حسن زايد يكتب: لا مستقبل لبلد لا تجيد الاستثمار فى أطفالها

الخميس، 07 أغسطس 2014 02:03 م
حسن زايد يكتب: لا مستقبل لبلد لا تجيد الاستثمار فى أطفالها تعذيب الأطفال فى مركز الأيتام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اهتز الضمير الإنسانىـ وحق له أن يهتز ـ فى مصر، عندما شاهد المصريون فيديو تعذيب أطفال إحدى دور الأيتام، ومدى ما انطوى عليه هذا التعذيب من بشاعة تتنافى مع أبسط قواعد الإنسانية، وتتنافى مع الدين الإسلامى، وتصادم نصوصه على نحو فاضح، يقول المولى عز وجل: "فأما اليتيم فلا تقهر"، وقول المصطفى: "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين فى الجنة وأشار بالسبابة والوسطى"، وفى رواية: "من ضم يتيما له أو لغيره حتى يغنيه الله عنه وجبت له الجنة، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية تترى فى هذا الخصوص.

والواقع أن الطفولة المعذبة، والطفولة المشردة، وأطفال الشوارع، كلها مصطلحات درج المجتمع المصرى على سماعها، والاعتياد عليها، مع أنها عناوين فقط، لقضايا أشد بشاعة، وأكثر إجراماً، من تلك الجريمة التى كانت محلاً لاهتزاز الضمير الإنسانى فى طول مصر وعرضها. وانتهاك حقوق الطفل فى المجتمع المصرى كالماء والهواء، بوعى وإدراك أحياناً، وبغير وعى، ودون إدراك أحايين أُخر.

والأمثلة على هذه الانتهاكات تستعصى على الحصر. فترك أطفال الشوارع دون عناية أو رعاية أو اهتمام أو كفالة كى يعيشوا أشد فترات عمرهم حرجاً بين القطط والكلاب الضالة يقتسمون معهم لقمة العيش والمسكن جريمة فى حقهم الآنى، وحق مستقبلهم، وحق مصر فى أبناء أسوياء، بل إن وجودهم بهذا الوصف فى حد ذاته يمثل سبة فى حق المجتمع. ولما توافرت دور رعاية للأطفال اليتامى شاهدنا فيها ما شاهدناه فى الفيديو. وليس الانتهاك فى الضرب والتعذيب فقط، وإنما يمتد إلى سوء استغلال الطفل، وتشغيله فى أعمال لا تتناسب مع طفولته.

وعندما تقوم إحدى دور رعاية الأطفال بتصدير هؤلاء الأطفال لإعتصام رابعة، مرتدين أردية مخطوط عليها مشروع شهيد، وهو لا يدرك ما يكرر من كلمات أمليت عليهم إملاءً، أفلا يمثل ذلك انتهاكاً لعقلية الطفل وإدراكه ووجدانه؟ ونظرة واحدة على المدارس الحكومية فى ربوع مصر تدرك معها مدى ما يتعرض له الطفل المصرى من انتهاك لحقه فى التعليم، على مستوى المعلم، والفصل، والوسيلة التعليمية المتاحة، والمناهج المقررة، ونسبة الكثافة.

تلك الأمثلة هى غيض من فيض، وقد آلمنى كثيراً ما ورد على لسان الصديقة الدكتورة هالة حسن، متخصصة فى أدب الأطفال، ونحن نتناقش حول هذه القضية، فإذا بها تباغتنى بعدة أسئلة تَرِد على لسان من تتعامل معهم من الأطفال بحكم تخصصها، إذ يتساءلون عن ماهية الإرهاب، والقتل، والموت، والشهيد، والمولوتوف، وماذا تعنى هذه المصطلحات؟ بماذا تجيب على هؤلاء الأطفال الذين انتهكت هذه المصطلحات وجدانهم وإدراكهم، وتفتحت أبصارهم وعقولهم على صور الخراب والدمار والقتل والدماء.

ماذا نقدم لأطفالنا من صور الرعاية الصحية والنفسية والعقلية؟ إن الإهمال فى كافة صور الرعاية تجاوز حدود المعقول والمحتمل، وكأننا نمارس عن قصد عملية إغتيال منظم للطفولة، بل إننا نمارس ذلك بالفعل، ومن هنا تجد فينا بعد أن نكبر ونشب عن الطوق صور الانحراف النفسى والعقلى والسلوكى التى نعانيها كمجتمع، ويصعب التخلص منها، بداية من تعمد إلقاء القمامة فى الشوارع والبصق على الأرصفة وصولاً إلى استحلال السرقة والرشوة وانعدام الضمير وسوء المعاملة، إلى التسلط والإستبداد والسادية، إلى النفاق والكذب والخداع والغش. إن كل هذا التشوه مرده فى معظمة إلى ما عانيناه فى طفولتنا من صور الانتهاك.

والقصة ليست فقط فى البعد الإنسانى والحفاظ على الحقوق، وإنما القصة متعلقة بالأمن القومى للبلاد. فلو أردنا حقاً خيراً بهذا البلد ومستقبله، ونحلم فعلاً برقيه وتقدمه ولحاقه بالركب الحضارى الإنسانى، على نحو يحفظ عليه وجوده وكيانه، فلابد لنا من الآن النظر لقضية الطفولة باعتبارها قضية أمن قومى، ومع أن حقوق الطفل منصوص عليها دستوريا، ومنظمة بموجب قانون الطفل، إلا أننا ما زلنا نتعامل مع الدستور والقوانين واللوائح باعتبارها كلاماً لاحقًا على الفعل وليس منظماً له، وفرق شاسع بين الحالتين، ففى الأولى نتصرف ثم نبحث فى الدستور والقوانين واللوائح ما يبرر هذا التصرف ويسنده، وفى الثانية لا نتصرف إلا وفقاً لما تقضى به هذه النصوص. وإلإصلاح الجذرى لمشاكل هذا البلد لن يتأتى إلا من خلال الإصلاح الجذرى لمشاكل الطفولة.

ولن يتأتى الإصلاح الجذرى لمشاكل الطفولة إلا من خلال النظر إليها باعتبارها قضية أمن قومى، والعمل عليها بهذا الاعتبار، ولابد من إدراك أن الاستثمار الصحيح فى الطفل هو استثمار فى المستقبل، ولا مستقبل لبلد لا تجيد الاستثمار فى أطفالها.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة