كان من المفترض أن يكون تسليم شحنة زيوت نباتية إلى إيران لاستخدامها فى تصنيع المسلى عملية روتينية، لكن سفينة الشحن قضت عدة أشهر فى مياه الخليج لأن بنوكًا أوقفت صرف الأموال خوفًا من انتهاك العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
ويسمح نظام العقوبات الذى فرضه الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة بسبب البرنامج النووى الإيرانى بتجارة البضائع الإنسانية كالغذاء والأدوية.
إلا أن بنوكًا كثيرًا تعزف عن تمويل أى صفقات مع إيران بسبب سلسلة غرامات أصدرتها السلطات الأمريكية ضد الجهات التى تتعامل مع دول تخضع لعقوبات ومن بين غرامة قيمتها 8.97 مليار دولار فرضت فى الآونة الأخيرة على بنك بي.ان.بى باريبا الفرنسى.
وهكذا ظلت الناقلة التى تديرها اليونان راسية من يناير حتى مارس من العام الجارى قبل أن تضطر إلى التوجه للفجيرة فى الإمارات للتزود بالوقود وهو ما يمثل صعوبة أيضًا فى إيران بسبب العقوبات.
وفى نهاية المطاف صدرت فاتورة بيع البضائع لإتمام التحويل وفرغت الناقلة شحنتها فى إيران ولكن بعد شهور من الوقت المهدر والتكاليف المتزايدة.
وقال مدير السفينة لـ"رويترز": "كان من المفترض أن يسير العمل بسلاسة"، وطلب عدم ذكر اسم السفينة ولا شركته خشية الدعاية السلبية لشحنة قانونية لا تشوبها شائبة.
ويقول الإيرانيون إن مثل هذا التعطيل لحركة التجارة هو السبب فى ارتفاع أسعار الغذاء فى بلادهم ونقص الأدوية لعلاج أمراض مثل السرطان.
وقالت مصادر غربية فى الشحن ومسئولون إيرانيون وموردون للغذاء والدواء لـ"رويترز" إن تزايد عدد الشحنات المتجهة إلى إيران يجرى منعه أو تعطيله.
وأضاف أحد مصدرى البضائع الإنسانية لإيران "المشكلة تكمن فى الشق المصرفى وبنوك تعزف عن تقديم هذا النوع من التحويل أو توقف صرفه، إنه أمر معقد وتكاليف مثل هذه التجارة باهظة، يبدو أن القيام بمثل هذه الأعمال سيزداد صعوبة".
وأوضح مسئولون أمريكيون أن واشنطن على دراية بالمشاكل وتتخذ خطوات لتسهيل التجارة الإنسانية.
وفى مايو الماضى قالت مصادر فى قطاع التجارة ومسئولون إيرانيون إن مئات الآلاف من أطنان الحبوب والسكر علقت على طريق الترانزيت بسبب مشاكل فى الدفع.
وفى يونيو نشرت "رويترز" خبرًا مفاده أن إيران تضغط على بنك إتش.إس.بي.سى لإجراء معاملات تتعلق بتجارة السلع الإنسانية جمدها أكبر بنك فى أوروبا بسبب مخاوف من انتهاكات محتملة للعقوبات الدولية.
وقال مسئول فى المصرف المركزى الإيرانى إن "المصارف الدولية وحتى المحلية تتردد فى التعامل مع إيران، لقد حاولنا إيجاد بدائل لهذه المصارف لكننا لم نكن محظوظين".
وقالت مصادر فى القطاع التجارى إن تسليم 500 ألف طن من القمح معلق حاليًا بسبب مشاكل فى الدفع.
وأكد المسئول الإيرانى ومصادر أخرى أنه على الرغم من المحادثات الدبلوماسية مع القوى الكبرى بشأن برنامج طهران النووى المثير للجدل غير أن المشاكل المصرفية لا تزال مستمرة.
وأشاعت الغرامات التى فرضتها هيئات رقابية أمريكية على المصارف فى العامين المنصرمين الخوف لدى الكثير من المصارف الأخرى.
وفرضت غرامة على مصرف بي.إن.بي.باريبا بسبب انتهاكات تشمل تعاملات تجارية مع إيران، كما يتوقع أن يدفع مصرف كومرز أي. جي. الألمانى غرامة تتراوح بين 600 و800 مليون دولار أمريكى لتسوية تحقيقات فى تعاملاته مع إيران ودول أخرى تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات.
كما تحقق السلطات الأمريكية فى انتهاكات أخرى مع شركات مثل يونى كريدت الإيطالية والبنك الهولندى فى ألمانيا.
وفى عام 2012 وقعت الهيئات الرقابية الأمريكية غرامة على مصرف إتش. إس. بي. سى بمبلغ 1.92 مليون دولار لارتكابه انتهاكات عديدة بينها التعامل مع إيران وغسل الأموال فى المكسيك.
وفى عام 2012 هددت الهيئات الرقابية في نيويورك بسحب رخصة مزاولة الأعمال المصرفية من مصرف ستاندارد تشارترد لخرقه العقوبات على إيران.
وفرضت العقوبات على طهران للمرة الأولى عام 2006 بسبب البرنامج النووى الذى تدعى إيران أنه سلمى فى حين تخشى القوى الغربية استخدامه فى صنع الأسلحة.
وقال مسئول إيرانى حكومى رفيع المستوى إن "المساعدات الإنسانية ليست مستهدفة لكن الأوجه المختلفة للعقوبات جعلت من الصعوبة بمكان على إيران استيراد الطعام والدواء إنها تسمح لشبكات التهريب بالازدهار."
وقال مسئول أمريكى سابق إن "المؤسسات المالية ترى أن التعامل مع إيران ينطوى على مخاطر كبيرة على الرغم من أنها مباحة وخصوصًا من زاوية غسل الأموال كما أنها غير مربحة بدرجة كافية لتفوق قيمتها العقوبات المحتملة وتكاليف الالتزام الإضافية".
وقال مسئول فى المالية الأمريكية رفض الكشف عن اسمه إن واشنطن مددت التراخيص العامة التى تسمح بتصدير المواد الغذائية والبضائع الزراعية والدواء والمعدات الطبية إلى إيران.
وقال المسئول: "اعترف أن هناك مصارف تتردد فى تسهيل تحويل هذه الأموال (التى تدفع مقابل البضائع) لعدة أسباب إذ أنها تتجنب المخاطرة عندما يتعلق الأمر بإيران، لقد حاول الإيرانيون فى السابق التحايل على العقوبات وإساءة استخدام أو استغلال ما يبدو سطحيا أنها تجارة لا غبار عليها".
وقال المسؤول أن واشنطن أسست "قناتين انسانيتين" فى أوروبا وفى آسيا فى الأشهر الأخيرة لتسهيل التجارة المشروعة مع إيران بعد اتفاقية مؤقتة فى نوفمبر تشرين الثانى المعروفة باسم الخطة المشتركة للعمل والتى خففت بعض العقوبات.
وأضاف أن عددا من المصارف التجارية والمؤسسات الدولية شاركت فى الخطة لكنه رفض تسميتها.
وقال "نحن نرى أن كلتا القناتين تستخدمان كثيرا وتجرى العملية الآن بسلاسة."
وقال مسؤول أمريكى آخر أن واشنطن جمعت العدد الأقل من المصارف الراغبة فى القيام بهذه التجارة.
وقال المسؤول الثانى أن "الفكرة هنا لم تكن خلق أجواء طبيعية للقطاع المصرفى الإيرانى حتى فى هذا المجال، الفكرة كانت ضرورة القيام بجهود بنوايا حسنة للسماح بمرور البضائع الإنسانية إلى إيران."
وقالت المتحدثة باسم شركة أرتشر دانيلز ميدلاند الأمريكية العملاقة فى مجال الأعمال الزراعية أن الشركة مدرجة على لائحة الشركات المسموح لها بالتعامل مع إيران من قبل وزارة الخارجية الأمريكية والحكومة الإيرانية.
وقالت المتحدثة أن "خطة التمويل ربما تحل بعض المشاكل التى واجهناها فى السابق مع المصارف الدولية بسبب مبيعات المواد الغذائية."
ولكن الكثير من المصارف الدولية ببساطة "لن تشارك فى هذه التعاملات بسبب الخوف من العقوبات أو الغرامات."
وقالت "هذا الأمر تسبب فى مشكلة حتى عندما أوضح الموردون للمصارف أن هذه التعاملات مرخصة بشكل قانوني، أن دوائر الالتزام بالأنظمة فى الكثير من المصارف الدولية لا تريد بكل بساطة أن تخاطر بالتورط فى التعاملات الإيرانية."
وقالت المجموعة المالية البلجيكية كي. بي. سى إنها فرضت قيودا على تجارتها الإنسانية بينها توفير الخدمات لعملائها الذين تتعامل معهم منذ وقت طويل والتعامل بعملات نقدية باستثناء الدولار الأمريكى وفقط مع مشترين غير مدرجين على القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة أو أوروبا.
كما قال مصرف أي. بي. أن أمورو الذى تملكه الدولة البلجيكية إنه يمول تعاملات مع زبائنه الحاليين فقط وهى مقصورة على البضائع الغذائية والرعاية الصحية والمعدات الطبية أو تلك المستخدمة لأغراض إنسانية.
ورفض عدد من المصارف الإيرانية التى لا تزال تشارك فى التعاملات بينها مصرف باساجراد وسامان رفضت التعليق.
ويقول المواطنون الإيرانيون أن الحياة تزداد صعوبة.
ويحتاج باباك صارمى (43 عاما) وهو مدرس يعانى من سرطان الدم إلى جلسات العلاج الكيماوى مرة فى الشهر والتى تكلف الواحدة منها 4.5 مليون ريال إيرانى (170 دولارا).
وقال صارمى "راتبى هو 300 دولار فى الشهر. بعت سيارتى وبعض الحلى الذهبية التى كانت ملكا لزوجتى لدفع ثمن الجلسات لكن ثمن الدواء للعلاج يرتفع كما أصبح توفيره أكثر صعوبة."
وقال "كنت أتمنى لو لم نكن معزولين وتحت طائلة العقوبات. فعندها كان سعر هذا الدواء سيكون أرخص. زاد سعر دوائى بواقع المثلين فى الشهور الأربعة الأخيرة كما زادت صعوبة العثور عليه حتى فى السوق السوداء".
وقالت مصففة الشعر فاراناك ميرزارى انه خلال الشهور السبعة الأخيرة كانت تضطر للبحث عن تجار فى السوق السوداء لشراء دواء لوالدتها التى تعانى من السرطان.
وقالت " منذ (يناير) أصبح من شبه المستحيل العثور على أدوية لمعالجة السرطان فى المستشفيات والصيدليات التى تديرها الدولة، وفى السوق السوداء ينبغى أن تكون على صلة بتاجر جيد كى يبحث هو بالنيابة عنك.
وأضافت "وحتى هذا يستغرق أياما بعد طلبه حتى أستطيع الحصول عليه، لماذا ينبغى أن يعانى مريض السرطان بسبب عدم قدرته على العثور على الدواء نتيجة للعقوبات ؟ العقوبات تجعلنا نعاني."
وقال مصنع لأدوية السرطان فى مدينة كاراج إنه يفكر فى إغلاق مصنعه بسبب المشاكل.
وقال "كل مرة أخوض معارك لفتح خطابات اعتماد وما إلى ذلك، القيود على نظامنا المصرفى تجعل من المستحيل تقريبا استيراد المواد الخام لصنع الدواء."
وقال مورد للأدوات الطبية مقره الولايات المتحدة أن اتمام أى صفقة يستغرق شهورا لان بنوكا قليلة فحسب هى التى تقبل خطابات الاعتماد الإيرانية."
وأضاف "وحتى إذا وافقوا عليها، فإن الأمر يستغرق بين شهرين وثلاثة من السفر قبل أن يكون بإمكانك فعل أى شيء، الشركات تلقت خطابات اعتماد من بنوك إيرانية لم تفرض عليها عقوبات لكن البنك الذى يتسلم رسائل الاعتماد هذه لم يحول هذه النقود إلى المالكين، هذه فوضى كبيرة ولا سيما أن كان المنتج قد تم شحنه."
الأضرار المصاحبة للعقوبات..كيف يضر الخوف من العقوبات بتجارة البضائع الإنسانية مع إيران
الإثنين، 04 أغسطس 2014 06:14 ص
حسن روحانى الرئيس الإيرانى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة