"، برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدى وعضوية المستشارين إسماعيل عوض وجدى عبد المنعم وسكرتارية محمد السنوسى وصبحى عبد الحميد.
ووصل جميع المتهمين فى الصباح الباكر ولكن تأخر وصول مبارك بسبب تأخر انعقاد الجلسة وعندما وصل دخل قفص الاتهام على سريره الطبى وظهرت عليه علامات التعب والإرهاق وأحاطه نجلاه جمال وعلاء بينما جلس حبيب العادلى فى الجانب الآخر من القفص وخلفه المساعدون الستة واستمعوا بانتباه إلى تعقيب النيابة العامة.
وطلب فريد الديب التحدث إلى المحكمة إلا أنه كانت هنالك مشكلة فى إيصال الصوت فقال المستشار الرشيدي: "ربنا يتولانا مع الأكاديمية" وطلب الديب توضيح للمحكمة أن مبارك حالته الصحية تتردى وفى غاية السوء حتى إن الأطباء كادوا يعيدونه إلى غرفته بالمستشفى قبل أن يستقل الطائرة إلى مقر الأكاديمية إلا أنه أصر على حضور الجلسة احترامًا وتقديرًا للمحكمة وحرصًا للمحاكمة.
وقال المستشار الرشيدى إنه يطلب من مدير الأكاديمية حل مشكلة الصوت، وسأل بعدها مبارك عن موافقته على كلام فريد الديب دفاعه فأبدى موافقته.
واستمعت المحكمة بعدها إلى نبيل مدحت سالم المحامى والذى استأذن فى تقديم مذكرة دفاع عن المتهم السادس أحمد محمد رمزى وطلب من المحكمة أن تسمح بأن يتحدث المتهم فى يومه وقدم مذكرة فى 96 صفحة وحافظة مستندات.
ثم استمعت المحكمة أولاً إلى المستشار وائل حسين المحامى العام لنيابات شمال القاهرة الكلية والذى أكد أن النيابة استمعت إلى مرافعات الدفاع على مدى 30 يومًا وإلى الدفوع التى كان بعضها متعلقًا فى الدعوى وكان الآخر ضربًا من الخيال وأشار إلى أن النيابة تهتم بالمصلحة العامة ولا تهتم بإدانة متهم بعينه دون آخر والنيابة موقنة أنه لن يبقى فى الأذهان إلا طيب الحديث ولن تنال أوجه الاتهام من صلابة الاتهام ولا الإحالة وفى التعقيب سترد النيابة على تلك الدفوع الواهية.
وأبدى عدة ملاحظات أولها أن المدافع عن مبارك فريد الديب انتهج الهجوم على النيابة العامة مروجًا أن المتهم تعرض لمعاملة سيئة فى تلقيه الرعاية الصحية الواجبة بقرارات النيابة العامة أثناء التحقيق وقدمت خطاب مجلس الشورى وقتها بنقله إلى مستشفى طرة وكان مغزى الدفاع كسب التعاطف للمتهم عن طريق قلب الحقائق وتفصيل قرارات النيابة على غير حقيقتها ولتصوير المتهم كأنه مجنى عليه ورفعه إلى الأنبياء والقديسين وبعرض خطاب الشورى يضع كل ما تحمله القضية بيد المحكمة والعدالة وأن الدفاع فى حجب هذا الخطاب أنه الجريمة بعينها وحاشا لله أن تقوم النيابة بذلك وهى التى تحمى حق المجتمع وقد اتسمت قرارات النيابة باتباع القانون وإجراءات السجون ما يوازى حق المتهم فى تلقى العلاج بصفته محبوسًا احتياطيًا دون النظر إلى صفته.
وأن الدفاع انتهج أيضًا الهجوم على النيابة العامة وإجراءات التحقيق زاعمًا أن هناك قصورًا شديدًا شاب التحقيقات وكنا نعتقد أن ذلك القصور أن يلتقى مع ما يسعى إليه الدفاع ويسهل مهمته وهذا الانتقاد غير موضوع وغير منطقى لأن النيابة العامة قدمت المتهمين واجتهدت فى تحقيق أدلة بشكل لم يجد الدفاع أى سبيل وكان الهجوم للتخلص من الاتهام الذى أحاط به.
وأن دفاع المتهمين حاول اختلاق فكرة مؤداها أن مهمة قوات الشرطة وقت يناير كانت تأمين التظاهرات بل وحاولوا إقناعهم أن الشرطة أيدت المتظاهرين المطالبين لإسقاط النظام، الأمر الذى يخالف المنطق والثابت ولو كان الأمر كذلك فلماذا كانت التظاهرات أصلاً وما كان العداء بين الشرطة والشعب.
وأضاف أن خيال الدفاع قال له إن الشعب هو من تعدى على الشرطة وأن الشرطة لم يكن لديها غير المياه والغاز وكان لهم حق الدفاع عن النفس المزعوم من قبل المتظاهرين فأين الدفاع الشرعى وأين الاعتداء على الشرطة؟
وأكد أنه فى محاولة الدفاع تبنى منطق شاذ أن نسبة القتل والاعتداء إلى طرف الشرطة أسماهم مرة عناصر أجنبية ومرة أفراد أمن الجامعة الأمريكية ومرة العدو الإسرائيلى ولم يرد لهذا المنطق المختلق أى أساس فضلاً عن أن هذا لا يدفع الثبوت ضد المتهمين.
وردت النيابة على الدفع الأول الخاص ببطلان ندب نيابة الثورة للتحقيقات التكميلية وذلك لصدورها من نائب عام صدر حكم ببطلان تعيينه وما ترتب من قرارات باطلة، فقالت النيابة إنه وفقًا لنظرية الموظف الفعلى فأنها تطبق فى حالات الثورة وأعمالهم تعتبر مشروعة، ولاعتبارات عملية بصفته الموظف الفعلى اعتبار القرارات التى أصدرها مشروعة طبقًا للفقه المتعارف عليه، وهذه النظرية هى صالحة لمعالجة واقع الأمر وتحقيًقا للاستقرار المراكز القانونية الناشئة.
وعملاً بالمادة 2 من قانون الإجراءات الجنائية يقوم النائب العام بمباشرة الدعوى الجنائية وهو صاحب الحق فى استعمال الدعوى الجنائية وعليه أن يقوم بذلك بنفسه أو بواسطة أعضاء النيابة. وأن المادة 199 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن النيابة العامة تباشر التحقيق فى قضايا الجنح والجنايات وأن القانون خول للنيابة العامة سلطة التحقيق. بناء على ذلك فإن أعضاء النيابة العامة يباشرون التحقيق كأصلاء وليس بصفتهم، فإنهم لا يستمدون شرعية التحقيق من منصب النائب العام ولكن من القانون.
أما فى الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبطلان التحقيقات وأمر الإحالة تأسيسًا على أن المتهم الأول ما زال رئيسًا للجمهورية وأنه لم يكتب استقالة ولم يقدمها لمجلس الشعب، فإن رد النيابة أنه من المبادئ المقررة للفقه الدستورى أن الثورة وهى عمل شعبى يصدر عن الشعب كمصدر للسلطات ويكون فوق الجميع وفوق أسس الدولة بتغيير الحياة السياسية أملاًفى تطوير المجتمع ونجاح الثورة يسقط الدستور من تلقاء نفسه دون تشريع لذلك لتعارضه وقيام النظام الجديد الذى تهدف إليه، لأن الأسلوب الثورى طريقة غير طبيعية لإنهاء الدستور ولا يناقش كوسيلة لنهاية الدستور وأن اختصاص المحكمة هو توافر صفة الرئيس وسريان الدستور وإذا تخلف أحدهما سقط الاختصاص عن المحكمة المختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية فى الدستور وأنه بما أن الدستور سقط فلا يكون هنالك اختصاص لأن الثورة العارمة ضد النظام الحاكم من سوء وتردى الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بجميع طوائف الشعب وحماها القوات المسلحة وخلعوا المتهم الأول بعد 18 يومًا من الصمود.
