لم يعد خافيا على عموم المصريين شكل الدور المشين الذى يلعبه النظام القطرى تجاه المنطقة العربية بالكامل بل وتجاه الصراع العربى الصهيونى بشكل خاص، إلا أن هذا الإطار العام الذى تدور فيه تحركات النظام القطرى لا يجب أن يكون هو المحط الوحيد لنظر عموم المصريين أو كثير من الشعوب العربية، إذ ينبغى أن يصل الجميع إلى إدراك حقيقة واقعة؛ ألا وهى أن لهذا النظام دور محدد فى إعادة رسم خريطة ما يطلق عليه الشرق الأوسط الجديد وللوصول لهذه الحقيقة يجب النظر بعين الاعتبار والفحص للخطوات القطرية على هذا الدرب ولكن هنا فلننظر إلى الأمر من زاوية تبدو نوعا ما أكثر قربا من المشهد العربى الحالى.
فأولاً، إنّ اتفاق عام 2012 بين الكيان الصهيونى وحركة حماس برعاية المعزول محمد مرسى وبمباركة النظام القطرى ودعمه لم يفعل شيئاً لمنع «حماس» من بناء شبكة مركّبة من الأنفاق لتطلق منها صواريخها غير الفاعلة واقعيا على تخوم الكيان المحتل وهو ما لن تقبله تل أبيب أو بالأحرى لن تتحمل لفترة طويلة فكرة العيش مع أنفاقٍ قد تتغلغل فى الداخل وتشكل على حد قول أحد مستوطنيهم «مسدساً مصوباً على رؤوسنا».
ثانياً، إن مصر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى مختلفة اليوم عن الأيام الخوالى، إذ باتت تجد فى «حماس» شكلا من أشكال التهديد حتى إن كانت قادرة على التعامل معه نظراً لانتماء الحركة شكلاً وموضوعاً لتنظيم الإخوان المعادى للبلاد ولم تعد الحركة حليفاً محتملاً بل إن طبيعة علاقة الحركة ماليا بالنظام القطرى يضعف من احتمالات ثقة الإدارة المصرية فيها وبالتالى فإن مصر لم تعد ترى أن لديها مصلحة فى إنقاذ «حماس» أو السماح لها بالاستفادة من الصراع الحالى وإنما يظل الهدف الرئيسى هو حماية الأمن القومى المصرى من جهة ومساعدة الدولة الفلسطينية من جهة أخرى للوصول لحل نهائى.
ثالثاً، يرى السعوديون والإماراتيون والأردنيون فى جماعة «الإخوان المسلمين» التى انبثقت عنها «حماس»، خطراً يضاهى الخطر الإيرانى نظراً لقدرتها على الانتشار والتخفى داخل تلك المجتمعات بحكم الوضع السياسى الذى يعانى منه الفلسطينيون وقدرتهم على خلق روابط مالية داخل هذه الدول تخدم مصالح الإخوان بالأساس وقطر الراعى العربى الوحيد لهم ومن ثَم تريد هذه الدول العربية المعتدلة أن ترى «حماس» تخسر لا أن تفوز.
وتسهم هذه الحقائق الجديدة فى تبرير سبب شنّ «حماس» هذه الجولة القتالية: فقد كانت فى عزلة ووضع مالى يائس، وكانت مصر قد قطعت على الحركة أنفاق التهريب من سيناء إلى قطاع غزة، التى كانت تشكل غالبية إيراداتها، فيما استُنزف مصدر تمويلها الرئيسى الآخر - أى الإيرانيين - بسبب الخلافات بشأن الصراع السورى والأولويات الإيرانية الأخرى وقد توقعت «حماس» أنّ اتفاق المصالحة الذى توصلت إليه مع السلطة الفلسطينية سيدفع هذه الأخيرة إلى تحمل التزامات «حماس» المالية. لكن السلطة الفلسطينية امتنعت عن ذلك وتعذّر على «حماس» دفع الرواتب وحيث لم يكن لديها ما تخسره، شنت «حماس» هذه الجولة من القتال آملةً، بحكم دورها كمحور لا يمكن إغفاله فى منظومة المقاومة وبفعل التعاطف الذى كسبته جراء عدد الضحايا الكبير من الفلسطينيين المدنيين وإلحاقها بعض الخسائر ولو الشكلية على الأقل بالكيان الصهيونى، أن تسترجع دورها كلاعب لا غنى عن التعامل معه وأحيانا وإرضائه.
وتستوجب هذه الاستراتيجية التهكمية، على أقل تقدير، كسب «حماس» شيئاً ما من هذا الصراع فى الوقت الذى يقتصر فيه مناصروها على تركيا وقطر ويبدو أن فريق الرئيس أوباما اعتقد أن تركيا وقطر قد تتمكنان من استخدام نفوذهما على «حماس» من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار لكن هنا أيضاً نرى الحقائق الجديدة تعرقل مثل هذه المقاربة. فتركيا وقطر تسعيان إلى الهدف نفسه الذى تسعى إليه «حماس»، وهو تحقيق النصر الحمساوى - بما يعنيه ذلك من انتهاء القتال ورفع الحصار عن غزة وعدم إخضاع البضائع التى تدخل القطاع إلى أى تدابير احتياطية قد تحول دون قدرة «حماس» على إعادة بناء بنيتها التحتية وليست بنية القطاع أو العودة للمظلة الفلسطينية الموحدة وبهذا تظل قطر تحديدا لاعبا رئيسيا فى هذا الملف الذى تضمن السيطرة على جانبه المالى من جهتها مما يسهم فى عدم الوصول لمصالحة فلسطينية فلسطينية والذهاب لحل نهائى بشأن الدولتين وأن يبقى الحال مستقرا على أساسه الفوضوى.
فى 26 يوليو، وقف وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بجانب وزير الخارجية القطرى خالد بن محمد العطية فى باريس خلال الخطابات التى ألقاها الطرفان بشأن المساعى الدبلوماسية التى تُبذل من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيونى و«حماس». جاء ذلك فى أعقاب اجتماع عُقد فى البنتاجون فى 14 يوليو بين وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل ووزير الدولة القطرى لشؤون الدفاع حمد بن على العطية، وقّع خلاله الطرفان على صفقة أسلحة بقيمة 11 مليار دولار شملت صواريخ من طراز «باتريوت»، ومروحيات «أباتشى»، وصواريخ مضادة للدبابات، وتأتى هذه المبادرات العالية المستوى، وطبيعة العلاقات الثنائية عموماً نتيجة الإيرادات الضخمة التى تجنيها الدوحة من الغاز الطبيعى، فضلاً عن سخائها فى منح سلاح الجو الأمريكى الإذن بتسيير قاعدة العُديد الجوية العملاقة، التى كانت جوهرية للعمليات فى العراق وأفغانستان. وكما أنها تدعم «حماس» وتأوى زعيمها خالد مشعل، وتتخذ العديد من الخطوات الدبلوماسية لمنح صفة الاحترام المفقود للحركة.
إنّ المفتاح لفهم هذه العلاقات من وجهة النظر القطرية هو أن قطر تعتبر الولايات المتحدة أهم حلفائها وتعمل جاهدةً على صون الروابط بينهما. وتنتج هذه الذهنية عن ارتياب قطر من مساحتها الصغيرة وعزلتها الجغرافية. فشبه الجزيرة الغنية بالهيدروكربون أصغر من محافظة قنا بجمهورية مصر العربية وتبرز من جزيرة العرب لتغوص فى الخليج العربى على بُعد أقل من 200 كم من إيران، كما لا يتجاوز عدد سكانها الـ 250 ألف نسمة، (علماً بأن العمالة الوافدة المؤقتة تشكل من ستة إلى ثمانية أضعاف إجمالى سكان قطر) وعلاوة على ذلك، فإن علاقات قطر مع جيرانها لطالما كانت متوترة. فلها فى الجنوب حدود مشتركة مع المملكة العربية السعودية التى دعمت فى السابق انقلاباً ضد الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى، ولا تزال تعتبر قطر راعياً مقلقاً لشبكة «الجزيرة» والقنوات الإعلامية الأخرى التى تنتقد المملكة أحياناً. وفى الغرب تقع دولة البحرين الذى تتحدر عائلتها الحاكمة من شبه الجزيرة القطرية، علماً بأن هذه العائلة لم تتخلَّ عن مطالبها الإقليمية هناك إلا مقابل تسوية سخية لخلاف على بعض الشعاب البحرية والجزر الصغيرة. وتحدها الإمارات العربية المتحدة شرقاً، حيث يتهم المسؤولون الدوحة بدعم الناشطين السياسيين التابعين للمعارضة. أخيراً وليس آخراً، تقع إيران إلى شمالها وتقاسمها أضخم حقل غاز بحرى فى العالم، يُدعى «حقل جنوب فارس» فى طهران وبـ «حقل الشمال» فى الدوحة، ويسبب أحياناً توترا بين البلدين لأن قطر تستخرج الغاز أكثر من إيران.
وفى خضم هذه الاحتكاكات، سعت قطر إلى صنع مركزٍ لنفسها تكون فيه مستحدثة التوجهات فى المنطقة. فبعد انقلاب الشيخ حمد على والده عام 1995 وتوليه الحكم، أخذ يتودد عمداً إلى واشنطن - فى عملية ازدادت سهولةً بعد أن أقامت الدوحة علاقات ودية مع إسرائيل تبعتها علاقات تجارية كما رفع الرقابة الرسمية المتعارف عليها عن الإعلام ليخلف نوعاً من التوجيه فأتاح لقناة الجزيرة أن تباشر عملها فى عام 1996. وفى عام 1999، شهدت البلاد انتخابات بلدية إنما دون أحزاب سياسية. ومنذ مدة غير بعيدة، وصل تميم للعرش ليبدأ فى صياغة جديدة للحسابات القطرية التى تخدم مصلحة تل أبيب بالأساس على عكس ما هو شائع أن النظام هناك يخدم واشنطن وهو ما سنناقشه فى الأسبوع القادم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عمر
حماس قاهرة العرب المتصهينيين
عدد الردود 0
بواسطة:
رضاك يالله
من قطر "هنا تل أبيب" والحقيقة هى تل الربيع
عدد الردود 0
بواسطة:
مصريه
عددقتلى حماس من الصهاينة؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
mustafa omer
لصهاينه العرب