يبدو أن «العبث الشرير» صار قدرنا بهذه البقعة المنكوبة من العالم، وصار صوت العقل كالقبض على الجمر، وعلينا أن نضع عقولنا وضمائرنا بالثلاجة، لنبتلع الصخب السخيف، ونصدق العنتريات التى يطلقها المهووسون، وإلا فالاتهامات بانتظارنا بدءًا بالعمالة والانهزامية، وصولاً للخيانة والتصهين.
لا بأس إذا انتصرت «حماس» وهُزم الفلسطينيون، فبعد 50 يومًا من المواجهات الدامية أزهقت خلالها أرواح 2133 فلسطينيًا و69 إسرائيليًا، توصل الطرفان لاتفاق لوقف إطلاق النار، شريطة تسلم السلطة الفلسطينية مسؤولية إدارة المعابر، وإعادة تعمير غزة بالتنسيق مع المانحين. ورغم مزاعم حماس تخليها عن حكم غزة لصالح حكومة وفاق وطنى، فإن المصالحة تبدو هشّة، فالشيطان يسكن التفاصيل، تمامًا كالقضايا الخلافية الأكثر تعقيدًا المفترض مناقشتها بمحادثات فى غضون شهر.
وكما يحدث عقب كل مواجهة يزعم «بارونات حماس» الانتصار باعتبار أن مجرد بقائهم أحياء «نصر مبين»، وكأنه كان ينبغى مصرع جميع أهل غزة لتعترف الذهنية الحمساوية الفاشية بأنها ورطتهم بمواجهة خرقاء، ولن يتوقف هؤلاء النشامى مع أنفسهم كما فعل الألمان والطليان بعد الحرب العالمية الثانية، بل سيتباكى الأشاوس على الصمت الدولى والتخاذل العربى، ولا يفهم المرء لماذا يُعوّلون على العرب والعجم، بينما سلموا قرارهم لقطر وتركيا، واتهموا «رفاق السلاح» بالسلطة الوطنية بالخيانة والتخاذل، لأنهم لا يحملون أجندات أيديولوجية، فيكفيهم عبء أكثر القضايا المزمنة تعقيدًا، وهى «التحرر الوطنى»، والسعى لإقامة دولة فلسطينية، ناضلوا لأجلها عقودًا، قبل أن تظهر «حماس» للوجود.
فى الغرب والشرق تتعلم الشعوب من تجاربها الفاشلة، فلم يسمح الألمان والطليان واليابان لسماسرة الحروب بعقد المؤتمرات، والإلحاح الإعلامى لتحريض البسطاء على لف خصورهم بأحزمة ناسفة، وحظروا بث «خطاب الكراهية» الذى كبّد أوطانهم أثمانًا باهظة، واعتبروا مجرد ترديده جرائم مشينة تستوجب العقاب، وكفوا عن تزييف وعى أممهم، وإشاعة مشاعر الانتقام.
ويبدو أن «بارونات حماس» مصرون على مواصلة المكابرة وخداع الذات، والإصرار على الانتحار الجماعى، وتجاهل معطيات الواقع، واستمرار التفكير بالتمنى، وإدمان رطانة الناعقين و«سماسرة الحروب»، لهذا فالرهان الوحيد على أهالى غزة بإقصائهم، لتعود القضية لعنوانها الصحيح، وهو منظمة التحرير والسلطة الوطنية، سعيًا لحل الدولتين.
بالمقابل نشرت صحيفة «واشنطن بوست» استطلاعات للرأى أجرتها عدة مراكز دراسات غربية، خلصت بمجملها إلى أن أخطر نقاط ضعف «حماس» تكمن بانخفاض شعبيتها بين أهالى غزة، وأن نحو %70 منهم يرغبون باتفاق مستمر لوقف إطلاق النار، ويؤيد %80 تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأن شعبية الحركة لا تتجاوز %20 بأفضل الأحوال، وهى شريحة ذات خلفية عاطفية دينية، وليست عقلانية موضوعية، ويعتقد %83 أن المسار السياسى بقيادة السلطة الوطنية يُشكل الخيار الأفضل، مما يعنى تراجع دور «حماس»، وهو ما ستؤكده الأيام المقبلة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
salima
very good article