وردا على الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها ممن لا يملك رفعها وهو رئيس نيابة استئناف القاهرة فإن النيابة العامة هى وحدها المختصة بتحريك الدعوى الجنائية ويكون لأى من أعضاء النيابة التحقيق حتى لو لم يكن فى اختصاصه أو ولايته النوعية ويكون اتصال المحكمة بالدعوى اتصالاً صحيحًا.
واستكملت النيابة ردها على الدفع الثانى الخاص بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا وبطلان أمر الإحالة الصادر منها تأسيسًا أن المتهم الأول ما زال رئيسًا للجمهورية وأنه لم يوجه كتابة باستقالته، فقالت النيابة إن الثورة عمل شعبى يصدر من الشعب نفسه باعتباره مصدرًا للسلطات تحمل معنى الانقضاء على الأسس القديمة للدولة بتغير الحياة السياسية والاقتصادية أملاً لتطوير المجتمع إلى الأفضل، ويترتب على ذلك إسقاط الدستور من تلقاء نفسه ويقرر ذلك السقوط لتعارضه، باعتبار الأسلوب الثورى وسيلة غير طبيعية لا ينص عليها الدستور.
وأضاف أن البلاد قد شهدت ثورة عارمة للبلاد بسبب سخط الشعب من تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانضمت له جموع الشعب بكل أطيافه أدت الثورة إلى خلع المتهم الأول وتنحيه عن منصب رئيس الجمهورية وسقوط كل دعائم النظام وسقط الدستور القائم.
وأضاف ممثل النيابة أن هناك آراء تختلف فى تسمية أحداث 25 يناير ثورة من عدمه، فالاستناد هنا إلى ما نجحت فى تحقيقه مشيرًا إلى أن ثورة 25 يناير استطاعت إسقاط الدستور والنظام وبالتالى فهى تعد ثورة دون شك.
وأوضح أن المشرع الدستورى قضى بإعدام الرئيس الحاكم إذا قام بارتكاب جريمة الخيانة العظمى أو عدم ولائه للنظام الجمهورى وهو ما أثبته الشعب المصرى بعدما خرج فى ثورة 25 يناير، وأكدت النيابة أن المتظاهرين تم التعدى عليهم فى الشوارع والميادين وليس أمام أقسام الشرطة، ولما يجب على الدفاع اتخاذ اقتحام الشرطة حجة للتعدى على المتظاهرين السلميين فى الميادين.
أما فى الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهم الأول مبارك لسابقه صدور أمر ضمنى بألا وجه لإقامة الدعوى وذلك لإحالة القضية بداية بدون أن يتضمنه قرار الاتهام و لكن أسانيد الدفاع بأنه الأمر لا وجه لإقامة الدعوى ضمنيًا لم يرد فى القانون بل فى احكام محكمه النقض و هو الذى حدد ضوابطه ومنها ما نص صراحة على ضرورة استجواب المتهم وتوجيه الاتهام عليه ليردع نية النيابة فى توجيه الاتهام.
أما عن الدفع بأن الشرطة أدت الواجب طبقًا للقانون لمواجهة التجمهر وغيرها وأنها أفعال مباحة طبقًا للمادة 63 من قانون العقوبات فإن هذا مردود عليه بأن حق التجمهر والتظاهر السلمى للتعبير عن المطالب هو حق أقره الدستور قبل تعطيله من قبل المجلس العسكرى والعهود الدولية الخاصة المدنية والسياسية التى وقعت عليه مصر فى 1982 وصار قانونًا ولا يجوز طبقًا لهم وضع قيود إلا لصيانة الأمن القوى ولا يجوز انتهاك ذلك ويحظر التعرض للمتظاهرين السلميين بأى عنف وإلا تقوم المسئولية تجاه المخالفين.
وبالجلسة غادر الرئيس مبارك للقاعة بعد إصابته بوعكة صحية.
فى محاكمة القرن.. النيابة: الشرطة استغلت اقتحام السجون كحجة لقتل المتظاهرين السلميين.. الدفاع رفع مبارك إلى مرتبة الأنبياء لكسب تعاطف الرأى العام.. ومبارك يتغيب عن الجلسات المقبلة لتدهور حالته الصحية
الخميس، 07 أغسطس 2014 06:36 م