نفدت الطبعة الأولى من رواية عمار على حسن الأخيرة "السلفى" بعد صدورها بخمسة أيام وتستعد "مكتبة الدار العربية للكتاب" لإصدار طبعة ثانية فى غضون أيام.
وتقع الرواية فى نحو ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط، وبتجديد فى الشكل، حيث تتلاحق أحداث الرواية عبر إحدى وعشرين عتبة، وتنتهى بمفارقة قد لا تخطر على ذهن القارئ وهو يلهث عبر سطورها ليجمع فى رأسه أطراف حكاية تراوح بين الواقع والخيال.
تمزج الرواية بين "صورة سحرية" تجسدها نبوءة شيخة صوفية تعيش فى القرية وبين واقع مقبض فرض نفسه على الحياة الاجتماعية فى مصر خلال العقود الأخيرة نظرا لتصاعد نفوذ تيار دينى تقليدى بتصوراته وقيمه، ليسرد معاناة أب يعمل محاميا ويؤمن بأفكار عصرية مع ابنه الجامعى الذى تسلل السلفيون الجهاديون إلى عقله وجندوه ليأخذوه معهم فى الحرب التى خاضوها ضد الروس فى أفغانستان، وبعدها ينضم إلى فصيل من تنظيم القاعدة.
وبعد أن أعيت الحيل الأب فى استعادة ابنه عبر كل الطرق المعروفة، مما أدى إلى إصابته بالفصام، يتذكر نبوءة قديمة لعبدة صالحة كان الكل فى قريته يعتقد فى كراماتها ذكرت له فيها أنه لن يستعيد الغائب، روحا أو جسدا، إلا إذا مر بكل عتبات بيوت القرية ليشرح له منابع التدين المعتدل الذى تعلمه الأب فى الصغر، والذى لا يزال يؤمن به.
وفى طوافه عبر البيوت يستعيد الأب كل مسرات أصحابها وأوجاعهم، سواء من بقى منهم على قيد الحياة أو من رحل تاركا وراءه حكايات صغيرة تتناسل بلا هوادة عبر نص شاعرى، ينتقل بنا من القرية إلى المدينة ذهابا وإيابا.
ويتخيل الأب أن ابنه يصاحبه فى طوافه هذا فيدخل معه فى حوار عميق حول الفرق بين التصورات الدينية المعتدلة لأصحاب كل هذه العتبات، والتى ذابت فى حياتهم البسيطة من دون تكلف ولا ادعاء، وبين التشدد الذى يعشش فى رأس الابن، وجعله يتحول إلى قاتل محترف وهو يظن أنه يجاهد فى سبيل الله.
ويصف الناشر الرواية بأنها "غير تقليدية" ويقول:"بطلها غائب حاضر، وراويها حاضر غائب، نسير فيها من عتبة إلى أخرى عبر أزمنة لا تكتسب أهميتها من ذاتها إنما من الأماكن التى يطوف بها الراوى، حاملا على كتفيه، نبوءة قديمة، ومتحدثا إلى ابنه السلفى، الذى اختطف روحه الجهاديون، ليحارب معهم فى بلاد غريبة، ويحاول الأب المكلوم استعادته من صحارى الدم والهلاك"
وقال نقاد، إن الرواية اختارت بناء خاصا وجديدا فى شكلها، فيما انطوى مضمونها على معانى عميقة فى المضاهاة بين الاعتدال والتطرف، صيغت بلغة شاعرية وعبر شحنات عاطفية متدفقة وحوار ثرى وحكاية جذابة تطير فوق جناحين أحدهما عليه الكره والتزمت والجهل والآخر عليه الحب والتصوف والمعرفة.
وفى دراسة بعنوان "تسعة ملامح فى رواية السلفى" يرى د. كريم عهدى، وهو كاتب وناقد مصرى، أن الرواية تمضى عبر إحدى وعشرين عتبة، تشمل إحدى وعشرين شخصية تتنفس فى فضاء الذاكرة والذكرى، تولد وتنمو وتحب وتكره وتتسامى وتتهاوى وتضل وترشد وتسلك طرقاً شتى وتلاقى موتها فى أركان المعمورة.. لتكتمل الحكاية، ولتكتمل اللعبة.. لعبة بدأها الراوى نفسه حين تلقى نبوءة مبكرة حول عتبات غامضة.. فصنع جدوله الأبدى من خانتين فقط.. عتبة مغلفة بالرموز والأسرار.. وقبالتها اسم لإنسان وسيرة تضىء جزءاً من عتمة المشهد".
ومضى كريم "إحدى وعشرون عتبة، يمكن لنا أن نراها عبر العمل الروائى عتبات أفقية تلتف حول ذاتها، لتعود من حيث بدأت، متوسلة بغواية الدائرة، ففى المكان الذى تبدأ منه الحكاية إبحارها ترسو، ربما لتُبحر من جديد، فى تواصل لا نهائى، وهى فى حقيقتها كل متحد، يسعى بعضها إلى بعض فى وجد، إلى أن تلتئم أوصالها، فى لحظة للتجلى والاكتمال".
من جانبه قال د. عايدى على جمعة، الأستاذ المساعد للأدب العربى فى دراسة بعنوان "النص والسياق الاجتماعى فى رواية السلفى" إن الرواية تنطوى على منازلة بين التنوير والظلام، وبين الكلام الذى يعبر عن فعل إيجابى والصمت الذى يبين العجز وقلة الحيلة، وهذا يتم وسط حكاية أثيرة وبلغة رائقة عذبة، محملة بثمار ناضجة".
ويمضى "لا يخفى ما تستدعيه كلمة العتبة من قداسة، حيث تستدعى هذه الكلمة عتبات البيت والمقام، مما يلمح بطرف خفى إلى قداسة الإنسان، وأنه لا يستحق أبدا القتل من أخيه الإنسان بسبب اختلاف وجهات النظر، وهذه النقطة بالذات هى الجوهر الصلب فى هذه الرواية، والحجة الدامغة لأفكار المتشددين الذين يمارسون القتل بلارحمة".
يشار إلى أن "السلفى" هى الرواية السادسة لعمار على حسن بعد "شجرة العابد" و"سقوط الصمت" و"حكاية شمردل" و"جدران المدى" و"زهر الخريف"، علاوة على ثلاث مجموعات قصصية هى "عرب العطيات" و"التى هى أحزن" و"أحلام منسية".