اعتدنا على أن التعلم والمعرفة تكون دائما مصدرها مُعلم المدرسة ودكتور الجامعة، وبجانبها مصادر أخرى مثل التربية والأصدقاء والاحتكاك بالآخرين، وتلك المصادر مجتمعة تتشكل من خلالها شخصيتنا وأفكارنا وقيمنا ومبادئنا، وتستمر الحياة ونتواصل ونتصادم ونختلف ونتفق ويبقى دائما المحرك الأساسى والرئيسى والحاسم لأفعالنا وتصرفاتنا ونجاحاتنا وإخفاقاتنا، هو ما نتعلمه من قيم ومبادئ وسلوكيات على مدار عمرنا.
إذا هناك قدر من التعليم والمعرفة نكتسبه خلال مراحلنا العمرية المختلفة. يمكن تقسيم تلك المراحل إلى ثلاث مراحل مختلفة؛
تتمثل مصادر التعلم للمرحلة الأولى فى المدرسة وتربية أبائنا وأمهاتنا لنا، وتأتى بعدها المرحلة الثانية وهى مرحلة الجامعة، حيث تبدأ مصادر التعلم والمعرفة فى إعادة تشكيل ذاتها وقوة تأثيرها علينا، فنجد أن تأثير الأسرة يبدأ تدريجيا فى التقلص فى الوقت الذى يبدأ تأثير الأصدقاء والحياة الجامعية واستقلال الشخصية والاعتزاز بالنفس يأخذ شكلا مختلفا ومميزا فى حياتنا، ويقل فيها تقبلنا للنصيحة، وتنمو الرغبة فى إثبات الذات وازدياد الثقة فى من هم فى نفس المرحلة العمرية.
وبعد انتهاء المرحلة الجامعية، تبدأ المرحلة الثالثة وتتخذ مصادر التعلم فيها والتأثير فى الشخصية والسلوك شكلا جديدا يظهر بشكل واضح فى العلاقات الأسرية والأصدقاء المقربين وزملاء العمل وشريك العمر، ولكن يبقى هناك معلم خفى معلم مؤثر على ما نمتلكه من مفاهيم وقيم وما اكتسبناه من عادات وتقاليد مُعلم يلقن عقولنا وأفعالنا طوال الوقت دون أن ندرى، دون أن نشعر، دون أن ندرك، نذهب إليه باختيارنا وبكامل إرادتنا لكى يعلمنا ويؤثر فينا طول العمر معلم موجود بشكل دائم ومستمر منذ اللحظات الأولى من المرحلة الأولى، مُعلم لم ننتبه لوجوده أبدا رغم وجوده لكنه ليس بالشكل التقليدى الذى اعتدنا عليه.
هذ المُعلم هو الفن المرئى والمسموع (مثل السينما والمسرح والتيفزيون) حصان طروادة الذى يستغله الآخرون، ليبثوا أفكارهم وما يريدون أن نفعله.
لماذا يجب علينا أن نُدرك معلم هذا الزمان؟
للأننا علينا أن نقرر وحدنا ما يجب أن نتعلمه، فعندما نجوع نأكل ما نرغب أن نتناوله أو على الأقل نختار فيما هو متاح لنا من طعام، كذلك هو العقل علينا أن نختار له من يغذيه؟ وبماذا يغذيه من أفكار وقيم ومفاهيم؟ فالعقل هو المتحكم الرئيسى فى كل أفعالنا وتصرفاتنا وهو مخزن القيم والمعتقدات والمبادئ والمفاهيم التى تبنى عليها حياة سعيدة أو غير سعيدة.
قد ننخدع فى تناول وجبة تحتوى على عنصر ضار بالصحة إذا استطاع الآخرون دس هذا العنصر ضمن وجبة مميزة شهية الشكل والطعم، كذلك نوعية الفنون التى أشرنا إليها أعلاه، والتى نستقبلها بعيوننا وبمسامعنا وعقولنا طوال الوقت، دون أن نقيمها أو نفكر فى محتواها.
إن الأفلام والمسلسلات والمسرحيات هم معلم خفى، معلم يصل إلينا فى أى وقت وفى كل مكان، وبموافقة ضمنية منا دون انتباه، معلم يستطيع أن يعلمنا ما نرفضه ويؤثر فينا دون أن نرضى.
إنها طبيعة بشرية وسلوك نفسى فطرى يتأثر ويتفاعل ويعبر عن ما يشاهده من أفعال وتصرفات، ويتلقاه من أفكار وعبارات وكلمات يحملها لنا فنانون محبوبون، منا من يأخذهم قدوة ونموذجا له يقتدى به فى حياته ويستعين بمشاهد بعينها يعزز بها أفعاله ويجد فيها المبرر فى مواقف حياته المختلفة والمتوائمة مع ما شاهده، لذلك انتبهوا إلى مضمون ما تشاهدون، فغالبية الأفلام والمسلسلات الآن تبث أفكارا ومفاهيم وسلوكيات تهدم قيمنا وتقاليدنا وعاداتنا وطباعنا تهدم ما تميز به المصريون على مر مئات بل آلاف السنين.
صناعة السينما فى مصر تسلل إليها على مر عشرات السنوات الماضية مؤلفون ومنتجون وممثلون لا يعبئون بقيم مجتمع وأخلاقيات وعادات شعب، كل ما ينشغلون به هو الهدف التجارى.
الآن أصبح الفيلم الجيد الخالى من ألفاظ خادشة أو إيحاءات جنسية أو سلوكيات سيئة أو أفكار مسمومة هو فيلم نادر الحدوث.
انتبهوا لما تشاهدون ولما تتأثرون به، انتبهوا ونبهوا غيركم أن الفن الآن هو معلم هذا الزمان نتعلم منه، ونقلده دون أن نشعر دون أن ندرى نجد أنفسنا نتصرف مثله نفعل ما يفعله وننقل عنه ما تعلمناه، والنتيجة تكون أسوأ ما يمكن أن نتخيله لأنها تدمر أخلاقياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، وتسرق منا عاداتنا وتقاليدنا وهويتنا.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة