لم يبتعد عن القراءة لأنها تسرى فى عروقه مسرى الدم فيقرأ عن القراءة ويكتب عنها، لكل الأعمار الصغير والكبير، وحاز على جائزة نجيب محفوظ فى الرواية العربية، كما حاز على جائزة الدولة للتفوق فى الآداب عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2010، ويجوب بنا اليوم فى كتاب "كيف نقرأ ولماذا" للدكتور هارولد بلوم، ناصحا كأديب كبير بقراءته لتجويد وتحسين أساليب القراءة عند البسطاء الباحثين عن سبل تبسيط عملية القراءة، لأنها ليست بالسهلة، ليست لضيق أفق من يكتبون أو أسلوبهم الممل ولكن ربما فى بعض الأحيان لصعوبة الفهم.
قاربت على الانتهاء من قراءة هذا الكتاب المهم الذى وضعه الدكتور هارولد بلوم الأستاذ بجامعة ييل، وترجمه إلى العربية الكاتب والمترجم الدكتور نسيم مجلى، وعنوانه يبدو لبعض القراء العابرين بسيطا ويتناول أمورا معروفة لا تستحق أن يحتويها كتاب تطبع منه آلاف النسخ، والحق أنه كتاب مهم وممتع أيضا والكثيرون بحاجة للتعرف عليه، فلا توجد طريقة واحدة للقراءة الجيدة ويظل الهدف مهما تعددت القراءات الوصول إلى قراءة بفهم وتعمق وإذا حدث هذا فهى من أفضل اللذائذ الذهنية والنفسية فضلا عن تأثيرها البالغ على الشخصية وأسلوب النظر إلى العالم.
هذا الكتاب يعلم الإنسان الراغب فى تعلم القراءة كيف يقرأ ولماذا ويستعين فى سبيل ذلك بعشرات الأمثلة والشواهد من القصص القصيرة والقصائد إلى الروايات والمسرحيات وهو لا يؤكد أن النماذج التى قدمها هى المثالية وغيرها لا وزن له بل هى أمثلة تتشابه مع غيرها لكنها تتضمن الكثير من أسباب الإعجاب بها، ولا أحسبه يغيب عن الظن أن تعلم القراءة بل والكتابة لا تتحقق بالدروس الأكاديمية أو بشرح القواعد التى تأسست عليها النصوص بل على شرح جماليات الإبداع الأدبى وكشف أسرار الجاذبية الكامنة فيه.
ويروى لنا "قنديل" تفاصيل الكتاب الذى بدأ الكاتب فيه بالتركيز على طريقة القراءة، لأن الطريقة هى التى يمكن أن تشكل رغبتنا فى الاستمرار فليست كل قراءة يمكن أن تستخرج متعة النص وأعماقه ومكمن البهاء فيه، ولكن كيفية القراءة الإيجابية الصبور تعين كثيرا على أن ندرك روعة بعض الكتب التى ألفها ملهمون تم تكوينهم بشكل خاص بحيث يحولون المألوف إلى غير المألوف ويتمتعون بقدرات تتسلل إلى العقل والوجدان فى سلاسة وبساطة مع تشكيل عالم معرفى مدهش، ولابد أن تسبق طريقة القراءة التدريب على الاختيار.. فيظل السؤال صعبا إلى حد كبير ما الذى تختار لتقرأ؟.. على أن الاختيار المحكم والمصوب ببراعة نحو الهدف لا يتوفر مع الكتب الأولى وهى التى يتعين أن نعتمد على الآخرين فى الدخول إلى عالمها، والاعتماد على الآخرين ينهض أساسا على معرفتنا بالآخرين، فليس كل شخص قابل لسؤاله عن كتاب يخص مجالا يهمنى، فلو طلبت من صديق يميل جدا للقراءة فليس شرطا أن يكون ذا جدوى لى، إذ ميوله ربما تبتعد قليلا وخبرته ربما تسوغ له الإقبال على كتب لا أقدر على المضى معها صفحات بعد صفحات، وقد يختار لى رواية لنجيب محفوظ وأنا لا أميل إليه على الأقل بحكم السن والثقافة. ورغم توقعنا أن يبحث المبتدئ عن نصيحة المتمرسين فإن هارولد بلوم يحذرنا من هذا فلابد أن تستمتع بالحرية فى كل الحالات على ألا تتبرم من نتيجة ممارستك لهذه الحرية إذا عانيت قليلا مع كتاب رأيت اقتناءه بنفسك وحسن ظنك.
يقول هارولد بلوم: طالما توفرت لدى الأفراد أية إمكانية لتكوين أحكامهم وآرائهم فمن المهم أن يستمروا فى القراءة ، أما عن لماذا نقرأ فإن لذلك فائدة قصوى ومتعددة المناحى من أجل تطوير ملكاتنا وتمكيننا من تكوين رؤية جديدة للعالم وللبشر وللأماكن والتاريخ والأحداث ونظم الحكم والمرأة والتعمق فى معرفة جدوى السفر والحب والحرب، ومع ذلك فالقراءة فى الأصل هى نشاط ذهنى يستهدف المزيد من فهم الذات وما يتواءم معها، ويؤكد بلوم أن نصيحة مهمة حملتها إلينا القرون كان قد قالها الفيلسوف الإنجليزى فرنسيس بيكون وطبقها الكثيرون، وتركز على أن القراءة تكون من أجل خلق العقل النقدى حيث يقول: اقرأ من أجل المعارضة والنقض وليس من أجل الإيمان والتسليم، ويدعونا بلوم متأثرا بإمرسون إلى أن نكتشف بالقراءة ما يلائمنا مما يمكن الاستفادة به فى التفكير العميق.. إننا فى الحقيقة نقرأ بحثا عن القوة لا بمعناها المادى طبعا ولكن بمعناها الروحى والعقلى والإنسانى.
لقد أثار بلوم دهشتى عندما قال: إن القراءة المهنية والأكاديمية لا يعول عليها كثيرا لأنها فى الأصل تعمل لحساب المنفعة ، ولكن القراءة الحرة لها مداخل أخرى وأحاسيس ورؤى مختلفة لذلك يتعين أن يتم تعليم المدرسين كيف يقرأون ويكيف يعلمون التلاميذ كيفية القراءة المفضية إلى الفهم والمتعة والتفكير فيما وراءها.
يستعرض المؤلف العديد من النماذج التى يقدمها على مائدة المناقشة ومن ذلك أعمال تورجنيف وتشيكوف فى القصة القصيرة وكذلك جى دى موباسان وهيمنجواى وأوكونور وبورخيس، ويعقب القصة القصائد الشعرية فيتناول قصائد شهيرة لهوسمان وإميلى ديكنسون ووالت ويتمان وسوناتات شيكسبير، وانتقل إلى الرواية حيث توقف عند روايات عديدة لديستوفسكى وهنرى جيمس ومارسيل بروست وهيرمان ميلفل وفوكنر ثم تونى موريسون.وغيرهم
وأحسب أن الكتاب مفيد كثيرا خاصة للكتاب الشباب وشتى القراء وهواة الأدب، وهو نعم العون لراغبى التواصل مع آليات الإبداع الأدبى.
"يقرأون الآن"..فؤاد قنديل يطالع "كيف نقرأ ولماذا؟" لـهارولد بلوم..الكتاب يدور حول الطرق المتعددة لتمكين القارئ من الاستمرار..ويستعرض تجارب الكُتّاب..والنتيجة تأثير بالغ على الشخصية وأسلوب النظر للعالم
الأحد، 03 أغسطس 2014 07:10 م
فؤاد قنديل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة